العدد 3021 - الإثنين 13 ديسمبر 2010م الموافق 07 محرم 1432هـ

«عاشوراء المنامة» وقائمة اليونسكو للتراث الثقافي الإنساني غير المادي

ناصر البردستاني comments [at] alwasatnews.com

لديَّ صديق أستأنس بتفسيراته حينما أراجعه، ليفسر لي حلماً رأيته في المنام، صارحته قبل سنوات بأني لم أعد أحلم كالسابق ومعظم أحلامي أنساها بعد الاستيقاظ، ففكر مليّاً ثم قال لي: يبدو أنك كثير المعاصي، لذا عليك بالاستغفار!

انتابتني الدهشة لتفسيره، ولكن كتمت ذلك في نفسي. كنت أفكر مليّاً في تفسيره من حين لآخر، ولكني اكتشفت لاحقاً بأنه على الرغم من أني لم أعد أحلم في المنام كالسابق، ولكن أحلامي انتقلت إلى الواقع، فصرت أحلم في اليقظة، وما أن تمر برهة على حلم حتى أحلم تارة أخرى بحلم آخر، فما أكثر أحلامي في اليقظة، والتي أصبحت ترهقني بعكس أحلامي السابقة في المنام.

واليوم أريد أن أصارحكم بآخر أحلامي، طبعاً أحلام اليقظة، فبينما كنت أتصفح الموقع الإلكتروني لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) شدني خبر بعنوان «القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية تزداد ثراءً بـ 46 عنصراً ثقافياً جديداً»، وذكر فيه أن اللجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، والمؤلفة من 24 عضواً أقرت في اجتماعها السنوي الأخير إدراج عدد من العناصر الثقافية في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية. وكان من تلك العناصر الجديدة استعراض الفلامنغو الإسباني الشهير، وكرنفال مدينة آلوست البلجيكية، ومهارة حياكة السجاد الكاشاني في إيران، وأوبرا مدينة بكين الصينية، وتربية الصقور، وهو الاقتراح المشترك الوحيد الذي أجمعت عليه الكثير من البلدان، منها ثلاث دول خليجية هي المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات المتحدة.

أثارت دهشتي كثيراً عبارة «التراث الثقافي غير المادي»، فأردت التعرف أكثر على المقصود منها، والاطلاع على القائمة التمثيلية الحالية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، فصرت أتصفح في الموقع عن المعلومات المتوافرة، وقمت بتحميل بعض المطبوعات التي تتناول الموضوع من الموقع نفسه، ومواقع أخرى.

وكان مما قرأته هو أن اليونسكو اعتمدت في مؤتمرها العام للدورة 32 والمنعقدة في العام 2003م بالعاصمة الفرنسية (باريس) «الاتفاقية الدولية لحماية التراث الثقافي غير المادي»، والتي تشكل الإطار القانوني التي استندت على المواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وهي العلامة الفارقة لتطور السياسات الدولية الرامية إلى الحفاظ على التنوع الثقافي وتعزيزه في مواجهة تداعيات العولمة، حيث سيعزز ذلك فرص التلاقي والحوار بين الثقافات المتعددة، والاحترام المتبادل بين مختلف مكونات المجتمع الواحد.

وحسب أدبيات اليونسكو فإن التراث غير المادي عبارة عن تراث جامع، يعطي الفرد إحساساً بهويته التي توارثتها الأجيال، وتطورت استجابة لظروف العصر والبيئة، وهي مستمرة، وتشكل حلقة وصل بين ماضي هذا الفرد وحاضره ومستقبله، وهذا التراث يشجع على التماسك الاجتماعي، ويحفز الشعور بالانتماء والمسئولية، الأمر الذي يقوي عند الفرد الشعور بالانتماء، لذا فهو تراث تقليدي ومعاصر في آن واحد، وهو حي في الوقت ذاته.

وبالرجوع إلى الاتفاقية، فقد نصت المادة الثانية منها على أن المقصود بالتراث الثقافي غير المادي هو «الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية، التي تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحياناً الأفراد جزءاً من تراثهم الثقافي، وهذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلاً بعد جيل، تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة، بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، وهو ينمي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها، كما يعزز احترام التنوع الثقافي والقدرة الإبداعية البشرية، ولا يؤخذ في الحسبان سوى التراث الثقافي غير المادي، الذي يتفق مع الصكوك الدولية القائمة، والمتعلقة بحقوق الإنسان، ومع مقتضيات الاحترام المتبادل بين الجماعات والمجموعات والأفراد والتنمية المستدامة.

بعد تلك القراءة بدأ حلمي الجديد الذي أبوح به لأول مرة، ونحن في موسم عاشوراء الإمام الحسين (ع)، وهذا الحلم هو «هل يمكن يا ترى أن ندرج عاشوراء المنامة على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية»؟

فالتراث الثقافي الإنساني لا يقتصر على المعالم التاريخية والقطع الأثرية، وإنما يشمل أيضاً العادات والتقاليد الموروثة التي تناقلت بين الأجيال المتعاقبة حتى وصلت إلينا، ومنها الطقوس الاجتماعية والمناسبات الاحتفالية والفنون الاستعراضية، والتي تشكل معاً تراثاً بشرياً متنوعاً يمكن أن نطلق عليه عبارة «التنوع الخلاق».

وبناء عليه فإن موسم عاشوراء، وخصوصاً في العاصمة (المنامة)، يشكل أبرز تراث شعبي بحريني تحييه الجماهير منذ عشرات السنين، ويتجدد عاماً بعد عام، وهو الفعالية الشعبية الأكبر التي يشارك بها الرجال والنساء على حد سواء، من مختلف الأعمار والجنسيات، وهو الموسم الذي يلقى سنوياً كل الدعم والمساندة من القيادة السياسية ومؤسسات الدولة المختلفة، لذا يحق للبحرين وشعبها أن تفتخر بهذا المهرجان الذي قل نظيره على المستوى الإقليمي والعالمي، والذي بات يستقطب اهتمام مختلف وسائل الإعلام، وينشط السياحة الدينية والثقافية في منطقتنا.

لذا فإن السلطة التنفيذية متمثلة بوزراة الثقافة مدعوة إلى دراسة هذا المقترح وذلك من أجل تعزيز روح المواطنة والانتماء في الفرد وحب الأرض التي نشأ وترعرع فيها، كما وأن السلطة التشريعية مطالبة بسرعة العمل على إزالة أي عقبة أمام انضمام وتصديق مملكة البحرين على اتفاقية اليونسكو لحماية التراث الثقافي غير المادي لسنة 2003م، والتي انضمت إليها أكثر من 130 دولة في العالم، منها 15 دولة عربية. فالبحرين تزخر بالعديد من العناصر التي تستحق أن تدرج ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، وما موسم عاشوراء إلا أبرزها، ولكننا نمتلك عناصر أخرى مثل «القرقاعون» و «الحيّه بيّه» و «الناصفة» و «العرضة» و «يوم الدشة»، وكلها عناصر تستحق وبجدارة أن تدرج في تلك القائمة التمثيلية والذي من شأنه أن يعزز موقع البحرين كوجهة سياحية ثقافية على المستوى الإقليمي والعالمي.

إن من الأحلام ما يتحقق في أيام كحلم الفتيين اللذين كانا في السجن مع النبي يوسف؛ ومنها ما قد يتحقق بعد شهور كحلم البقرات السمان والسنبلات السبع لملك مصر؛ في حين أن بعض الأحلام يتأخر تأويله سنين مديدة كحلم سيدنا يوسف، وأردت أن أشارككم في حلمي هذا لعله يتحقق قريباً، ولا يكون أضغاث أحلام يصعب تأويله.

