العدد 3022 - الثلثاء 14 ديسمبر 2010م الموافق 08 محرم 1432هـ

ولاءٌ مُعَمَّدٌ بالدّمِ النقي

هكذا هم الولائيون في ربوع الأرض المعطاء طوال حياتهم وعهدهم...

هكذا هم أبداً يدشنون ولاءهم وحبهم للوطن وترابه بقطرات دمهم النقي...

ليس هناك أدنى فرق بينهم وبين من يسطّر بدمه شهادة فداء للوطن وترابه في ميدان الذود عن حياضه. إلا أن هؤلاء يسقون بدمائهم شجرة الحياة (الدلمونية) بطواعية وحب ومن دون انتظار أية مكافأة أو حتى شكر لتضحياتهم المعمدة بالدم النقي، بعكس الجندي المكلف في ميادين القتال بحسب وظيفته للدفاع عن الوطن.

هكذا هم الولائيون في حب البحرين حين تراهم كالزرافات يتقاطرون على مواقع التبرع وعلى وجوههم تلك الابتسامة التي يرومون من ورائها زرع الأمل وإنعاش الحياة لأشخاص آخرين هم في أمس الحاجة لتلك الدماء النقية حتى وإن كان بعض أولئك قادمين من وراء البحار وممن آذوهم في أنفسهم وحاصروهم وعذبوا فلذات أكبادهم بلا ذنب جنوه في غالب الأحيان سوى حب الوطن بولاء شديد. ذلك الحب الذي لا يفهمه واقعاً عملياً، وليس طنطنة صحف وإعلام مسموع ومرئي، سوى من يتبرع بـ 18 ألف كيس من الدم عبر 40 حملة تبرع تم تنظيمها في المواسم الدينية المختلفة من مواسم حملات معنونة بأسماء آل البيت الكرام وعبر أحد عشر شهراً فقط.

هكذا يعبر شعب البحرين الأبي عن حب وطنه وكل من يعيش على ترابه كما علمهم الحسين بن علي (ع) في ثورته التي تزداد عطاء وبثاً في دروس تعليم الأمة على مر الدهور والأيام لأنها تعمدت بتلك الدماء النقية الطاهرة على أرض كربلاء. وهكذا كان الإمام يبكي أسفاً على من يقاتلونه لأنهم يدخلون بسبب قتاله النار، إلى هذه الدرجة يصل بالحسين (ع) البعد والحس الإنساني العظيم الذي لا نجده عند غيره من القادة على مر التاريخ، يأسف لمن يدخل النار بسبب قتاله وهم يناصبون له العداء والحرب والإبادة الكاملة له ولآهل بيته.

هكذا علمهم الحسين (ع) بثورته الإنسانية في كل خطواتها ومبادئها. وهذا ما جعل البحرين تتفوق على دولة مثل المملكة المغربية - على سبيل المثال لا الحصر - في توفير 18 ألف كيس من الدماء النقية، تخلو من ترسبات الكحوليات والمخدرات، في مدي أحد عشر شهراً فقط بينما تلك الدولة بقضها وقضيضها وإمكاناتها لم تستطع توفير أكثر من 12 ألف كيس دم في عام كامل وليس أحد عشر شهراً فقط على رغم أن عدد سكانها يفوق الثلاثين مليوناً من الأنفس! أليست هذه ظاهرة عجيبة وملفتة للنظر تستحق الدراسة والتأمل والحديث عنها للعالم أجمع من وجهة النظر الإنسانية الحضارية وليس المذهبية الفئوية؟ فالدم المتبرع به في هذه المناسبات الدينية الولائية يساهم بما نسبته 50 في المئة من احتياجات بنك الدم البحريني وذلك بحسب إحصاءات المسئولين عن تلك الحملات. وهو طبعاً لا يذهب لأجساد المتبرعين بل لكل من يعيش على وجه هذه المملكة المعطاء، وهو لعمري يعبر عن صدق الولاء الحقيقي من أهلها.

أضف إلى هذا الأثر العظيم - وهو جزء من تعاليم ثورة أبي عبدالله الحسين (ع) - ما يصاحب مواسم عاشوراء من مظاهر حضارية راقية جداً وصلت حتى موسوعة (غينيس) العالمية بتسجيل أكبر حملة لقياس ضغط الدم في العالم في يوم واحد تجري هذا العام وهو يوم الثامن من محرم 1432 هـ.

كما تعجب وأن ترى بقرب ساحة مقبرة للأموات وسط العاصمة المنامة عشرات من أفراد الجاليات الأجنبية يتقاطرون لخيمة متواضعة نصبت بصدق الولاء للوطن والقضية الحسينية لتنشر الوعي الرسالي بالإسلام وكونه أعظم رسالة ختمت بها العناية الربانية الدعوة للبشرية للهداية وإصلاح النفس والأرض. خيمة تنشر صوت الحق الذي جاء به الحسين (ع) تكملة لرسالة جده المصطفى (ص) فما أعظمها من رسالة، مروراً بكل الفعاليات العاشورائية الأخرى من مراسم حسينية ومسرحيات ومشاهد تراجيدية لإظهار أن الفن ليس هو ذاك النوع الرخيص فقط بل في الإمكان أن يتحول كل الفن لخدمة قضايا حضارية انطلاقا من فكر الحركة الحسينية ومبادئها الرسالية القرآنية. ناهيك عن الجوانب الإعلامية المصاحبة من إصدار كتب ونشرات وكتيبات وملصقات كلها تدعو للمثل العليا الحضارية الراقية التي دعا إليها الحسين بن على (ع) في حركته الإنسانية عموماً.

وهكذا يسير بقية الولائيون الحقيقيون، حين يكتبون بدمائهم النقية وبنفوسهم الأبية المبدعة وبأقلامهم الحضارية الواعية وبفكرهم المنفتح والمحاور الذي لا يرفض الآخر لمجرد أنه آخر وهو يعيش معه على التراب نفسه، بل بدمه وقلمه ونفسه وعقله وإنسانيته وحضاريته يحاول أن يقول:

هذا هو طريق ولائي

أعمده بدمائي

مهما أظلم النهار واسودّ الليل

فشمعتي الإنسانية الحسينية الرسالية القرآنية

هي نبراسي في هذا الطريق.

العدد 3022 - الثلثاء 14 ديسمبر 2010م الموافق 08 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:49 م

      كلام جميل ورائع من هذا المثقف .

      بارك الله في هذا صاحب هذا الكلام المنصف و الذي أراد أن يرسل رسالة واضحة يضع من خلالها النقاط على الحروف ليعرف أهل البحرين وحبهم لوطنهم وأهل بلدهم بكل أطيافهم فالدم يعطى للمقيم المحتاج بغض النظر عن دينه و مذهبه . هذا هو شعب الحرين الكريم السامي . ولكن ! أيصح بعد هذا الوضوح في هوية هذا الشعب وحبه لوطنه وللإنسان عامة أن يتهم بعدم الولاء لوطنه ؟ كم كيس دم تبرع به من يزعم أنه وطني ولديه الولاء الأقوى لوطنه . لا جواب .

اقرأ ايضاً