العدد 3018 - الجمعة 10 ديسمبر 2010م الموافق 04 محرم 1432هـ

الدعوة للإصلاح الحقيقي

الإصلاح مصدر للفعل أصلح، وأرومة الفعل ثلاثة أحرف: ص ل ح ، وجاء في المعجم الوسيط معنى كلمة (صلح) - صلاحاً - وصلوحاً : زال عنه الفساد، والشيء، كان نافعاً أو مناسباً يقال هذا الشيء يصلح لك، وأصلح في عمله أو أمره أي أتى بما هو صالح، ومفيد!! ويذكر أن الخليل بن أحمد الفراهيدي كان يردد على مسامع أصحابه (من علم بفساد نفسه علم صلاحها).

ويذكر أن عامل حمص في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز كتب له رسالة قال فيها: «إن سور المدينة قد تهدم، فإن أذن لي أمير المؤمنين في إصلاحه). فكتب إليه عمر: (حصن مدينتك بالعدل ونقِّ طرقها من الظلم، فإنه حِصنُها).

وكان المصلح الديني مارتن لوثر يعاني صراعاً نفسياً مريراً، ما دفعه إلى الوقوف ضد البابوية والمؤسسة المسيحية الضخمة في أوروبا، وقد ثار ضد صكوك الغفران المعروفة في التاريخ وعلق أطروحاته الإصلاحية على باب كنيسة (ويتنبرغ) وبقي يدافع عنها بإصرار، رغم جميع الضغوطات التي مارست ضده للتراجع عن آرائه، كان يرد علي الجميع بقوله: «بما أن ضميري مقيد بكلام الله، فإني لا أستطيع ولا أريد التراجع عن آرائي، ذلك أنه من الخطر على المرء أن يسير عكس ضميره فيفقد حظه في النجاة!!».

ومعاً تعالوا نقرأ وصية الحسين التي دفعها إلى أخيه محمد بن الحنفية وفيها يقول: «إن الحسين بن علي يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق. وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور. إني لم أخرج أشِراً ولا بطِراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وسيرة أبي علي بن أبي طالب عليه السلام. فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين».

إن إصلاح الإمام الحسين هو هذا النوع من الإصلاح الإلهي.

وقد عنون الحسين أهدافه من خلال خطبه كلها للقوم بثلاثة أنواع من الإصلاح.

1. الإصلاح في الأمة.

2. الإصلاح في البلاد.

3. الإصلاح في الإنسان.

الإصلاح كما ورد في خطب ومقالات وأحاديث الإمام الحسين إصلاحاً شاملاً للأمة، ليس الإصلاح عند الإمام، بالإعلان المبدئي، والقول النظري، بل هو إصلاح بالقول والعمل والتقرير. الإصلاح عند الإمام الحسين في نصوصه وخطبه ومقالاته (موقف). ولذلك يعطف على الصالحين، إنه موقف لا يحسب في ميزان الربح والخسارة في هذا العالم، بل في ما بعد هذا العالم، وهذا ما يجعل من الإصلاح مطلباً مركزياً في نهضة الإمام.

الإصلاح عند الحسين هو إرجاع الإسلام إلى أصوله الحقيقية باعتباره دين القيم الإنسانية التي انتهكها الحكم الأموي بكل المعايير. فالحسين لم يكن يسعى للسلطة كما يتوهم البعض أو يصغر من شأن ثورته بحصرها في صراع على السلطة ضد شخص لا يتمتع بأي صفة من صفات القيادة الأساسية للأمة. بالإضافة إلى أنه قتل النفس المحترمة وأشاع المجال للنفس الأمارة بالسوء أن تحكم وتتحكم في رقاب العباد والبلاد.

والإصلاح الإداري لا ينعزل عن الإصلاح السياسي، والاقتصادي، والقضائي، والثقافي.

الإصلاح إعادة الصلاح، والصلاح هي فطرة الخلق الأولى، بينما الإفساد الانحراف عن تلك الفطرة. وهكذا يبيّن الله سبحانه تدبيره للخلق، وكيف قدره وأحسن تدبيره «وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرض بَعْدَ إصلاحها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُـحْسِنِينَ» (الأعراف: 56).

والإصلاح يناقض الإفساد، والنية مهمة فيه، فلا يمكن أن يجتمع الفساد الخلقي والإداري ونهب الأموال والأراضي والأنفس في دولة - أي دولة - تدعي الإصلاح ولذا وقف الحسين (ع) السلام بقيمه الأصيلة ضد ما كانت تدعيه الدولة الأموية من معنى الإصلاح في الأمة بملاحقة خيارها والمعارضين لنهجها الكسروي وزجهم في غياهب السجون أو تصفيتهم جسدياً وترك شرار القوم ذوي الأنفس الأمارة بالسوء والشيطانية الشهوانية لحب المال والسلطة بلا عقاب ولا حتى إصلاح. لذا وقف الحسين بثورته القيمية ضد هذه الانحرافات في تفسير معنى الإصلاح عند رجال السلطة والمال. وضد المنافقين الذين طالما وقفوا مادحين لسلطة البغي والانحلال والظلم لمجرد أنها دغدغت عندهم نفس الجشع للمال والجاه والعظمة وإن كان معظمهم يدعي الإسلام، فالذين تركوا الرسول قائماً يصلي في المسجد وقضوا وقتهم يصفقون في الأسواق أيضاً كانوا مسلمين، ولكن هل خامر الإيمان قلوبهم وعقولهم أم مر في آذانهم كما يمرق السهم من القوس؟؟

وهكذا رد القرآن الكريم ادعاء أمثال هؤلاء المنافقين بأنهم مصلحون، بل نعتهم بالإفساد. قال الله سبحانه: «وإِِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * ألا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ» (البقرة: 11-12).

واليوم نجد الجميع أعجبتهم كلمة الإصلاح وراحوا يرددونها كلقلقة لسان فقط ولكن عند ما يحين الحديث عن ضرورة الإصلاح الحقيقي الذي يمس مصالحهم الآنية الدنيوية تراهم يداورون على تلك الكلمة وتقف حدود فهمهم للمصطلح بين «تصليح» بعض إجراءات العمل الإداري والإجرائي، الذي أخذ به بعض مسئولي السلطة ممن يرون أي تغيير حقيقي يمثل ضرراً بمصلحتهم الشخصية، أو أنهم لم يستوعبوا معنى الإصلاح، وبين إسقاط السلطة الذي أخذ به بعض معارضيها في الداخل والخارج.

لقد ناضل الحسين بثورته ضد شخصنة الدولة وضد تمكين السلطة السياسية من السيطرة على مؤسسات الدولة بدل أن تكون هي إحدى هذه المؤسسات. أليس هذا هو سر الحياة الديمقراطية الحديثة؟

فالإصلاح ليس بالتمني، وإنما باتباع حدود الله وقيم الحق. ولعل أحد أبرز تجليات الإصلاح، وجود معايير ثابتة عند المصلح، بينما المفسد يتبع هواه ونفسه وشهواتها. والمصلح يجب أن يكون هو الأصلح الذي يرتكز على سلوكيات نبيلة، وقيم نبيلة أيضاً. وهذا ما قام به الحسين (ع) في نهضته الكبرى تحت عنوان الإصلاح؟

فأين نحن من هذا المعنى اليوم؟

العدد 3018 - الجمعة 10 ديسمبر 2010م الموافق 04 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:17 ص

      والمصلح يجب أن يكون هو الأصلح

      فالإصلاح ليس بالتمني، وإنما باتباع حدود الله وقيم الحق. ولعل أحد أبرز تجليات الإصلاح، وجود معايير ثابتة عند المصلح، بينما المفسد يتبع هواه ونفسه وشهواتها. والمصلح يجب أن يكون هو الأصلح الذي يرتكز على سلوكيات نبيلة، وقيم نبيلة أيضاً. وهذا ما قام به الحسين (ع) في نهضته الكبرى تحت عنوان الإصلاح؟
      فأين نحن من هذا المعنى اليوم؟

اقرأ ايضاً