العدد 3036 - الثلثاء 28 ديسمبر 2010م الموافق 22 محرم 1432هـ

«الكريسمس» في مدننا: ما المشكلة؟

سليمان الهتلان comments [at] alwasatnews.com

-

الرأي الذي قال به الشيخ قيس المبارك، عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، والذي يجيز قبول دعوة غير المسلمين لحضور أعيادهم، ثم أيده الشيخ عبدالله بن بيه، نائب رئيس اتحاد علماء المسلمين، له أكثر من دلالة إيجابية. لنبدأ من حقيقة قائمة اليوم ولا يمكننا تجاهلها أو التحايل عليها. نحن نعيش اليوم في عصر تداخلت فيه الثقافات والأفكار وتقاطعت خلاله المصالح وقصرت المسافات. نحن جزء من هذا العالم متعدد الأديان والأفكار والثقافات والأعراق. هذه حقيقة. نحن جزء منها، ومثلما تضاء أشجار «الكريسمس» في أبو ظبي ودبي والبحرين والدوحة وغيرها من مدننا العربية، تقام المآذن الكبرى في عواصم أوروبا ومدن أميركا ويحتفل البيت الأبيض - وعواصم أوروبا - سنوياً بدخول شهر رمضان وأعياد المسلمين. ومثلما يوجد مسلمون في الغرب «المسيحي» يوجد مسيحيون في الشرق. وما المشكلة؟

الحقيقة الثانية أن الديانة المسيحية هي في الأصل جزء من تاريخ هذه المنطقة، ومكون رئيس من المكونات الثقافية في العالم العربي. فمسيحيو العراق والشام ولبنان وفلسطين والأردن لم يأتوا من كوكب آخر. هم مثلنا، من أهل الأرض وصلبها. بل لا يمكن أن يُنسى فضل مسيحيي لبنان تحديداً في الحفاظ على اللغة العربية في زمن انحسارها أيام الهيمنة العثمانية على المنطقة.

أما البعد الآخر - وهو بالتأكيد إيجابي ومفيد - فيما طرحه الشيخ قيس المبارك فيكمن في أنه أثبت فعلاً جدوى التنوع الفكري والمذهبي في الخطاب الديني الذي يطالب به العشرات من المثقفين في السعودية وخارجها. إلى ما قبل دخول الشيخ المبارك في عضوية هيئة كبار العلماء، كانت الهيئة محتكرة على مدرسة فقهية واحدة ترفض التسامح مع الآخر بحجة «الولاء والبراء» وتعتمد على باب «سد الذرائع» الذي يغلق كل الأبواب والنوافذ أمام الرأي المختلف. رأي الشيخ قيس المبارك في جواز قبول دعوة غير المسلمين لحضور أعيادهم هو أنموذج واحد لأهمية التنوع في الرأي داخل مؤسسة دينية ما زالت مهمة. فالمبارك ينتمي للمذهب المالكي وهو من أصغر أعضاء هيئة كبار العلماء سناً - إن لم يكن بالفعل أصغرهم سناً - ورجل يسافر ويقرأ الأحداث بلغة العصر مما يعطي لآرائه قبولاً لدى جيل الشباب المرتبط أصلاً بالعالم الجديد عبر تقنيات الاتصال الحديثة ومن خلال الأسفار والتواصل مع العالم. ومن تجربته القصيرة في عضوية هيئة كبار العلماء تبرز أهمية ضخ دماء جديدة ومختلفة في المؤسسات التي تعنى تحديداً بالمسائل الفقهية والافتاء. الإسلام دين من مكامن عظمته هذا الغنى والتنوع في الآراء والأفكار وفي الفسحة التي يمنحها للتكيف مع تطورات الزمن ومتغيرات الحياة. والانفتاح الواثق على العالم أصبح اليوم ضرورة للبقاء. إننا نؤذي شبابنا - ونسيء لديننا وثقافتنا - إن لم نعلمهم التسامح مع الأفكار والأديان والثقافات المختلفة. وإننا نزرع فيهم حالة من «الانفصام» في رؤيتهم للآخرين وتعاملهم مع حقائق زمنهم إن طالبناهم بحمل لواء العداء ضد الآخر.

أيام الدراسة في أميركا، عرفت طلاباً من منطقتنا، من دول الخليج تحديداً، حائرين في كيفية التعاطي مع واقعهم «الأميركي» الجديد. لقد جاءوا الى أميركا وهم مشحونون بالحذر - إن لم يكن العداء - تجاه المجتمع الجديد. بعضهم كان متفوقاً في دراسته لكن معرفته بالمجتمع الذي يعيش فيه لا تتجاوز المفاهيم النمطية عن ذلك المجتمع والتي تقرأها وتسمعها عادة في خطب بعض الوعاظ وأشرطتهم وبرامجهم التلفزيونية. وأذكر أن بعضاً من هؤلاء الوعاظ كان يزور أميركا ويلتقي بالطلاب العرب والمسلمين محرضاً إياهم ألا يبتسموا في وجه الأميركان «الكفار» وأن يريهم الغلظة في التعامل! وهكذا رأينا الآلاف من طلابنا العرب يذهبون للدراسة في أميركا بأجسادهم لا بعقولهم فيعودون منها بأفكار هي ذاتها التي سمعوها أو قرأوها في خطب وعظية ساذجة وجاهلة. كانت الجامعات الأميركية تستجيب بأريحية مع طلبات الطلاب العرب والمسلمين فتخصص قاعات تستخدم كمساجد وتسمح بتنظيم جمعيات وأندية للطلاب المسلمين واستمر الحال هذا حتى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ولم يأتِ أحد من الأميركان ليحذر أميركا من أن المسلمين سيؤسلمون أميركا أو أن الأذان سيسكت أجراس الكنائس. هذا لا يلغي أبداً وجود أصوات نشاز - كما عندنا - تحرض على العداء وترفض التسامح مع الإسلام والمسلمين. وهذا لا يعني أن الطالب العربي والمسلم في أميركا يعيش دائماً في عالم مثالي يخلو من أمراض العنصرية والمواقف المعادية. لكن الملاحظ أننا في العالم العربي كثيراً ما نبالغ في ردات أفعالنا تجاه ما يقال عنا هناك، أو ضد بعض الخطوات البسيطة في منطقتنا الهادفة إلى التقريب بين الأديان والثقافات. فإضاءة الأنوار في أبو ظبي أو دبي خلال أعياد الميلاد ليست «نهاية الإسلام» وليست صورة من صور الغزو الثقافي وإلا لكانت المآذن الشاهقة في أوروبا وأميركا نهاية للمسيحية وغزواً ثقافياً إسلامياً كاسحاً!

نحن اليوم بأمس الحاجة لأصوات عاقلة تقدم العقل على العاطفة وتخاطب شبابنا بلغة العصر وثقافته، لغة تقدم له بديلاً عقلانياً لذلك الخطاب المتشدد الذي يحرض على الكره والعداء والانعزال! من هنا نقف احتراماً وتقديراً لصوتين من أصوات التنوير الإسلامي، الشيخين الفاضلين قيس المبارك وعبدالله بن بيه.

إقرأ أيضا لـ "سليمان الهتلان"

العدد 3036 - الثلثاء 28 ديسمبر 2010م الموافق 22 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 11:46 ص

      عنصرية مقيته

      نحن اهل البحرين لامانع لدينا كل على دينه ، ولكن الغريب ليس كلن على مذهبه فالطائفية موجودة يا حبيبي بطريقة اخرى ليس بين الاديان ولكنها بين الدين الواحد ‘ الدين واحد لكن الطائفيون كثيرون ومتمسكون بكل مؤسسات ودوائر الحكومة يالها من مصيبة بلوى حلت على البحرين الحبيبة يا حبيبي نتمنى من العقال ان يتدخلو قبل خراب البصرة ، وربما اختربت

    • زائر 7 | 10:35 ص

      لا مشكله

      لا توجد لدينا نحن فى البحرين مشكلة يا استاذ سليمان والكل يعمل على شاكلته وربكم اعلم من هو اهدى سبيلا واذا وجدت هذه الايام فهى مستوردة من دول الجوار نسال الله ان يجنبنا ملوثاتها حتى لا تفرض علينا فرضا بالسياط و حد السيف ومن بعدهما المفخخات

    • زائر 6 | 5:25 ص

      شكرا الى الكاتب بس

      شكر الى الاستاذ سليمان ، بس الي بقوله كثير من الناس لاينتظرون شيوخ الدين حتى نحتفل في الكرسمس
      انا من الاشخاص احتفل من زمان
      جماعة لاتنظرون شيوخ الدين لانهم متاخرين 20 سنة في متابعة العالم و الاحداث

    • زائر 5 | 4:04 ص

      عبدعلي معيوف

      لا مشكلة بس التطرف الديني والغلو سبب هدم تواصل البشرية من تكفير وتفكيك للمجتمعات

    • زائر 4 | 3:07 ص

      سجل عندك.

      المفارقة الغريبة يا دكتور , إن اغلب لأسلاميين المعارضين و المتشددين .. اغلبهم إن لم يكن حميعهم يعيشون و يطلبون اللجؤ في بلدان الغرب الكافر و لهم الحرية المطلقة في المعتقد و حرية العبادة التي لم يحصلو عليها في بلدانهم الأسلامية و بعضهم أأمة في مساجد بلاد الكفار و المشركين.

    • زائر 3 | 1:59 ص

      نبى ابراهيم شريف .. معاك

      فى قناة الحرة ولا عليك كلافة

    • زائر 2 | 12:37 ص

      متابعة للفقهاء و المفتون و المجتمع

      و في كل مرة ننتظر كي يخرج علينا من هو متفتح- و نقيم الدنيا و نقعدها بالانفتاح و النجاح و التقدم- لكي يفتينا بما هو معروف بالفطرة. الا ترى معي اننا نظل حبيسين نتاج عقول فقهاء لا يفقهون اجتماعيا. الا ترى معي اننا كمجتمع و بالمعروف كنا في وضع متقدم عمن يحتل موقع الفتيا و يسلبنا ارادتنا بسلطة الفتيا؟؟؟؟؟
      في راي الموضوع جد أكبر من فتوى منفتحه و يتعدى ذلك لفلسفة الدين و الاخلاقية قبلأن تكون فتوى منفتحة متأخرة معرفيا و زمانا عما هو معروف مجتمعيا منذ زمن بعيد

    • زائر 1 | 12:30 ص

      الفقيه و المفتي و المجتمع

      استاذي العزيز
      الا ترى معي اننا في مأزق اجتماعي كبير و كبير جدا الا و هو اننا كناس كنا نعرف و بالفطرة انه لاضير و لا مانع انساني من مشاركة الاخرين- و اقصد الاخرين الاقريبين و الابعدين فكريا و دينيا و مذهبيا- افراحهم و اتراحهم و التواسي معهم. الا أن الفقهاء كانوا يعارضون و يكفرون كل من يتعامل بفطرته الانسانية. الا ترى معي ان الفقهاء كانوا متخلفين النظرة و كنا مع ذلك نعتمد على فتاواهم الخاطئه في سلوكنا الاجتماعي مع الذات و الاخر
      فعطلنا عقولنا حتى تصحى عقولهم ... يتبع

    • مواطن مستضعف | 12:14 ص

      بسم الله الرحمن الرحيم

      (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (العنكبوت : 46 )
      بوركت يا أستاذ سليمان على هذه الروح المشبّعة بالحسّ الإنساني العالي.

اقرأ ايضاً