العدد 3064 - الثلثاء 25 يناير 2011م الموافق 21 صفر 1432هـ

قمة شرم الشيخ وضياع فرصة المراجعة (2 - 2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

رغم أن المستجدات وخصوصاً الحدث التونسي وتداعياته في أكثر من بلد عربي قد فرض نفسه في خطابات بعض الزعماء العرب، بتحفظ شديد، فإن جدول الأعمال المقر من قبل هذه التطورات من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي، هو ما جرى مناقشته وكأن شيئاً لم يكن. وأهم ما جاء فيه:

1 - صندوق دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة:

هذا المشروع تم إقراره في قمة الكويت قبل سنتين. وقد تم تحديد رأسماله بـ 2 بليون دولار وأنيطت خطوات التأسيس بما في ذلك جمع رأس المال والنظام الأساسي، ومجلس الإدارة بالصندوق العربي للتنمية ومقره الكويت ويرأسه عبد اللطيف الحمر. لقد أعلنت الكويت والسعودية حينها مساهمتهما معاً بمبلغ 500 مليون دولار، وتبعتهما دولاً عربية أخرى بما في ذلك الصومال بإعلان مساهمتهم. ولكن وبعد مرور سنتين فإن المساهمات لم تحوّل فعلاً لحساب الصندوق ولم يتم وضع النظام الأساسي ولم يشكل مجلس الإدارة ولم تُختر بلدان لاختبار مشاريع الصندوق.

قمة شرم الشيخ أعادت تأكيد الضرورة لإخراج المشروع إلى النور وبسرعة، وأكدت الكويت والسعودية مجدداً مساهمتهما، لكننا ندرك أن مبلغ ملياري دولار لا يكفي بلداً عربياً واحداً مثل مصر لتلبية حاجات الشباب لبدأ مشاريع صغيرة فكيف بـ 22 بلداً عربياً. والمهم هو التنفيذ.

2 - منطقة التجارة العربية الحرة العربية الكبرى:

بالرغم من أن مجلس الوحدة الاقتصادية والاجتماعية قد أنشأ بقرار من القمة العربية في العام 1964، كما أنه مضى أكثر من عقدين على قيام منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى فيما بين الدول العربية ورغم ذلك فجميع المؤشرات تشير إلى أننا بعيدون جداً عن سوق عربية مشتركة على غرار السوق الأوروبية المشتركة.

القمة راجعت التقدم المحرز في مسيرة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والتحرك نحو إقامة الاتحاد الجمركي حيث دعى لمزيد من الجهود لتوحيد تصنيفات التعرفة الجمركية قبل نهاية 2012 والدخول في التفاوض على هذه الفئات تمهيداً للإعلان عن الاتحاد الجمركي العربي العام 2015، وما تم إقراره من سياسات تهدف لتعزيز الاستثمارات العربية المشتركة وتمكين القطاع الخاص والمجتمع المدني من الإسهام بفاعلية في عملية التنمية الشاملة.

هذا كلام جميل لكنه لا يصمد على أرض الواقع. والحقيقة أن ما يصح على السياسة يصح على الاقتصاد فكل نظام عربي يعتبر نفسه مطلق الصلاحيات في بلده وفي علاقتها مع البلدان العربية، لذا ليس غريباً إغلاق الحدود كما بين الجزائر والمغرب مثلاً، والتحكم في الاستثمارات، حيث نجد توجها لاشتراط مشاركة النخب الحاكمة في مشاريع الاستثمار العربية، وهناك قيود شديدة على انتقال العمالة العربية وإقامتها وعملها، بحيث تفوق العمالة الأجنبية العمالة العربية في دول مجلس التعاون مثلاً، كما أن التبادل التجاري والخدمات المتبادلة لكل الدول العربية فيما بينها لا تتعدى 10 في المئة بينما تتجاوز التجارة والخدمات فيما بين دول الاتحاد الأوروبي 65 في المئة، ومازالت الخلافات قائمة فيما يتعلق بتوحيد شهادة النشأة، ومواصفات السلع والخدمات والضرائب الجمركية وغيرها.

3 - البنية التحتية العربية:

أشار بيان القمة إلى تفعيل مبادرة البنك الدولي للعالم العربي لتخصيص صندوق لمشروعات البنية الأساسية للطرق وسكك الحديد والنقل البحري والربط الكهربائي والطاقة المتجددة وتوفير فرص عمل عن طريق دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة وكذلك الاستثمار في التنمية البشرية.

أي أن القمة العربية تدعو لتفعيل مبادرة البنك الدولي وليس لدى العرب خطط ومشاريع وتمويل لإقامة بنية تحتية للنقل والكهرباء والطاقة المتجددة. وإذا كانت دول مجلس التعاون لم تدشن حتى الآن مشروع سكة الحديد رغم إمكانياتها المالية وتجاورها، فكيف الحال بالمشاريع العربية.

4 - التعاون الاقتصادي والتنمية:

في الخطاب الافتتاحي لرئيس القمة الرئيس المصري حسني مبارك، أكد «أن التعاون الاقتصادي والتنمية لم يعد غايته تحقيق التقدم لشعوبنا فحسب وإنما أصبح قضية مستقبل وبقاءً ومصيراً ومطلباً أساسياً من متطلبات الأمن القومي». وشدد على أهمية «توفير فرص للشباب من خلال المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالتعاون مع القطاع الخاص وتشجيعه ودعمه».

لكن الوقائع تدل أيضاً أنه باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي ولأسباب ترتبط بمداخيلها الهائلة من عوائد النفط وقلة سكانها، فإن باقي الدول العربية فشلت في تحقيق أهداف الألفية الثانية المعدلة للتنمية.

ما تحقق نمو اقتصادي طفيف ولكن ليس تنمية شاملة متكاملة، ولا تستند إلى قاعدة اقتصادية متينة. ولا تولد فرص عمل متكافئة، وقد أتت الأزمة الاقتصادية العالمي لتفاقم من أزمة التنمية العربية.

وتقدر بعض الوسائط معدل البطالة في الدول العربية مجتمعة بما يتراوح بين 16-20 في المئة بينما ترتفع في أوساط الشباب وتصل في بعض البلدان إلى 45 في المئة.

إن من الوهم تصور قيام تنمية مستدامة وشاملة في ظل النظم الشمولية التي ينخرها الفساد والمحسوبية وتبديد الثروات الوطنية والتهميش لغالبية الشعب والاضطرابات والحروب والاحتلالات وخصوصاً الاحتلال الإسرائيلي.

إن التنمية المستدامة والشاملة لا يمكن أن تتم إلا في ظل حكم ديمقراطي رشيد والحوكمة الجيدة والاستقرار واستئصال الفساد والمحسوبية والتمييز وإطلاق الطاقات البشرية، وتشجيع التصنيع والبحث العلمي والتحديث.

لقد سخر غالبية المسئولين العرب من إمكانية تكرار الحدث التونسي في بلدانهم وأكد كل منهم خصوصية بلاده، ولعل الخصوصية هنا تكمن في التفنن في السيطرة على الشعب وإحكام القبضة الحديدية وتوسيع النهب.

كما أن استلهام نموذج البوعزيزي من قبل عدد من المواطنين العرب لإحراق أنفسهم أو الانتحار على أمل استثارة الجماهير للتحرك، ليس وصفة سحرية. لكن صحيح أيضاً أن الوضع العربي بعد الحدث التونسي ليس كما سبقه.

5 - الأمن المائي العربي:

كلفت القمة العربية المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة لإعداد مشروع الإدارة المتكاملة للموارد المائية وعقد جلسات تنسيقية مع مؤسسات التمويل العربية لبحث سبل تمويلها للمشروع. والحقيقة أن الوطن العربي يعتبر من أكثر المناطق عجزاً في الموارد المائية، ويزداد العجز المائي سنة بعد أخرى. وتكمن المفارقة أن البلدان العربية المشتركة في الأنهار مثل مشاركة مصر والسودان نهر النيل ومشاركة سورية والعراق في نهر الفرات ومشاركة الدول المتجاورة في الأحواض المائية الجوفية لم تقم حتى الآن بمشاريع مشتركة لتطوير مواردها المائية، وللحفاظ عليها والحد من الهدر.

6 - البرنامج الطارئ للأمن الغذائي الطارئ:

طلبت القمة من المنظمة العربية للأغذية والزراعة متابعة تنفيذ الخطط التنفيذية الإطارية للبرنامج الطارئ للأمن الغذائي الطارئ.

في الواقع فإن الفجوة الغذائية العربية ما بين ما ينتج وما يستورد تزداد. ويقدر أن العرب دفعوا ما لا يقل عن 60 مليار دولار لوارداتهم الغذائية خلال 2009.

هذه الفجوة ستزداد في ظل أزمة الغذاء العالمي وارتفاع أسعر المواد الغذائية، وتراجع الإنتاج الغذائي العربي على حساب الأراضي الزراعية، ولذا فإن الحديث عن أمن غذائي عربي هو مجرد كلام إنشائي.

لقد فوّت القادة العرب فرصة أخرى لمواجهة النفس واستخلاص العبر من الحدث التونسي، وتقديم مبادرات من قبل القادة العرب، كلٍّ في بلاده ولشعبه وكذلك تقديم مبادرة عربية مشتركة بالإصلاح والعمل العربي الحقيقي المشترك. لكنهم مرة أخرى ضيعوا هذه الفرصة، واجتمعوا ليوم واحد ضاع معظمه في الخطب بينما كان مطلوباً إقرار خطة عمل فعلية والتزام فعلي وجدول زمني وخطوات محددة للخروج من المأزق العربي.

بالطبع لم يكن ذلك متوقعاً من أنظمة سادرة في غيها، ومنعزلة عن شعوبها، بحيث اختزلت البلدان بحكامها واختزل الشعوب بقادتها. وكما جاء في القرآن الكريم «تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى».

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3064 - الثلثاء 25 يناير 2011م الموافق 21 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً