العدد 3068 - السبت 29 يناير 2011م الموافق 24 صفر 1432هـ

مصر على وقع الثورة التونسية

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

عبرت الكاتبة المصرية منى الطحناوي بصحيفة «واشنطن بوست» يوم الأربعاء 26 يناير/ كانون الثاني 2011 تحت عنوان «هل تتطور الاحتجاجات المصرية على طريق ثورة تونس» بقولها:

«هناك صورة تفسر لماذا نزل المصريون إلى الشارع بالآلاف وهي صورة امرأة وزوجها العامل خلال مظاهرات في المحلة الكبرى (كبرى المدن الصناعية المصرية) وهي تمسك وتلوح بالعلم التونسي، بينما زوجها يلوح برغيف خبز، وخلفهما يافطة تقول: أمس تونس واليوم مصر».

الحدث التونسي يفعل فعله في كل البلدان العربية بدرجات متفاوتة. لقد كسر الشعب التونسي حاجز الخوف الذي أمسك برقابه طوال 23 عاماً من حكم الاستبداد في جمهورية الخوف في ظل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

حاجز الخوف هذا يكبل الشعوب العربية كلها، بعض هذه الشعوب يعاني أكثر مما عاناه الشعب التونسي من إفقار وبطالة وإهدار للكرامة وفقدان الحرية. وبعض الأنظمة العربية أسوأ من نظام زين العابدين بن علي من حيث القمع والاستبداد والفساد. الشعب التونسي ورغم كل ذلك يتمتع بغالبيته بحياة معقولة، في حين أن بعض الدول العربية تعاني من المجاعة وتعاني من البطالة بما يتجاوز الوضع التونسي.

في أكثر من بلد عربي انطلقت عفوياً مظاهرات التضامن مع الشعب التونسي، وهكذا تتالت الاحتجاجات الواسعة في الجزائر والمغرب ومصر والسودان والأردن واليمن والتي تحول بعضها إلى انتفاضة كما في مصر واليمن، وعمت الفرحة الشعب العربي من مراكش إلى البحرين.

تميز الحالة المصرية

توافرت لمصر عوامل وظروف جعلتها في مقدمة ركب التحرك الجماهيري على طريق تونس. وإذا كان الحدث المصري قد فاجأ النظام المعتد بنفسه أكثر من اللازم، فإن هناك عوامل متقاربة مشتركة في الحدثين وأهمها دور مجموعات التواصل الاجتماعي، ودور النشطاء الحقوقيين، والجماهير العاديون في صنع الحدث.

في التاريخ هناك مصادفات ذات دلالة، يوم 25 يناير 2011، هو اليوم القومي للشرطة، وهو يوم عطلة رسمية، حولها الشعب المصري إلى يوم غضب ضد القمع. أقام النظام احتفالاً ضخماً قبل يوم عيد الشرطة، مشيداً بدور الشرطة وقوات الأمن والتي تضخمت وتفرعت وأمعنت في قمعها، ووزير الداخلية اللواء حبيب العادلي تباهى بإنجازات منتسبي وزارة الداخلية، وتباهى بالأمن والاستقرار الكاذب والمفروض بالحديد والنار.

بالمقابل وفي ظل ثورة المعلومات وشبكات الويب، والفضائيات، تصدت شخصيات سياسية وحقوقية لهذه الدعاية الفجة، وقدمت شهادات على انتهاكات الأمن، والفظاعات المرتكبة بحق المواطنين في أقسام الشرطة والسجون والمعتقلات، وعرضت مشاهد مؤلمة لهذه الفظاعات. ومع اقتراب يوم 25 يناير 2011، بدأ التحرك للدعوة للتظاهر والاحتجاج. لقد سبق أن شهدت مصر عدة انتفاضات ومنها تلك التي حدثت قبل عام بدعوة من قبل ما عرف بـ «حركة 6 أبريل» من قبل شبان الإنترنت والتواصل الاجتماعي. وقد شهدت مصر حينها تظاهرات واحتجاجات واسعة، لكن النظام نجح في احتوائها.

كانت تلك بروفة استفادت منها قوى المعارضة السياسية والحركة الاجتماعية المعارضة، هذه المرة الظروف أفضل. الحدث التونسي بوهجه واستمراريته يلهم الجماهير. التواصل الجماهيري من قبل مجموعة 6 أبريل وغيرها من المجموعات التي تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) والمواقع الإلكترونية والبريد الإلكتروني تضافرت جهودها بالدعوة للتظاهر والاحتجاج في يوم 25 يناير.

القوى السياسية هذه المرة أكثر تلاحماً واستجابة، خصوصا وأنها بلا استثناء قد نكبت على يد النظام في الانتخابات العامة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، ولم يترك لها النظام مكاناً للصلح.

وهكذا تجاوبت مختلف القوى، الإخوان المسلمين، الجمعية الوطنية للتغيير (محمد البرادعي) والوفد وحزب الغد، والناصريين واليساريين وغيرهم إلى جانب حركة كفاية، مع الدعوة للخروج إلى الشارع. كما تجاوبت نقابات مهمة وخصوصاً نقابة الصحافيين ونقابة المحامين واتحاد الأدباء والكتاب بدعم التحرك الشعبي.

أما العامل الثالث في نجاح التحرك وهو أنه تمت الدعوة للتظاهر والاحتجاج في معظم المحافظات المدن المصرية (القاهرة، الإسكندرية، كفر الدوار، السويس الإسماعيلية وشمال سيناء وغيرها)، كما أنه طلب من المتظاهرين الانطلاق من أكثر من موقع في القاهرة ذاتها، ثم الالتقاء في ميدان التحرير وكذلك الأمر بالنسبة لسائر المدن الكبرى.

هكذا فوجئ الجميع بتجاوب الجماهير الحماسي وتوحد شعاراتها عفوياً. لم تكن التظاهرات في الماضي تتعدى المئات، وكان أغلبها يتم في القاهرة دون أن تتجاوب معها باقي المدن. هذه المرة ورغم حشد عشرات الآلاف من قوات الأمن والمخابرات، خرج الآلاف إلى الشوارع. وما يلاحظ خروج عائلات بأكملها وما بدأ في بداية نهار الإثنين 25 يناير، تجمعات ومظاهرات صغيرة، تحولت إلى ما يشبه الطوفان البشري، حيث فاق عدد المحتشدين في ميدان التحرير العشرين ألفاً، وواصلوا المرابطة والاحتجاج في البرد القارص.

في ذات الوقت كانت الجماهير تحتشد في المدن المصرية الأخرى ولأول مرة في وقت واحد وبأعداد كبيرة. وقد اصطدمت بقوات الأمن وسقط أربعة شهداء في السويس، وأعداد كبيرة من الجرحى، والمئات من المعتقلين.

المطالب التي طرحها المتظاهرون توحدت في الإصرار على تعهد الرئيس مبارك بعدم التجديد لرئاسته وعدم توريث ابنه جمال في العام 2012، كما طالبوا بحل مجلس الشعب الذي استفرد به الحزب الحاكم (الحزب الوطني الديمقراطي) في انتخابات أبعد ما تكون عن النزاهة. وكذلك حل مجلس الشورى الذي يسيطر عليه الحزب الوطني أيضاً. كذلك طالبوا بوضع حد للفساد ومحاكمة الفاسدين وتوفير فرص العمل والعيش الكريم، وتأمين التعددية السياسية الحقيقية وضمان الحريات العامة.

كان لافتاً أن يحاصر المتظاهرون مقر الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم المطل على النيل بجوار الجامعة العربية، وأن يحاصروا مجلس الشعب ومجلس القضاء الأعلى لما ترمز له من دور في النظام الحالي.

انتفاضة الشعب المصري لم تتوقف مع حدث 25 يناير, بل تتواصل وتتوسع لتضم المزيد من القوى وينضم إليها المزيد من الجماهير وتشمل مدناً ومحافظات جديدة، لتصل الى «جمعة الغضبى في 28 يناير 2011 .

كما إن مطالب الانتفاضة وشعاراته تتطور وتتجذر، وبالمقابل فإن محاولة النظام بإجهاضها سواء بالقمع أو الإظلام الإعلامي وحجب الاتصالات الإلكترونية أو تقديم إقالة وزارة أحمد نظيف ككبش فداء، لا يبدو أنه سينجح في إيقاف الانتفاضة.

أخطاء جسيمة في الحساب

حينما انعقدت القمة العربية الثانية في شرم الشيخ بتاريخ 19 يناير 2011 في ظل الحدث التونسي، تجاهل البعض الحدث تماماً في خطابه في حين أن البعض الآخر أظهر بعض الكياسة بتأكيدهم على احترام إرادة الشعب التونسي. وهناك من شدد على عدم قبول التدخلات الخارجية في إشارة إلى أن ثورة الشعب التونسي بتوجيه من الخارج.

أما وزير خارجية مصر حينذاك (أحمد أبوالغيظ) فقد سخر من الذين يشبهون الوضع المصري بالتونسي، وإمكانية انتقال العدوى التونسية إلى مصر. وعلى امتداد أسابيع من الحدث التونسي رغم تفاعلاته تحت السطح، فقد أصر مسئولو النظام وإعلاميوه على أن وضع النظام متين، وأن ما يطرحه المعارضون تهويل وتزوير للحقائق وحمّلوا مسئولية إثارة المظاهرات والاضطرابات تنظيم الأخوان المسلمين المحظور.

بالطبع لا نستطيع التكهن تماماً بمسار الأحداث التي تشهدها مصر. ولكن من الواضح أن الانتفاضة الجماهيرية الحالية هي الأضخم والأعم والأشمل منذ أكتوبر/ تشرين الأول العام 1981، أي على امتداد ثلاثة عقود.

غالبية المحتجين هم من الشباب الذين لم يعرفوا في حياتهم سوى حاكم واحد وحزب واحد، في ظل قمع مديد، واستبداد شامل، وإفقار وإذلال.

هؤلاء الشباب هم جسم الحركة الجماهيرية الأساسية. هؤلاء واعون لما يجري ولا ينطلي عليهم الإعلام المعلب. وكما طرحه أكثر من متحدث منهم، فليس لديهم ما يخسرونه

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3068 - السبت 29 يناير 2011م الموافق 24 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 9:36 م

      احتضان فرد أم احتضان شعب؟

      لا أدري لماذا يتسارع الحكام العرب لمساندة حسني مبارك و غيره ممن لا يرتضيه الشعب و كأن المسألة شخصية و لا تتعلق بصاحب الشان الأصلي وهو الشعب!.. لا يمكن أن نختزل 84 مليون مصري بشخص واحد عمره 84 سنة!.. أقول لحكامنا العرب: اعتبروا و أصلحوا مسيركم ومصيركم ولا تكرروا تجربة احتضان الشاه و احتضان صدام فذلك مما ثبت أنه لا ينفع لأن التغيير قادم قادم.

اقرأ ايضاً