العدد 2442 - الأربعاء 13 مايو 2009م الموافق 18 جمادى الأولى 1430هـ

موطن للشعراء قديما وحديثا

القيروان عاصمة الثقافة الإسلامية

القيروان ما القيروان؟...

مدينة الثلاث مئة مسجد، عاصمة الأغالبة، مدينة الجمال المعتق حيث روح الأصالة تتجاذبها موجة الحداثة فتستحي المدينة أمام ناظريها كما الدرة المكنونة والجوهرة المصونة على صدر تونس الخضراء. وقد اختارت المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم إيسيسكو القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2009. وليس هنا المجال لتبرير هذا الاختيار فهي به جديرة وعلى الإقناع بذلك قديرة.

غير أن المرور على المناسبة مرور الكرام إجحاف في حقّ هذه المدينة التي بقيت نحو أربعة قرون عاصمة الإسلام الأولى لإفريقية والأندلس ومركزا حربيا للجيوش الإسلامية ونقط ارتكاز رئيسية لإشاعة اللغة العربية.

أروى القيروانيّة: هل تعرفون الصداق القيرواني؟

قبل المجد الأدبي لهذه المدينة لنا لفتة سريعة إلى امرأة من هذه الحاضرة ذاع صيتها في المشرق الإسلامي إنها الدرة القيروانية التي لا تزال كتب التراث ومنتديات النساء تلهج بذكرها أنها أروى القيروانية إحدى شهيرات تونس والمكناة بأم موسى ثم بأمّ الخلفاء. حيث طرأ أبو جعفر المنصور على القيروان سنة 110 للهجرة لأسباب سياسية قبل وصول بني العباس إلى سدة الخلافة ونزل في ضيافة منصور بن سعيد الحميري فأعجب بأروى أرملة ابن عمه عبيدالله بن العباس وشهد من وسامة أروى ما بهر بصره وخلب لبّه فخطبها وتزوجها، وتعلق بها شديد التعلق طول حياته، وقد اشترط لها أبوها في عقد زواجها ألا يتزوج عليها أبو جعفر غيرها وألا يتخذ السراري معها، فإن تسرى عليها كان طلاقها بيدها كما جرت بذلك عادة أهل القيروان من عهد قديم، حتى سميت تلك الطريقة بالصداق القيرواني كما ذكر حسن حسني عبدالوهاب في كتابه شهيرات التونسيات،

وقد أجمع المؤوخون على أنها كانت زوجة مثالية «ذهبت إلى حد إبعاد أكبر النساء الأرستقراطيات في بغداد بفرط ما تميزت به من رقة وهيبة» ويعرف عن أروى القيروانية أنها أوصت بثروتها الكبيرة إلى حفيداتها الصغيرات وإلى بناتهن من الأرامل والعازبات حتى يحافظن على كرامتهن ويحمين منزلتهن في المجتمع.

شذرات من المجد الأدبي للقيروان:

وبقدر ما يشدّنا تاريخها السياسي المجيد، يسحرنا تاريخها وحاضرها الأدبي الحافل بالأعلام شعراء كانوا أم أدباء أم نقّاد. فلقد مثلت القيروان مركزا علميا رياديّا في المغرب العربي لذلك توجّه إليها أهل المغرب وأمَّها العديد من طلاب العلم من البلاد المجاورة. فكان لها بذلك يد طولى في نشر علوم الدين الإسلامي وليس أدلّ على ذلك قديما أنّ الخليفة عمر بن عبد العزيز(99هـ-101هـ) حين أراد تثقيف أهل المغرب وتعليمهم أمور دينهم جعل من مدينة القيروان مركزا للبعثة العلمية التي أرسلها إلى إفريقية لذلك الغرض.

وهذه الصورة المشرقة للقيروان ازدادت ضياء بنور أعلامها الذين جاؤوا فملؤوا الدنيا وشغلوا المختصين والمثقفين مشرقا ومغربا ولعلّ القائمة طويلة لكني مكتف بأربعة دليلا على ما أقول وسأتعمّق في تحليل شخصية واحدة منهم كان لها أثر في تاريخ الشعر العربي. هؤلاء الأربعة جمعهم قرب الزمان فهم بنو القرن الخامس للهجرة: إنهم زمرة من الأفذاذ أصلاء القيروان برعوا في أبواب متكاملة النثر والشعر والنقد الأدبي: هم على التوالي من حيث زمن الوفاة: إبراهيم الحصري، علي الحصري، ابن رشيق وابن شرف.

أمّا أولهم إبراهيم أبو إسحاق الحصري القيرواني صاحب زهر الآداب التوفي 413 للهجرة، فقد كان شبان القيروان يجتمعون عنده ويأخذون عنه، سارت تآليفه وانثالت عليه الصلات من الجهات وقد قال عنه مواطنه ابن رشيق: «كان شاعرا نقادا عالما بتنزيل الكلام وتفصيل النظام يحبّ المجانسة والمطابق ويرغب في الاستعارة».

وأمّا الثاني ابن رشيق القيرواني فهو صاحب أحد الكتب المراجع المهمة في النقد كتاب «العمدة في معرفة صناعة الشعر ونقده وعيوبه» لقد جمع بين علم النقد وصناعة الشعر وبلاغة الكلام فعد شاعرا وناقدا وبليغا.

وأمّا ثالث القافلة المختارة فهو ابن شرف القيرواني قال فيه ابن الدباغ «الأديب الفاضل أحد من نظم قلائد الآداب وجمع أشتات الصواب وتلاعب بالمنثور والموزون تلاعب الرياح بأطراف الغصون.

أما آخر القافلة فهو علي الحصري المتوفي 488 للهجرة وهو من سنطيل فيه القول تعريفا وتقديما لشعره وتحليلا لبعض كنوزه الأدبية.

@كاتب تونسي

العدد 2442 - الأربعاء 13 مايو 2009م الموافق 18 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً