العدد 3046 - الجمعة 07 يناير 2011م الموافق 02 صفر 1432هـ

القوانين التي تثبط عزيمة الصحافيين وتعيق مهمتهم

الرقابة - هي القيود التي تفرضها الحكومة على حرية الكلام والتعبير وهي تمثل أكبر تهديد لحرية الصحافة. ويمكن لها أن تأخذ أشكالا عديدة:

- أنظمة الترخيص الإجباري.

- إلزامية المراجعة قبل النشر.

- فرض «أوامر الإسكات» خلال تعليق القرار في إجراءات قانونية معينة.

- فرض ضرائب ورسوم مفرطة.

- سحب الحماية القانونية التي تمنحها الحكومة عادة للشركات الأخرى والمواطنين.

ويمكن للتهديد بفرض عقوبات بعد النشر، مثل دفع الغرامات الجنائية أو السجن، أن يرهب ويشل قدرة مؤسسات الأنباء على العمل، تماما كما قد تفعل ذلك أية قيود يتم فرضها قبل النشر.

كما أن هناك إجراءات أكثر براعة ودهاء، ولكنها تثير نفس القدر من المشاكل، وهي الإجراءات الإلزامية التي تفرض واجبات ومسئوليات معينة على الصحافة. إذ إن بعض الدول والديمقراطيات الاستبدادية تطلب من الصحافة نشر «الحقائق التي تمّ التحقق منها» أو «الحقيقة». فعلى سبيل المثال، تنص المادة 20 (د) من دستور أسبانيا على أن «حق إرسال واستقبال المعلومات الصحيحة، عبر أية وسيلة إعلامية... معترف به ومحمي» (يشدد على كلمة الصحيحة).

يمكن فهم رغبة الحكومة في تقديم تقارير دقيقة وصحيحة. ففي الأنظمة الاستبدادية السابقة، حيث الدعاية ونشر الأكاذيب كان أمرا شائعا، يحرص الجمهور على معرفة الحقائق من مصادر عديدة مختلفة. وبالتالي فإن الركيزة الأساسية للصحافة الأخلاقية تكمن في حقيقة أن المراسل لا يرغب في نشر تقارير يعرف أنها كاذبة.

لكن فرض الدقة لا يثير سوى أسئلة أخرى: «ما هي الحقيقة؟ ومن يقررها؟ هل هي الحكومة؟»

من المؤكد أنه يجب على جميع الصحافيين توخي الدقة. ولكن كثيراً ما يتغير تصور الحقيقة مع مرور الزمن. فما بدا في البداية في أول الأمر كخبر حقيقي قد يتحول إلى خبر كاذب، عندما تنكشف تفاصيل الأخبار العاجلة.

فالذي حدث في 11 سبتمبر/ أيلول 2009 هو مثال رائع على ذلك، عندما ذكرت محطة «سي إن أن» ومحطة فوكس التلفزيونيتين الإخباريتين اللتين تبثان برامجهما عبر شبكة الكابل، أن خفر السواحل الأميركي قد أطلق النار على سفينة مشبوهة في نهر «بوتوماك» في واشنطن العاصمة، الذي لا يبعد كثيرا عن وزارة الدفاع الأميركية، حيث كان الرئيس باراك أوباما يحضر قداسا لإحياء ذكرى ضحايا الهجمات الإرهابية. وبالاعتماد على معلومات تم الحصول عليها من خلال الإصغاء إلى أجهزة المسح التي تستخدمها الشرطة، استخدمت سي إن أن أيضا الشبكة الاجتماعية «تويتر» لإذاعة الخبر الذي يقول إن «خفر السواحل يتصدى لزورق مشبوه خلال زيارة أوباما للبنتاغون، وأن تقارير أجهزة المسح لدى الشرطة تفيد أنه جرى إطلاق أعيرة نارية.

وذكرت صحيفة شيكاغو «تريبيون» أن الأمر استغرق حوالي 30 دقيقة حتى استطاعت الشبكتين أن تحددا أنهما سمعتا بثا إذاعيا مفتوحا - أصدر خلاله رجال خفر السواحل أصوات «قرقعة مدوية» وقالوا، «لقد استهلكنا عشر رصاصات»- وكان ذلك جزءا من تدريبات روتينية وليس هجوما. انتقد السكرتير الصحفي للبيت الأبيض روبرت غيبز الشبكتين على الذعر الذي تسببتا فيه، ملاحظا أنه « قبل أن يجري بث مثل هذه التقارير، من الأفضل التحقق منها».

وقد ادعت «سي إن إن» أنها اتصلت بمكتب الشؤون العامة لدى خفر السواحل، قبل نشر الخبر عن الحادث، وقيل لها إن الحرس لا علم له بأي نشاط على النهر. كما أن قوات خفر السواحل لم تعتذر عن دورها في هذا الحادث، غير أنها وعدت بأن تعيد النظر في كل من «إجراءات وتوقيت هذه التدريبات».

وانتقد معلّقون تسرع وسائل الإعلام في نشر الخبر، مقترحين أنه كان ينبغي على الشبكتين أن تحجبا الخبر حتى تتمكنا من التحقق من تفاصيله. لكن هذا المثال يظهر الموقف الحرج والصعوبة اللتين تواجههما وكالات الأنباء أثناء نشر الأخبار العاجلة. ففي سوق إعلامية تنافسية على نحو متزايد، أصبح التنافس على السبق الصحفي في إذاعة الخبر العاجل يشكل ضغطا شديدا. لكنه ينبغي الاتعاظ بالقول المأثور لوكالة أسوشيتد برس العريقة الذي يقول: «كن أول من يذيع الخبر، ولكن بعد التأكد من صحته»، غير أن مثل هذه المقولة قد أصبحت غريبة بعض الشيء في عالم تُبث فيه الأخبار على مدار الساعة وعلى مدار الأسبوع حيث لم تعد وسائل الإعلام هي الوحيدة التي تنقل الأخبار، إذ أن المدونين الإلكترونيين وغيرهم من «الصحفيين المواطنين» أصبحوا هم أيضا يراقبون ويبّلغون عن الأحداث على الفور.

في حال كان السؤال هل يجب أن تتعرض «سي إن إن» و«فوكس» لعقوبات حكومية لارتكابهما خطأ بحسن نية؟ فإن الجواب، في الولايات المتحدة، سيكون «لا»، ولكن في بلدان أخرى، قد يؤدي مثل هذا الخطأ إلى غرامة مالية أو فقدان الترخيص.

ومهما كانت المشكلة التي سببتها حادثة خبر خفر السواحل، فقد جرى حل التناقضات الواقعية بسرعة. ومع قضايا مثل الاحتباس الحراري، أو الأزمات المالية أو الصحية، فإن الوقائع تظهر بشكل تدريجي أكثر. كيف يمكن للصحفيين تحديد «الحقيقة» في أي وقت معين؟ وما هي مسؤولية الحكومة أو الجمهور في تحديد وتفسير الحقائق؟ الواقع هو أن الصحافة ما هي سوى وسيلة واحدة من بين عدة وسائل قد تعتمد للتحقق من صحة ما يقال. وفي المجتمع الحر يكون الأمر متروكا لأفراد الجمهور، وليس لهيئة حكومية، من أجل التحقق من الوقائع من مجموعة واسعة من المصادر قبل اتخاذ القرار بشأن ما هو صحيح.

في أحد الأمثلة البارزة، دعا مجلس الأمن في العام 1996 رواندا إلى تحديد وإقفال المحطات الإذاعية التي كان يزعم بأنها تثير الكراهية وتحرِّض على ارتكاب أعمال العنف الجماعي هناك. وقد أثارت هذه القضية مسألة هامة، هي: هل يجب أن تعتبر وسائل الإعلام مسؤولة عن أعمال العنف التي يقترفها المشاهدون، أو المستمعون، أو القراء؟

قد تكون العقوبة أيضا في انتظار أولئك الذين يتحدّون» الحكمة المقبولة» حول حوادث تاريخية. ففي تركيا تعتبر الإشارة إلى القتل الجماعي للأرمن خلال الحرب العالمية الأولى على أنها «إبادة جماعية» جريمة يعاقب عليها القانون. وفي عام 2007، تمّ سجن النازي الجديد أرنست زوندل في ألمانيا بعد نشره بيانات ينفي فيها أن المحرقة قد وقعت، لأن ذلك يشكل انتهاكا للقانون الجنائي الألماني .

تنشأ قضية أخرى مرتبطة مباشرة بهذه المشكلة عندما تعلن الحكومة أن«الحقيقة» هي سن قوانين «القدح والذم» التي تحظر انتقاد الملوك، والسياسيين أو غيرهم من الموظفين الحكوميين أو «الرموز القومية»، أو عرق معين أو دين معين. وقد سنت العشرات من البلدان في جميع أنحاء العالم، حتى تلك الموجودة في الاتحاد الأوروبي، والاتحاد السوفيتي السابق، وآسيا، وأفريقيا، وأميركا اللاتينية، قوانين من هذا القبيل. وعلى الرغم من أن التفاصيل اللغوية تختلف من دولة إلى أخرى، فهي لا تزال نفسها باتساعها وغموضها، بحيث يبقى من السهل التلاعب بها من قبل الحكومات لمعاقبة المعارضين ولإسكات الانتقادات.

كما ينشأ بُعد آخر عندما تتجاوز الجهود الرامية إلى قمع المطبوعات غير المرغوب فيها حدود دولة معينة أو عندما يحصل ذلك من جانب لاعبين من خارج الدولة. المثال الأكثر شهرة، حصل في فبراير/ شباط 1989، عندما أصدر الامام الخميني فتوى عرضت مكافأة لقاء قتل الكاتب البريطاني سلمان رشدي الذي أثارت روايته «آيات شيطانية» ما أعلن الخميني عن أنه «تجديف ضد الإسلام».

وفي سبتمبر/أيلول 2005، نشرت الصحيفة الدنمركية، جيلاندس- بوستن، رسوما كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد. مرة أخرى حصل اتهام بالتجديف. وتبع هذا الاتهام احتجاجات عنيفة وتهديدات لحياة الرسام الكاريكاتوري. ولكن تجدر الإشارة إلى أن تهم التجديف لم يرفعها فقط المسلمون. ففي يوليو/تموز 2008، صوّت مجلس اللوردات البريطاني على حذف جرائم التكفير والتشهير التجديفي من القانون الإنجليزي العام.

العدد 3046 - الجمعة 07 يناير 2011م الموافق 02 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً