العدد 3050 - الثلثاء 11 يناير 2011م الموافق 06 صفر 1432هـ

سوق العمل الخليجي... الفرص والتحديات

مجيد العلوي comments [at] alwasatnews.com

وزير العمل

الحديث عن العمالة الأجنبية في دول الخليج العربي وعن سوق العمل بتشوهاته وقنابله الموقوتة يطول، وهو ذو شجون، وسيبقى معنا إلى أن تتخذ الخطوات القانونية والسياسية اللازمة لتصحيحه وتطويره.

لقد شهد سوق العمل الخليجي، ومنذ طفرة النفط الأولى في منتصف سبعينيات القرن الماضي تغييرات كبيرة أدت إلى نتائج خطيرة ولكن لعل من أهمها ثلاثة، أولها نشوء نظام الكفيل، الذي لا أساس له في قوانين العمل أو الهجرة والذي بموجبه يكفل المواطن عدداً من العمالة الأجنبية آسيوية أم عربية أم أوروبية، ويحتجز جوازات سفرها ويسيرها كما تشاء مصالحه التجارية، أما النتيجة الثانية فهي تفشي البطالة في دول المنطقة وازديادها بما لها من آثار اجتماعية ومعيشية وأمنية لاسيما في ظل غياب شبكة أمان اجتماعي للعاطلين - باستثناء البحرين التي لديها نظام التأمين ضد التعطل، وثالثة الأثافي وربما أخطرها، الازدياد الرهيب في أعداد العمالة الوافدة، تجاوز 15 مليون وافد، واستقرار العديد منهم في ظاهرة فريدة لا شبيه لها في العالم، يزدادون في معظم دول الخليج عن السكان الأصليين ولا يسمح لهم بحقوق مدنية أو سياسية، وبالمقابل فليس في نيتهم ترك المنطقة ما يعني تشوه التركيبة السكانية والهوية الثقافية لدولنا، وسنتحدث عن هذه الظواهر الثلاث في مقالات ثلاثة.


أولاً: نظام الكفيل:

مع إطلالة العام 2011 تكون دولة الإمارات العربية المتحدة قد طبقت قرارا شجاعا اتخذه وزيرها معالي الأخ العزيز صقر بن غباش يقضي بتخفيف القيود على حرية انتقال العمالة الأجنبية في الدولة: ويقضي القرار بإلغاء فترة الستة أشهر المطلوبة الآن بين فقدان العامل الأجنبي لوظيفته مع صاحب عمله وبين تعاقده مع صاحب عمل آخر. كما يقضي أيضاً بأن العامل الأجنبي حر في اختيار صاحب عمل آخر إذا أخل صاحب العمل بشرط من شروط العقد المبرم بين الطرفين، كأن يؤخر دفع أجوره أو يفرض عليه التزامات غير متفق عليها. والقرار يخفف في الواقع من هيمنة «الكفيل» على عمالته الأجنبية وإن لم ينهِها بالكامل، لأنه يشترط مرور عامين من العلاقة بين الطرفين قبل أن يستفيد العامل من قرار الوزير غباش كاملاً «أي تغيير الكفيل بدون موافقة الكفيل الأصلي.

ومع ذلك، ولأن معظم العقود في الإمارات مفتوحة، وأن غالبية العمالة الأجنبية مضى على تواجدها أكثر من عامين فإن القرار الإماراتي يحرر نسبة كبيرة من سوق العمل، يحررها من رقبة نظام الكفيل المعمول به في دول مجلس التعاون الخليجي ودول عربية أخرى (مثل ليبيا والأردن)، وهو نظام لا يستند على أساس قانوني أو أخلاقي أو حتى تجاري.

وفي فبراير/ شباط المقبل، تحذو دولة الكويت نفس الخطى بإعلان وزير الشئون الاجتماعية والعمل معالي الفاضل الأخ الدكتور محمد العفاسي (عافاه الله) بإلغاء نظام الكفيل في الكويت وبشروط أيسر من تلك التي اعتمدت في الإمارات.

أما نحن في مملكة البحرين، فقد سبقنا الأخوة بإنهاء هيمنة الكفيل على العامل الأجنبي، وأصدرت قراراً في أبريل/ نيسان 2009 بحرية انتقال العمالة الأجنبية في البحرين دون ضرورة موافقة «الكفيل»، وعدم قانونية الاحتفاظ بجواز سفر العمالة الأجنبية من قبل كفيلها. وكان هذا القرار تنفيذاً للمادة 25 من قانون تنظيم سوق العمل رقم 19، الصادر في العام 2006 بعد أن أقره مجلسا الشورى والنواب في المملكة. لقد مر القانون بعدة مراحل من المشاورات استمرت أربع سنوات شملت رجال الأعمال والنقابات العمالية ومؤسسات المجتمع المدني وأعضاء مجلسي الشورى والنواب والقانونيين.

ورغم المقاومة الشديدة التي واجهناها إلا أن غالبية رجال الأعمال كانت متفهمة لتلك الخطوة الحضارية، وأن القيادة البحرينية كانت مصممة على الالتزام بالمعايير الدولية في تعاملها مع العمالة الوافدة.


محاسن جمة:

والحقيقة أن محاسن حرية انتقال العمالة ليست في الالتزام بالمعايير الدولية من خلال احترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فقط، بل تشمل أموراً عديدة لصالح سوق العمل يمكن أن نوجزها كما يلي:

1 - حرية انتقال العمالة تؤدي لزيادة مستوى الرواتب وتطوير بيئة العمل وهذا بلاشك ينعكس إيجاباً على العلاقات العمالية والإنتاجية والقدرة التنافسية للشركات وللاقتصاد الوطني ككل. مستوى الإنتاجية هو التحدي الأكبر لأي اقتصاد ولا يمكن زيادته في ظل علاقة عمل تشبه علاقة العبد بالسيد، بل بعلاقة صحية ذات مصالح مشتركة بين طرفي الإنتاج.

2 - إن زيادة كلفة العامل الأجنبي هذه، وحريته في الانتقال كما العامل الوطني، سوف تجعل العامل الوطني خياراً مفضلاً لدى أصحاب العمل. لقد كان العامل الأجنبي أكثر تفضيلاً لأنه مرغم على العمل لدى كفيله - بعكس المواطن - ويتقاضى رواتب زهيدة وظروف عمل وسكن متدنية لا يقبل بها المواطن. وبهذا يساهم القرار بالإضافة لخطوات أخرى في مواجهة ظاهرة البطالة في أوساط المواطنين.

3 - حرية انتقال العمالة يضرب ظاهرة العمالة السائبة والاتجار بالبشر في العمق. فرغم الحملات التي نقوم بها في دول الخليج العربي لاستئصال عملية الاستعباد والمتاجرة بالعمالة الوافدة، فإننا لم نكن نعالج إلا آثار المرض، الحمّى والألم، أما جذور المشكلة فهي تكمن أساساً في هيمنة الكفيل على العامل الأجنبي وحجز جواز سفره والمتاجرة في جهوده وعرقه، وهو وضع غير مقبول شرعاً ولا أخلاقاً ولا حسب المعايير العالمية لاحترام حقوق الإنسان. وبزحزحة وزعزعة هيمنة الكفيل على العامل الأجنبي تصاب ما يسمى بظاهرة «فري فيزا» بمقتل.


أوهام المعارضين:

وقد بدأ تنفيذ القرار البحريني في 2 أغسطس/ آب 2009، وأذكر أن سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، اتصل بي يوم السبت 1 أغسطس، وكنت خارج البحرين وسألني عن الاستعدادات لتطبيق القرار في ضوء الضجة الكبرى التي أحدثتها مجموعة من صغار المقاولين بما في ذلك التظاهر خارج مكاتب هيئة تنظيم سوق العمل، واتفقنا أنه الدرب السليم وستكون نتائجه خير إن شاء الله.

وبالفعل، فبعد مرور عام ونصف على تطبيق قانون حرية انتقال العمالة في البحرين، لم يأتِنا منه إلا الخير، وسكتت الأصوات المعارضة لمّا تبين أنه خلال هذه الفترة ومن ضمن الآلاف من العمالة المحولة محلياً، لم ينتقل سوى (اثنان في المئة) فقط من العمال بدون موافقة الكفيل الأول، أي أن العامل وكفيله اتفقا على وقت وكيفية الانتقال فيما بينهم دون إكراه، وبدأت السوق تتأقلم مع العلاقة الجديدة لصالح الجميع. إنني متأكد من أن الدول الخليجية المتبقية أي المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة قطر ستحذو حذو البحرين والإمارات والكويت في التخفيف من قبضة «الكفيل» على العامل وتسمح بمرونة أكثر للعلاقات بين الطرفين. وبالفعل فقد أعلن رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها معالي الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني أن حكومته تدرس الموضوع بجدية وتدرس إمكانية إلغاء نظام الكفيل أو تخفيفه. وكان المرحوم أخونا الغالي وزميلنا الدكتور غازي القصيبي مؤمناً بهذه الخطوة، يتحين الفرصة المناسبة لاتخاذها لكن الموت اختطفه من بيننا رحمه الله، والبركة في معالي الأخ عادل الفقيه وزير العمل السعودي الجديد لإكمال المسيرة في سوق العمل إن شاء الله.

هذا عن موضوع الكفيل، أما الموضوعان الآخران مسألة تفشي ظاهرة البطالة بين المواطنين وتغوّل حجم العمالة الوافدة فلهما حديثان آخران نسأل الله أن يوفقنا لعرضهما عمّا قريب.

إقرأ أيضا لـ "مجيد العلوي"

العدد 3050 - الثلثاء 11 يناير 2011م الموافق 06 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 7:05 ص

      لن تحل مشكلة العمالة ابدا

      وكل ماقيل ويقال من نظام الكفيل لن تجدى نفعا لان الغرض الحقيقى وراءهذه القوانين الهشه والعرجاء ضرب العمالة الوطنيه البحرينيه ومنافستها بالعماله الوافده الرخيصه لان مصالح اصحاب القرار تسعى لتحقيق الارباح على حساب العمالتين المحليه واالوافده لان يا جماعة الخير اقتصادنا طفيلى ريعى تابع ليس له استقلاليه فى اتخاذالقرارات وان اتخذها تكون عديمة الفائده والا لماذا لم تنجح طوال هذه السنين بل زادت الطين بله

    • زائر 6 | 6:53 ص

      بنت البديع

      المقال جميل والاجمل الذي لن نقراءة بعد الاوهو عن البطالة - البحرينين يصرخ وعملا نفس يامعتصماة الي اين يذهب المواطن العاطل هل مقول يدريس وفى النهاية جالس فى البيت ليس اي تخصص المهندسين والمحاسبين جالسين كل يوم نشوف العمارات الشاهقة من الذي يقوم بالاشراف عليها رجو ايجاد حل للمهندسين والعاطلين بشكل عام ولاتقولوا التحرك للعامل الاجنبي لايشكل مشكلة بل هي مشكلة

    • زائر 5 | 5:20 ص

      المافيا واحتكار الوظائف للأجانب

      هناك مافيا خفية وأحيانا ظاهرية تتلاعب بالوظائف
      بين الأجانب ففي بعض الأماكن تجد عدم الحاجة إلى وظيفة معين وأحيانا تخلق وظائف غير موجودة بالأساس وليس لها حاجة ولكن حاجة أصحاب الفلل والمجمعات لتأجير مجمعاتهم فإن الوظائف تخلق بقدرة قادر ويجلب الأجنبي من خارج البلد ويوظف وأبناؤنا يصيعون في الشوارع من حملة الشهادة الجامعية
      أين الوزارة وأين النواب وأين وأين ولا أخاطب المسؤلين في الدولة لأنهم المستفيدون من وضع مثل هذا أحد الأجانب اعترف بعد 25 سنة أنه لا يعمل أكثر من ساعة في اليوم

    • زائر 4 | 2:52 ص

      اللوبي الأجنبي

      سيد مجيد

      لما أغفلت العناص الأتيه كمسببات لضعف الإنتاج وتغييب العنصر الوطني:
      1- وجود لوب أجنبي ضاغط علىقرارات المؤسسات الخاصة
      2- التمييز اطائفي
      3- غياب نظام احوافز

    • زائر 3 | 1:21 ص

      يا دكتور راقبوا مسألة الأجانب والوظائف العليا

      التركيز على الأجانب في الوظائف ذات الدخل العالي شيئ غريب جدا لا يقبله العقل ماذا ينقص البحريني حتى يشغل هذه الوظائف أحيانا يكون البحريني أقدر وأجذر بارتقاء هذه الوظائف ولكنه دائما مبعدا حتى صار يخاف من مجرد التفكير في تلك الوظائف رغم انه لا ينقصه شيء ربما بعض الوظائف تحتاج إلى مؤهلات معينة وبالإمكان تدريب البحريني وتدريسه ولكن استبعاده بالمرّة من أجل فقط أن تشغل الفلل والمجمعات الفخمة
      إن البحرين سوف يكون أقل كلفة بكثير مع فارق أنه سوف ينفق فلوسه في بلده بينما الأجنبي بالعكس

    • زائر 2 | 1:01 ص

      يا دكتور ادخل للبنوك والشركات وشوف اللعب في التوظيف

      كما تنينا أحد المسؤلين ولو لمرة واحدة يتطرق إلى اللعب في توظيف الأجانب والعصابات المستحكمة في التوظيف وظائف مرموقة ورواتب خيالية مع مزايا
      لا تعد كلها للأجانب ومعظمها صفقات من تحت الطاولة ولا أحد يتكلم عن هذا الموضوع حتى أصبح كأنه من المألوف أن ترمى بفضلات الوظائف للمواطن وليس لكل فئة هناك فئة دائما تكون مستبعدة الكل يعرف ما أقول وما أقصد
      والوظائف المرموقة ذات الدخل العالي مقتصرة على الأجانب مع وجود البحريني الأكفأ والذي يناله الإحباط لما يرى من اجحاف

    • زائر 1 | 11:48 م

      يسلم هالقلم

      يسلم هالقلم سعادة الوزير
      الله يعطيك الصحة والعافية ...... مقال رائع واعجني .....ونأمل المقال القادم عن ظاهرة البطالة وتغول حجم الوافدين

اقرأ ايضاً