العدد 3085 - الثلثاء 15 فبراير 2011م الموافق 12 ربيع الاول 1432هـ

التعليم على حقوق الإنسان: نظرة مجتمعية (1 - 2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

رغم أن حقوق الإنسان من حيث مضمونها قديمة الجذور، إلا أن الاهتمام بها مازال حديثاً، حيث يرجع للنصف الثاني من القرن العشرين وعلى الأخص بعد الحرب العالمية الثانية التي على حد تعبير ميثاق الأمم المتحدة «أدت بالعالم لتجرع ويلات الحرب مرتين في جيل واحد، وما أحدثته من آلام على البشرية يعجز عنها الوصف»، ومن هنا جاء تأكيد الميثاق على تأكيد الإيمان في حقوق الإنسان، وفي كرامة وقيمة الفرد، وفي المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق، وبين الأمم كبيرها وصغيرها، وأيضاً جاء تأكيد الهدف وهو «تهيئة الظروف التي تتحقق فيها العدالة واحترام الالتزامات الناتجة عن المحافظة على المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي». وأيضاً «تنمية التقدم الاجتماعي ومستوى أفضل للمعيشة في مناخ من الحرية أوسع»، ومن أجل تحقيق ذلك كله ينبغي «ممارسة التسامح، والعيش المشترك في سلام مع بعضنا البعض، كجيران وتوحيد قوتنا للحفاظ على السلام والأمن، ولضمان قبول المبادئ وإقامة المؤسسات التي تحول دون استخدام القوات المسلحة إلا في المصلحة المشتركة، وأن نستخدم الأجهزة الدولية لتطوير التقدم الاقتصادي والاجتماعي لجميع الشعوب».

من خلاصة ما سبق يتضح لنا ما يأتي:

1. إن الحكومات التي اجتمع ممثلوها لصياغة ميثاق الأمم المتحدة من رحم معاناة الشعوب في حربين عالميتين ألحقت بالإنسانية مآسي يعجز عنها الوصف، ودمار ومعاناة، قررت تلك الحكومات العمل في ضوء مبادئ جديدة اتفقت عليها وتوصلت إليها نتيجة تلك المعاناة الكبيرة.

2. إن المبادئ الرئيسة في هذا الصدد هي الإيمان بحقوق الإنسان، وكرامة وقيمة الفرد، وفي مبدأ المساواة بين الرجال والنساء، وبين الأمم كبيرها وصغيرها.

3. إن الهدف الأول للأمم المتحدة - وهي المنظمة الجديدة التي تم إنشاؤها في أتون الحرب العالمية الثانية - وهو العمل من أجل تهيئة الظروف لإقامة العدالة، واحترام الالتزامات الناتجة عن المعاهدات الدولية وغيرها من مصادر القانون الدولي.

4. إن ركائز العمل لتحقيق ما سبق هو ممارسة التسامح، العيش المشترك بين الشعوب في حسن الجوار، توحيد الجهود للحفاظ على السلام والأمن، عدم استخدام القوة المسلحة إلا في المصلحة المشتركة، الاستفادة من الآليات الدولية الجديدة في تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي لجميع الشعوب.

5. أما الهدف الثاني فهو تحقيق التقدم الاجتماعي وتحقيق مستوى أفضل للمعيشة، وتحقيق متسع من مناخ الحرية.

وإن القراءة المتمعنة لهذه الأهداف النبيلة والغايات العظيمة توضح أن محور عمل المنظمة الدولية، والشعوب قاطبة هو «الإنسان الفرد، والإنسان كأمة وكشعب وكدول»، أي أن ثمة تسلسلية هرمية غير معلنة صراحة، وإنما واردة ضمناً في نصوص الميثاق بأن الحقوق والكرامة للإنسان الفرد تأتي في المقدمة، وهذا الإنسان الفرد هو الذي يشكل الشعب أو الأمة، والتي بدورها تقودنا إلى قيام الدولة التي تحتكر القوة، ولكن ينبغي عدم استخدامها إلا في المصلحة المشتركة. وتشير نصوص أخرى للميثاق بالتفصيل لهذه المبادئ والأهداف والغايات وكيفية تحقيقها، ولكن يهمنا إبراز تطور الفكر البشري في هذا المجال، والذي أبدع الأفكار والمبادئ، وأرساها في شكل تقاليد وأعراف، ثم طورها في شكل اتفاقات ومعاهدات، والهدف من ذلك كله بلورة أسلوب ومنهج تعامل الدول مع بعضها البعض ومع شعوبها ومواطنيها.

ولكن هذه المبادئ السامية التي أطلق عليها حقوق الإنسان احتاجت لمزيد من التفاصيل والتطوير، فأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1948م، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهو إعلان جاء نتيجة لجنة صياغة ضمت خبراء وعلماء من العديد من الحضارات والدول، وكان الدكتور محمود عزمي الخبير المصري الذي شارك في تلك اللجنة قد عبر عن الحضارة العربية، وذلك لأن مصر كانت من أوائل الدول العربية استقلالاً، ومن أقدمها حضارة، ومن السابقين في المشاركة في بلورة مبادئ القانون الدولي. وكان من أوائل القضاة في محكمة العدل الدولية التي أنشئت بعد قيام الأمم المتحدة القاضي المصري عبدالحميد بدوي. وهكذا كان لمصر فضل السبق في المساهمة في القانون الدولي لحقوق الإنسان وفي المساهمة في القضاء الدولي وأيضاً في القانون الدولي الإنساني.

وتطورت المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان عبر السنين وظهر العهدان الدوليان المشهوران وهما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وشكلا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ما أصبح يعرف بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان وهي الشرعة التي أصبح يطلق على مواثيقها الجيل الأول لحقوق الإنسان. ثم تتالت الأجيال بعد ذلك بمواثيق أكثر تفصيلاً تناولت جوانب عدة من حقوق الإنسان.

وأدى تطور المواثيق إلى ظهور ثلاث مشكلات مهمة:

الأولى: كيفية ضمان التزام الدول بالمواثيق التي تنضم إليها.

الثانية: كيفية تنفيذ الدول لالتزاماتها.

الثالثة: كيفية معالجة المفارقة التي أصبح يطلق عليها في مرحلة لاحقة بالمعايير المزدوجة في تعامل الدول مع بعضها بعضاً ومع شعوبها.

ومن هنا برزت توجهات ثلاثة:

أولها: الدعوة لإقامة نظام عالمي جديد سياسي واقتصادي وثقافي وإعلامي لكي يتم استيعاب القوى الدولية الجديدة التي تمخض عنها انهيار الإمبراطوريات الكبرى، والتي أطلق عليها عملية تصفية الاستعمار البريطاني والفرنسي والإسباني والبرتغالي والهولندي، والتي أدت لنشأة مجموعة الدول النامية، التي شكلت حركة عدم الانحياز ومجموعة الـ 77، وطالبت هذه المجموعة بإقامة نظام ديمقراطي دولي لتأكيد مبادئ العدالة والمساواة بين الشعوب، ولتحقيق الاستفادة المشتركة من تقدم الإنسانية ومخترعاتها من أجل البشرية جمعاء. ولكن معظم تلك الدول نسيت أو تناست الجانب الآخر من المعادلة، وهو تحقيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان داخل بلادها قبل أن تستطيع مطالبة المجتمع الدولي بتحقيقها في مجال العلاقات الدولية.

ثانيها: الدعوة الموازية للتوجه الأول بضرورة إقامة الدول النامية للديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان في دولها وبين شعوبها باعتبارها الأولوية الأولى لأية حكومة، وروجت لهذه الدعوة أو التوجه الدول المتقدمة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وبخاصة في أوروبا وأميركا، والسعي لوضع آليات مراقبة دولية للتأكد من مدى تحقيق الدول النامية لذلك.

ثالثها: الدعوة الأعمق حول كيفية تجسير الهوة الفكرية والعملية بين توجه الدول النامية وتوجه الدول المتقدمة، وبرزت في هذا الصدد عدة مبادئ نسوق أبرزها وهو إقامة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وإن هذه الديمقراطية لابد أن تعتمد على إجراء انتخابات حرة نزيهة وشفافة ودورية، وأن يتم تناوب السلطة وفقاً لذلك. أما بالنسبة لحقوق الإنسان فركزت الدول المتقدمة على الحقوق المدنية والسياسية، في حين ركزت الدول النامية على الحقوق الجماعية للشعوب، وفي مقدمتها حق تقرير المصير وحق اختيار النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يلائم كل دولة، كما ركزت على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واستمر الخلاف بين الطرفين في معظم مرحلة الحرب الباردة والاستقطاب الدولي. وبعد انتهاء هذه المرحلة وبروز قوة واحدة عظمى مهيمنة، تزايد الاهتمام بمفهوم الحقوق المدنية والسياسية بشقيها الديمقراطي والحقوقي، وزادت الضغوط من أجل ذلك وخاصة أن دول الكتلة الاشتراكية السابقة تبنت المفهوم الغربي أو مفهوم الدول المتقدمة أو بالأحرى سعت لاحترام وتطبيق التزاماتها وفقاً للمواثيق الدولية التي كانت هي ذاتها في مقدمة المتبنين لها، ولكن مرحلة تطبيقها ومنهج التطبيق وتفسير مدلولاتها اختلف عن نظيراتها في الدول الغربية.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3085 - الثلثاء 15 فبراير 2011م الموافق 12 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً