العدد 3062 - الأحد 23 يناير 2011م الموافق 18 صفر 1432هـ

وزيرٌ أعْجَمِي وُلِدَ في بلاد العرب... فما الجديد إذاً؟!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

زارَ وزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي أكبر صالحي مرقدَ الإمامَيْن موسى الكاظم ومحمد الجواد (ع) خلال زيارته الأخيرة للعراق وسَجَّل في دفتر التشريفات الخاص بالرَّوضة الكاظمية العبارة التالية «شكراً وحمداً لله الذي وفَّقنِي لزيارة هذه الأرض المقدسة التي كُنتُ أعيش فيها ذات يوم، وذلك بعد 45 عاماً من الرحيل عنها، ولا أنسى أبداً الذكريات الطيِّبة التي عِشتها في الكاظمية (شمال بغداد) حيث كنتُ فيها تلميذاً في مدرسة (اخوت)». انتهى.

بطبيعة الحال فإن هذه اللفتة من الوزير صالحي تؤشِّر إلى أن الرجل هو إيراني الحال، عِراقي المولد (كربلاء المقدّسة) والمنشأ. وربما أثر ذلك التكوين على لغته العربية السليمة جداً من العاهات اللسانيَّة التي عادة ما تصطبغ بألسُن الأعاجِم.

وصالحي كغيره من السياسيين الإيرانيين النَّابِتِيْن مولِدَاً ونشأةً في العراق كرئيس البرلمان علي لاريجاني الآملي (1954)، ورئيس السلطة القضائية السابق وعضو مجلِسَي صيانة الدستور والخبراء آية الله محمود الهاشمي الشاهرودي (1948), ورئيس مجْمَع التقريب بين المذاهب الإسلامية الشيخ محمد علي التسخيري (1944) والمولودون جميعهم في مدينة النجف الأشرف وغيرهم كُثُر.

ضمن هذه المُقدّمة، يبدو أن السياسة الخارجية الإيرانية يُرادُ لها أن تسير بشكل مُختلف مع الجوار العربي خلال المرحلة القادمة. فتعيين وزير خارجية يُجيد العربية ويُصرّح بها على أرض عربية في سابقة لا تحدث إلاّ نادراً جداً من جانب المسئولين الإيرانيين فإنه يدلُّ على ذلك حتماً. وقد وجدتُ أن هذا الأمر بدأ يتكرّر في الآونة الأخيرة من قِبَل المسئولين الإيرانيين في وسائل إعلامهم وفي بعض وسائل الإعلام العربية كتصريحات الرجل الثاني في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي باقري، الذي تحدَّث مع صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول 2010 (العدد 11699) بلسان عربي، في حوار سمَّته الصحيفة بـ «غير المسبوق».

أمرٌ مُتَمِّمٌ لذلك، فإنني تتبعت حركة الوزير صالحي في وسائل الإعلام الإيرانية وغير الإيرانية منذ تعيينه مسئولاً عن الدبلوماسية في بلاده خلفاً لمنوشهر متقي في الثالث عشر من ديسمبر الماضي فوجدت أن حضوره السياسي والإعلامي المقروء والمرئي والمكتوب تجاوز الـ 75 ظهوراً ما بين تصريح سياسي وزيارة خارجية، متفوّقاً بذلك على رئيسه (أحمدي نجاد) بـ 38 مرَّة. الأمر الذي يعني أن حضور صالحي تجاوز نسبة الـ 1.8 في اليوم منذ تعيينه ولغاية يوم أمس (الأحد). في حين حاز أحمدي نجاد على نسبة حضور إعلامي لم تتجاوز الـ 0.902 مرَّة في اليوم.

المُلفت في ذلك أن جزءًا كبيراً من تصريحات الوزير صالحي قد جاءت على شكل رسائل تطمينية للمحيط العربي. بل إن تلك التصريحات شمِلت العراق أيضاً الذي تتحكّم فيه إيران بشكل قوي. وقد تحدّث صالحي عن ذلك صراحة عندما زار المرجع الأعلى في النجف آية الله السيد السيستاني. بل إن أول تصريحات للوزير صالحي والتي سترتكز عليها إدارته الجديدة للدبلوماسية الإيرانية كانت «عنايته بعلاقات بلاده مع تركيا والمملكة العربية السعودية التي لها مكانة كبيرة في المنطقة» كما سمّاها.

فالرياض هي مدخل مهم نحو الوصول إلى جزء كبير من الشمال الإفريقي فضلاً عن الجوار العربي القريب لإيران، حيث دول الخليج العربية. كما أن الرياض هي معنية بشكل عضوي بالملف اللبناني الذي يهمّ طهران بذات المستوى كواحد من محطات النفوذ لها. وربما زادَ من أهمية المملكة العربية السعودية هو التنسيق السوري معها بشأن لبنان، وهو ما أعطى انطباعاً على محوريّة الدور السعودي في المنطقة، وبالتالي الرغبة الإيرانية في التقرّب منه. أما عن العلاقة مع تركيا (وإن كان الأمر لا يدخل ضمن مقام الحديث)، إلاّ أن مباحثات أسطنبول الأخيرة حول الملف النووي الإيراني، والوساطة التي قادتها أنقرة لعودة السفير السنغالي إلى طهران ثبّتت دورها هي الأخرى.

وخلال الأيام القليلة الماضية سمحت طهران لعدد من ممثلي الدول بينهم دول عدم الانحياز ومجموعة الـ 77 وجامعة الدول العربية وسلطنة عُمان وسوريا وفنزويلا بزيارة معمل الماء الثقيل بأراك، حيث كان أربعة دبلوماسيين عرباً رفيعي المستوى ضمن ذلك الوفد. وإذا ما عُرِف أهمية هذا الموضوع بالنسبة للإيرانيين وحساسيته أيضاً سيُلحظ جيداً قيمة اللفتة التي قامت بها طهران في ذلك المسعى والذي جعلت الحضور العربي فيه واضحاً جداً.

اليوم يبدو أن الإيرانيين لا يريدون الاعتماد فقط على نفوذهم داخل الدول المهزوزة في مركزها كالعراق ولبنان وأفغانستان وعدد من الدول الإفريقية كما كانوا يفعلون في السابق، والتي هي مُستَحصَلة أصلاً وإنما أيضاً يسعَون إلى تمتين علاقاتهم مع الدول المنضوية داخل الكيانات الإقليمية والكبيرة المتماسكة كدول مجلس التعاون ومجموعة العشرين والثمانية وشنغهاي وغيرها من الكيانات. وربما أثبتت لها تجربتها الأخيرة مع السنغال والإشكال الدبلوماسي الذي حصل قبل شهر ونصف الشهر كيف أن مزيداً من التحوُّط في تسيير العلاقات مع الخارج سيكون أجدى، خصوصاً في المجالات المعنية بالأمن القومي والاستراتيجي.

في كلّ الأحوال فإن تزامن التعيين الجديد لرأس الدبلوماسية الإيرانية بصيغته الخطابية المختلفة، وكثرة الرسائل التي قام بها ذلك الخطاب نحو الجوار العربي، وإشراك الأخير في الاضطلاع على أهم ملف أمني بالنسبة لإيران والعالَم (النووي) يُشكل منعطفاً أراد له الإيرانيون أن يكون موازياً لحركتهم في المنطقة، وحاجة أمنهم القومي إلى مزيد من المدى الجغرافي الذي قد يُؤمِّن لهم مزيداً من الحماية الأمنية الاستراتيجية سواء على مستوى التحالفات الدولية أو حتى على مستوى التحييد وتفهّم الحال.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3062 - الأحد 23 يناير 2011م الموافق 18 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:48 م

      لقد صدقتك

      اتصدق اعتقد ان ايران ليس لديها اطماع فى الدول الخليجيه وليس لديها جيش القدس الذى سيشق طريقه لتحرير مكه والمدينه من يد اليزيديين ومن ثم القدس ايران لا تدعم حزب الله فى وجه اخوانه السنه ايران تريد ان ترضعنا من ثديها الحنون ......

    • زائر 1 | 12:17 ص

      يا أمة ضحكت من جهلها الأمم !

      المشروع الأميركي يحاول إيهام العرب بأن العدو الأول هي إيران وليست إسرائيل وأميركا، وللأسف البعض وخاصة الأمويين جعلوا إيران العدو الأول فقط لأنها تختلف معهم في المذهب، وصادقوا أميركا المستعمرة التي أعلنتها (حرباً صليبية) ضد الإسلام حسب سيئ الذكر جورج بوش

اقرأ ايضاً