إقرأ أيضا لـ "ناصر البردستاني"

العدد 3021 - الإثنين 13 ديسمبر 2010م الموافق 07 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 2:46 م

      ليش يا اخي عاشوراء ليس مناميا وحسب

      احيي الكاتب المحترم على لفتته الفكرية بيدان الكاتب يبدو عليه طابع التعصب لمناميته
      عاشوراء يا اخي ليس مناميا فهو تجسيد لثقافة الانتماء والتقاليد المتوارثة لمختلف مناطق البحرين واضحى مناسبة يتجمع حولها الطائفتين الاسلاميتين الكريمتين في بلادنا
      واذا ما اردت ان تسجل ذلك في قائمة التراث غير المادي للانسانية فعليك ان تسعى لتسجيل عاشوراء في جوهره العام كتراث لمنهج الدعوة لقيم ومبادئ العدالة الانسانية والاخاء والتسامح

    • زائر 7 | 7:06 ص

      خمس سنوات ضاعت من عمر الجمعية وهي تلاحق وزارات الدولة (العمل والشئون الاجتماعية والإعلام)

      حكاية «المرسم الحسيني» تُلخّص معاناة مؤسسات المجتمع المدني المليء بالنشاط والعنفوان وحب العطاء في البحرين. فقد انطلقت الفكرة في بدايات العام 2001، بتجمع لعدد من الفنانين وأصدقائهم، الذين دشّنوا مرسماً حراً تزامناً مع موسم عاشوراء. وهي تجربةٌ أنزلت الفن التشكيلي من الصالات النخبوية المغلقة إلى الشارع والجمهور.
      خمس سنوات ضاعت من عمر الجمعية وهي تلاحق وزارات الدولة (العمل والشئون الاجتماعية والإعلام) للاعتراف بها رسمياً.
      كم سنة تحتاج للاعتراف وتحقيق حلمك؟؟ هذا هو السؤال ؟ نريد اجابة شافية ؟

    • زائر 6 | 6:54 ص

      بنت المنامه

      الحمدلله شعب البحرين بكل طوائفه ومكوناته طيبيين ومتماسكين ولكن على المسئوليين لكل طائفه ونسيج في المجتمع اظهار مواهبه وموروثاته لكي نحس باعتراف الدوله بنا وانتمائنا لارض البحرين الحبيبه

    • زائر 4 | 3:35 ص

      نعم عاشوراء من شعائر الله

      ماذا يحي الناس في عاشوراء؟ يحيون ذكرى سيد شهداء أهل الجنة وريحانة رسول الله ص الذي بكاه حين ولادته قبل استشهاده وكانت شهادته مسار تصحيح وتصليح المفاهيم لدى الأمة لأن كل شيء يبلى حتى عقائد الناس وخاصة إذا ابتليت بمن
      بمن يحاول حرفها عن مسيرتها الصحيحة لذلك كان
      لا بد للأمة من صدمة عنيفة ترجعها إلى أصلها
      وكانت شهادة الإمام الحسين كذلك

    • زائر 3 | 2:59 ص

      بوعقيل

      في البدابة وقبل ادراج موسم عاشوراء مم ضمن عناصر التراث الثقافي الغير مادي يتعين قبل ذلك تنقيته من الخزعبلات والبدع الدخيلة عليه و التي تشوه اسمى المعاني المتربطة به الا وهي كل الطقوس التي تهدف الى ايذاع النفس من ضرب الرؤوس بالسيوف وضرب الظهور بالسلاسل الحديدية المطعمة بالسكاكين و ضرب الصدور حتى احمرارها وظهور الدماء منها .. هل هذا التراث التي تريد ان تشمله منظمة اليونسكو بالحماية من خلال الاتفاقية الدولية لحماية التراث الثقافي غير المادي !
      الى رقيب الوسط احتراما لحرية الراي الرجاء النشر

    • زائر 2 | 2:18 ص

      عاشوراء من شعائر الله

      هل التراث و التقاليد الموروثه مقدسه؟
      هل التراث و التقاليد من شعائر الله ؟
      بمعنى لا يمكن المقارنه العمل الذى له ارتباط بعقيده السماويه و التى تعتبر قيامها اجر ٌ من عند الله مع باقى التقاليد الموروثه و التى ابتكرت من قبل جماعه او الشعوب.

    • زائر 1 | 11:12 م

      فكرة رائعة

      تستحق الشكر والتقدير على هذا النوع من احلام اليقظة يا نادر

اقرأ ايضاً