العدد 3028 - الإثنين 20 ديسمبر 2010م الموافق 14 محرم 1432هـ

مرض السلطة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في دولة مهدّدة بتمزيق أوصالها، وسلخ ربع أراضيها، يخرج الرئيس الذي حكمها منذ عشرين عاماً، ليعلن أنه «إذا اختار الجنوب الانفصال فستكون الشريعة هي المصدر الرئيسي للدستور».

الخطاب الذي ألقاه الرئيس السوداني عمر البشير قبل يومين، لا يقدّم حلولاً لأزمة السودان، وإنّما يثير الكثير من الأسئلة والإشكالات. فالخريطة التي عرفناها لأكبر بلد عربي، قد تتغير نهائياً بعد أسبوعين، ويتراجع ترتيبها من بين الدول العشر الأكبر مساحةً في العالم، لتتجاوزها عددٌ من الدول العربية في الترتيب.

البشير ورث بلداً يعاني من مشكلة انفصالية في الجنوب أصبحت ناضجةً اليوم، وقد لا يتركه إلا بعد انفصال أجزاء أخرى في الشرق والغرب. ولن يتعرّض لمساءلة شعبية أو تحقيق نيابي، وإنّما سيقوم بتعديل الدستور، «وعندها لن يكون هناك مجالٌ للحديث عن تنوّع عرقي وثقافي، وسيكون الإسلام والشريعة هما المصدر الرئيسي للتشريع».

هذا الموقف يراه البعض متاجرةً سياسيةً بالدين والشريعة، ويراه آخرون تلاعباً بمشاعر الناس واستغلالاً لعواطفهم الدينية. والأخطر أنه يهدّد بانعطافة حادة في الوضع السياسي، بإنهاء الاعتراف بالتنوع الثقافي والعرقي، حيث لن يكون هناك صوتٌ غير صوت الحزب الحاكم.

جارة السودان الشرقية (الصومال)، كان يحكمها انقلابي آخر (محمد سياد بري). كان في البداية ماركسياً ثم انقلب للمعسكر الأميركي، وأصبح رئيساً للدولة وزعيماً للحزب ورئيساً للمحكمة العليا وقائداً للجيش ورئيساً للجنة الأمن والدفاع، حتى أصبح يختزل الصومال في بزته العسكرية. ورغم كل الأوسمة والنياشين، عجز عن استعادة إقليم أوغادين الذي تحتله إثيوبيا، ولما انتهى حكمه في 1991 تفتتت الدولة إلى دويلات، مازالت يتصارع عليها رؤوس القبائل. بري لم يبن دولةً، وإنّما أدار صراعاً دموياً مع معارضيه انتهى إلى هذا الحطام.

بالقرب منهما، وعلى الضفة الأخرى من باب المندب، هناك دولةٌ عربيةٌ عريقة، حكمها عسكري آخر، التحق بالجيش هرباً من الفقر بعد طلاق والديه، وتدرّج في المراتب العسكرية حتى أصبح معروفاً بين رجال القبائل الذين ستربطه بهم علاقات وثيقة. قبل ثلاثة أعوام، وبعد ثلاثين عاماً من الحكم، أعلن ذات صباح أنه سيعتزل الحكم ولن يرشّح نفسه للرئاسة، والناس بين مصدِّق ومشكّك. وفي صبيحة اليوم التالي أعلن الترشّح مجدّداً، بعد أن استنفر الحزب الحاكم قواه ونظّم مظاهرات بالآلاف تدعوه للبقاء إلى الأبد... وإلا ضاع الوطن!

كان سيُذكر في التاريخ كبطل لتوحيد شطري بلاده، فقد نجح في تحقيق الحلم الذي ناضل من أجله أبناء الشمال والجنوب. ولأسباب داخلية وخارجية، منها التدخلات الأجنبية والفساد والاستئثار بالسلطة والشعور بالظلم، عادت الرغبة في الانفصال، ودخل حرباً دموية في الجنوب تركت جروحها غائرة، وعزّزت مشاعر الكراهية بين الشعب الواحد، وأجّجت الرغبة في الطلاق. فالرجل الذي تحقّقت الوحدة في عهده، خاض عدة حروب متتابعة ضد «أعدائه» في الداخل، حتى باتت بلاده مهددةً بالتقسيم إلى أكثر من شطرين، فهو لم يبن دولةً، وإنّما أدار صراعاً بين قبائل وأحزاب.

ليس هناك رئيسٌ في العالم لا يعشق السلطة ويتمنّى أن يبقى فيها حتى يصاب بمرض الزهايمر، لكن الفرق أن هناك شعوباً عرفت هذه النزعة البشرية المدمرة فوضعت قوانين ودساتير تحميها منها، وتضمن بقاءها ومستقبلها. وبالمقابل هناك شعوبٌ لم تُفطم بعد، يقودها راع واحدٌ فردٌ لا شريك له، عقمت النساء أن يلدن مثله، لا يُسأل القائد عمّا يفعل وهم يُسألون!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3028 - الإثنين 20 ديسمبر 2010م الموافق 14 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 4:38 م

      مفارقة

      قريت عنوان المقال .. قلت الحمدلله، وأخيراً السيد قرر يبط القربة، قريت المضمون .. طلع عن بلد ثاني !

    • زائر 13 | 9:41 ص

      البرباري ... تحية اكبار واجلال لكاتب هذا المقال

      فقد اصاب كبد الحقيقة ، كون بلداننا العربية من مشرقها وغربها بما تحتويه من شعوب واحزاب وجمعيات سياسية لا تستطيع ان تقدم للانسان البسيط والفقير المغلوب على امره برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي مقنع يؤدي الى اختيارها ممثلا للشعب من دون المتاجرة السياسية بالدين والشريعة والمذهب ، والتلاعب بمشاعر الناس وعواطفهم الدينية ، واقرب مثال على ذلك ما حدث وجرى في بلدنا الحبيب على يد من يدعي الثورية ومن يناضل من اجل الحرية والداعي الى الوحدة الوطنية ، فشكرا والف شكر الى كاتب هذا المقال الاستاد قاسم حسين

    • زائر 12 | 7:19 ص

      لو نازعتنيه يا قاسم لأخذت الذي فيه عيناك |مازن البحراني

      انا الحاكم
      انا السيد بلا منازع
      في قلبي حملت أهل ............. و.............
      وبحكمتني قيدتهم
      انا الحفيظ الامين عليها
      فلو نازعني اياها احد لأخذت الذي فيه عيناه
      وهنا يصمت الاخرون
      مازن البحراني

    • زائر 11 | 6:52 ص

      لو نازعتنيه يا سيد قاسم ، لأخذت الذي فيه عيناك|مازن البحراني

      انا الحاكم
      انا السيد بلا منازع
      في قلبي حملت أهل ............. و.............
      وبحكمتني قيدتهم
      انا الحفيظ الامين عليها
      فلو نازعني اياها احد لأخذت الذي فيه عيناه
      وهنا يصمت الاخرون
      مازن البحراني

    • زائر 10 | 6:49 ص

      لقد جئت شيئاً نُكرا

      في الدول العربية لا يجوز لك المطالبة بتداول كرسي المدير أو على الأقل انتخابه ، فكيف بما هو أعلى من ذلك؟ يا سيدي الحكام العرب يرون في أنفسهم امتدادا للسلطة الالهية وأن الله أنزلهم جنودا للأمة الاسلامية، وهناك لهم علماء يزكونهم ويقولون للشعوب باختصار لا يجوز الخروج على حاكم مسلم حتى لو فسق وظلم وتجبر فهو ولي أمر المؤمنين،وهنا اضحوكة الزمان فعندما يكون ولي أمر المسلمين انسام معمم متدين يخاف الله فهذا تخلف وهمجية ويجب عصيانه وعندما يكون ولي الأمر حاكم ظالم لا يخاف الله فطاعته عندهم من طاعة الله

    • زائر 9 | 6:48 ص

      لقد جئت شيئا نُكرا

      في الدول العربية لا يجوز لك المطالبة بتداول كرسي المدير أو على الأقل انتخابه ، فكيف بما هو أعلى من ذلك؟ يا سيدي الحكام العرب يرون في أنفسهم امتدادا للسلطة الالهية وأن الله أنزلهم جنودا للأمة الاسلامية، وهناك لهم علماء يزكونهم ويقولون للشعوب باختصار لا يجوز الخروج على حاكم مسلم حتى لو فسق وظلم وتجبر فهو ولي أمر المؤمنين،وهنا اضحوكة الزمان فعندما يكون ولي أمر المسلمين انسام معمم متدين يخاف الله فهذا تخلف وهمجية ويجب عصيانه وعندما يكون ولي الأمر حاكم ظالم لا يخاف الله فطاعته عندهم من طاعة الله

    • زائر 8 | 6:10 ص

      ولد العجمي ابن العطبرة مدينة حديد ونار

      يعيش رئيس عمر أحمد البشير ... رغم كيد الاعداء هـــــــو وسط ساحة أسد السودان

    • زائر 7 | 5:55 ص

      إلى قاسم حسين مع التحية و الاحترام .

      حجي قاسم قبل لا تكتب عن المؤمنين رؤساء الجمهوريات العربية , شاهد مسرحية الفنان القدير عادل إمام ((( الزعيم ))) .
      و من بعد ذلك أكتب ما بدى لك يا أخي العزيز .

    • مواطن مستضعف | 3:25 ص

      لديهم ... ولدينا؟!!

      عوفيت يا سيد ..
      ذاك لديهم هناك .. و رغم كل شيء .. يبقى احتمال تداول السلطة وارداً ولو بنسب ضئيلة جداً!!
      أما لدينا هنا ف...................................

      (محذوف من الرقابة)

    • زائر 5 | 1:04 ص

      الكرسي وحب التملك

      مشكلتنا ان كل واحد يطلع لنا وينادي بمصالحنا يبي مصلحته هو في البدايه والنهايه وقس على كل الدول العربيه راح تشوف نفس النمط بس التسميات والطرق تختلف ,,,

    • زائر 4 | 12:57 ص

      الملك

      الملك عقيم

    • زائر 3 | 12:19 ص

      سوار الذهب السوداني لكن لم يأسره الذهب

      ولم يترك الكرسي لمن هب ودب وانما اعطاء فسحة لانتخاب حكومة ديمقراطية ومن ثم ترك الذهب لمن وهب والشعب بعدها لمن غلب والدولة اليوم في مهب ونهب وعلى الناس العتب وشكرا للكاتب السيد المهذب وكلماته العذب وما افترى ولا كذب وبالمشاعر الاصيلة اخلص و الهب .

    • زائر 1 | 11:19 م

      يا محلى الكرسي

      الكرسي لذيذ بشكل ماتتصور خلوني رئيس قسم في وزارتنا لمدة 40 يوم فقط شعرت خلالها أن الدنيا لا تسعني لهذا ما ألوم الرئساء إذا تشبثوا بالكرسي ياهو ممتع هذا الكرسي ويستحق العناء

اقرأ ايضاً