العدد 3023 - الأربعاء 15 ديسمبر 2010م الموافق 09 محرم 1432هـ

جلالة الملك يضع أصبعه على جرح «التجنيس»

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بعد أن وضع الجميع أمام مسئوليتهم التاريخية، في فقرة سياسية مكثفة، وتحمل الكثير من المعاني، خاطب فيها جلالة ملك البحرين مجلسي النواب والشورى، قال جلالته فيها: «تنتظركم اليوم واجبات كثيرة، سواء في مجال تطوير القوانين وسَنِّ التشريعات، أو في مجال إقرار الحقوق وحماية الحرياّت، أو مجال الرقابة على الأداء الحكومي وإصلاح الأوضاع، أو مجال التنمية الاقتصادية، وغيرها من المجالات.

وهي واجباتٌ لن تكون سهلةً وميسورةً إلا بتعاونكم وتكاتفكم وتعاونكم مع الحكومة الموقرة التي لن تألو جهداً في التعاون معكم، وفي تسهيل مهمتكم، فهدفكم وهدف الحكومة واحد، وهو خدمة الجميع الذين ينتظرون منكم المزيد من الجهد والبذل والعطاء، في إطار ما نعتز به من شراكة وطنية جديرة بكل رعاية تجمعنا معا»، التفت جلالته، عن قصد إلى قضية تفصيلية هي التجنيس، فقال جلالته وفي وضوح لا يشوبه أي تمويه، «ولقد أثبتت الممارسة في مجال التجنيس أنه من غير المعقول أن ينتمي إنسان إلى بوتقة الهوية الوطنية البحرينية والتي نعتز بها جميعاً، إلا إذا كان متشبعاً بالروح الوطنية البحرينية العالية طبعاً وأخلاقاً وسلوكاً، ومحترماً للقانون الذي هو أساس تلك الروح العريقة، وأن يكون لديه انتماء، والوطن بحاجة إليه، وفي أضيق الحدود عدداً، وذلك ما يجب الالتزام به».

تكتسب هذه الالتفاتة الملكية إلى مسألة التجنيس أهميتها السياسية، وبعدها الاستراتيجي، بفضل العوامل التالية:

1. المدخل الذي شخص به جلالته الوضع الراهن الذي آل له ملف الجنسية، ففي ذلك التشخيص، إبراز لتلك العلاقة المطلوبة التي تمزج بين المواطنة، والولاء، والانتماء، والمساهمة في بناء الوطن، على طريق واضحة نحو المملكة الدستورية، ورفض أي شيء خلاف ذلك أو دونه.

هذا من جانب، لكن من جانب آخر، حمل التشخيص أيضا دعوة، مشوبة بشيء من التحذير، إلى أولئك الذين أساؤوا استخدام صلاحياتهم عند معالجة «ملف التجنيس»، كي يعيدوا النظر فيما ذهبوا إليه عند تطبيقهم «التجنيس»، بهدف، ربما يخدم مصالحهم الآنية الضيقة، لكنه بدون شك لا يمت للمشروع الإصلاحي بصلة، بل وربما يقف على النقيض من أهدافه.

2. تأكيد جلالته، وهو أعلى سلطة في المملكة، على تمسكه بجوهر المشروع الإصلاحي، ورغبته الحقيقية في إزالة التشويهات التي ألحقت به، كما تكشف عنها بوضوح آلية تنفيذ ملف «التجنيس»، وتخوفه المشروع من احتمال أن يصل هذا التشويه إلى جوهر المشروع، ويقود إلى حرفه عن مساره الصحيح الذي، كما شاء له صاحبه، ليس هناك ما بوسعه أن يقود البحرين نحو المملكة الدستورية سواه. ومن ثم، فليس هناك أفضل من جلالته، كي يوقف المتمادين عند حدودهم، ويرغمهم على الكف عن أحاييلهم، ويرجع قطار المشروع على خط سكته السليمة، ونحو محطته النهائية.

3. المكان والزمان اللذان تم فيهما التعرض للموضوع، فجلالته كان يخاطب أعلى سلطة تشريعية في المملكة، وبوسعها، إن هي شاءت، أن تولي «ملف التجنيس» الأهمية التي يستحقها، وبالتالي، فلم يعد هناك مبرر لأي من المجلسين كي يغمض عينيه عن هذا الملف الشائك. ومن ثم فالمطلوب اليوم أن يفتش المجلسان، وبشكل مسئول عن آلية لمعالجة هذا الملف على أسس صحيحة، وعبر القنوات الملائمة.

4. إن الوقت لم يفت بعد، والفرصة لاتزال متاحة لإعادة الأمور إلى نصابها، وكما يقول المدافعون عن المشروع الإصلاحي، ليس هناك ما يمنع صاحب أي مشروع، وخاصة عندما يكون بمستوى المشروع الإصلاحي، ويقف وراءه من لديه صلاحيات كتلك التي بين يدي جلالته، من أن يعيد النظر في المشروع ذاته، ويتولى تقويمه، وإعادة صياغته، بما يتناسب والظروف المستجدة أولا، وبما يخلصه من أية شوائب علقت به في سياق نقله من رحاب الرؤية إلى حيز التنفيذ، ثانيا.

5. بقدر ما يوعز التشخيص للانتهازيين كي يرفعوا أيديهم عن المشروع، ففيها أيضا دعوة صادقة لبعض أطراف المعارضة كي يعيدوا النظر في منهج تناولهم للموضوع ذاته، ونصحهم بالحد من اندفاعهم الذي قادهم نحو طريق تحريضي محض، أدى بوعي أو بدون وعي، إلى صب الزيت على نيران الطائفية، جراء ربط ذلك البعض، بشكل سياسي غير عميق، بين التجنيس والطائفية. ومن ثم فربما أصبحت الفرصة مؤاتية اليوم، أفضل من أي وقت سابق، كي تعيد المعارضة إعادة ترتيب صفوفها، وحشد أوسع قطاع جماهيري ممكن، من أجل إعادة فتح ملف «التجنيس»، أسوة بما قام به جلالته، بشكل علني، لكن من منطلقات وطنية صرفة، بعيدة عن «أوساخ الطائفية»، وأكثر بعدا عن تحقيق مصالح حزبية ضيقة وآنية، وعلى حساب المصالح الوطنية الاستراتيجية الكبرى.

تأسيسا على ذلك، واستجابة لما جاء في كلمة جلالته، فمن المنطقي أن يتداعى الجميع، لتأسيس لجنة وطنية تمسك بين يديها «ملف التجنيس»، وتقوم بإعادة النظر فيه من منطلقات وطنية تهدف إلى وضع أسس صحيحة لسياسة التجنيس، حيث إن هناك الكثير من المواطنين ذوي الأصول البحرينية العريقة، والتي تحتاج لهم البحرين، أكثر من حاجتهم لها، الذين ينبغي حصولهم على الجنسية، ويستحقونها بكل جدارة. بل إن تجنيس هؤلاء هو بمثابة زيادة في أصول الرأسمال البشري البحريني، بدلا من المستحقات غير المجزية التي ولدها نسبة لا يستهان بها ممن نالوا الجنسية في الآونة الأخيرة.

بقيت نقطة في غاية الأهمية، وهي ان إعادة النظر في مسألة «التجنيس»، لا ينبغي، وهو ما نحن على ثقة أنه ينسجم ومعالجة جلالته، أن يكون الهدف منه الإنتقام ممن نالوا الجنسية، او الإساءة لهم، فبينهم أيضا من يستحق وبجدارة نيل تلك الجنسية، كما ان أولئك الذين زج بهم في أتون هذا الملف، لا يستحقون نيل عقاب من ذنب أوصلهم الاخرون، دون وعي منهم، لارتكابه.

لقد وضع جلالته، في ذلك الخطاب، أصبعه على جرح ننزف منه جميعا، وعلينا جميعا أن نسخر جهودنا كي نوقف هذا النزيف.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3023 - الأربعاء 15 ديسمبر 2010م الموافق 09 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 1:44 م

      حمد...رجل المواقف الصعبة (2)

      فيا ترى كم طفلٍ كحمد وكم مجنسٍ كوالده الوهمي يعيشون بيننا اليوم بعدما مرروا ألاعيبهم على السلطات؟ وينعمون بخيرات بلادنا ويزاحمون مواطنيها ويستحوذون على خدمات الدوله من إسكانٍ و تعليمٍ وصحةٍ على حساب حرمان المواطن الأصلي الذي هو احق بهذه الخدمات. يجب على السلطات إعادة التدقيق على من تم تجنيسهم، كما يجب إجراء فحص الحمض النووي عليهم لتكتشف أن هذه الجريمة ليست الأولى في البحرين ، فالمتهم لم يتجرأ على القانون ويقوم بفعلته إلا لثقته التامة أن هناك من فعلها قبله من المجنسين و مر بسلام

    • زائر 18 | 1:40 م

      حمد...رجل المواقف الصعبة (1)

      حفظ الله الوالد القائد جلالة الملك، فقلبه الكبير أحس بوجع المواطن، وقد عودنا جلالته على إتخاذ القرارات الشجاعة، وهذا ليس بأول قرارٍ صعب يتخذه جلالته. فالتجنيس الجائر الذي حدث في بلادنا باسم القانون جر علينا وعلى وطننا الكثير من الويلات التي لا يستطيع أحد نكرانها حتى القائمين على التجنيس أنفسهم. والجريمة الأخيرة التي إرتكبها أحد هؤلاء المجنسين العرب بتهريب طفل من وإلى اليمن بعد تزوير محررات حكومية، يجب الوقوف عندها والتعمق بها، ففيها الكثير من علامات الإستفهام والتعجب، وتساؤلات تنتظر الإجابة

    • زائر 12 | 5:08 ص

      ولكن

      اذا هو جرح غائر في جسد وطننا صح ؟
      وقد وضع الاصبع عليه صح ؟
      نريد الان الدواء بعد تحديد مكان الالم
      والا فلا فائدة ترجى من تحديد الالم وبقاء الالم مكانه

    • زائر 11 | 4:07 ص

      موالي الاسم والقلب

      أتوجد هوية كهويتنا لا يعرف بها من كان عربيا أو كان ذا أصول أسيوية وفي النهاية يقول أنا بحريني!
      لم يعد البحريني معروفا حتى من إخوانه الخليجين فهم يستغربون عندما يقول أحد الأسيوين عندي جواز بحريني فانا بحريني . شكرا جلالة الملك على هذه اللفتة التي جعلتني أعتز بهويتي وأفتخر بها أمام الملأ باني بحريني لأني شعرت من خلال كلماتك أنها لن تعطى الآ لمن يستحقها وعند الحاجة إليه .

    • زائر 10 | 3:59 ص

      موالي الاسم والقلب

      شكرا عزيزي الكاتب على هذا المقال الرائع , لكني كمواطن بحريني لا أستطيع أن أرى هويتي يحملها من هب ودب , مستغلا الفجوة التي حدثت هنا لكي يحصل على هذه الوثيقة حتى يستثمرها هنا في وطنه الأصلي فيصبح ذا قلبين قلب يعيش في أعماقه وقلب يعصر منه المال وشتان بين القلبين .
      ولا أريد أن أرى هويتي تلوكها الالسن كالعلك لرخصها وسهولة الحصول عليها والتمتع بمميزاتها على حساب المواطن الأصلي الذي زاد فقرا وتهميشا .

اقرأ ايضاً