العدد 3096 - السبت 26 فبراير 2011م الموافق 23 ربيع الاول 1432هـ

مـا العمـل؟ (2 – 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

على المستوى البحريني، كل من سيحاول أن يقرأ تجربة الأحزاب الروسية، كي تستفيد منها المعارضة البحرينية في نضالها الذي تخوضه اليوم، دون إسقاطات ذاتية، وبعيداً عن أي استنساخ عشوائي، يجرد تلك التجربة من روحها الإبداعية، سيكتشف أن الأوضاع السياسية القائمة في البحرين اليوم، وفي القلب منها المعارضة بكل أطيافها السياسية، بحاجة إلى كثير من الحلول والأدوات المشابهة التي من بين أهمها:

1. مسارعة المعارضة البحرينية إلى التوصل إلى تشخيص صحيح، مبني على قراءة علمية سليمة، مستقاة من معلومات موثوقة، تم جمعها بشكل دقيق، للواقع السياسي القائم، غير المسلوخ من واقعه الإقليمي، ولا المجتزأ من محيطه العربي، ودون إهمال تأثيرات الأوضاع الدولية وانعكاساتها على مسار أحداثه. مثل هذا التحليل الناضج، سوف يساعد الأطراف كافة على التوصل إلى اتفاق حول التغييرات السياسية المطلوب تحقيقها، والبرامج الوطنية التي ينبغي إنجازها. فوراء غياب الرؤية السياسية الصحيحة، يكمن وحش الوقوع في دفع المعارضة من أجل رفع سقف المطالب الوطنية إلى مستوى غير قابل للتحقيق من جانب، وعلى قدم المساواة، يمكن أن يشجع السلطة على رفض القبول بأي شكل من أشكال التغييرات، مهما كانت طفيفة، من جانب أخر. وحده التحليل السياسي الصائب، هو القادر على إنجاح الحوار الذي يمكن أن ينضوي تحت مظلته القوى كافة من أجل انتشال البحرين من أزمتها الحالية.

نقطة جوهرية ينبغي الإنتباه لها هنا، وهي ضرورة تحاشي الاسقاطات الذاتية التي تفقد التحليل السياسي موضوعيته، وتبعد طرفي الصراع عن طاولة الحوار. نحن اليوم في أمس الحاجة إلى وثيقة سياسية متفق عليها تمارس دور المرجعية التي يستند إلى ما جاء فيها عند بروز أي خلاف في وجهات النظر.

2. ضرورة انبثاق تنظيم وطني شامل تنضوي تحت عباءته الطائفتان السنية والشيعية، دونما اي تمييز، وتنتمي إليه مختلف قوى المعارضة القائمة اليوم. لسنا بحاجة هنا إلى الاستعانة بالتجربة الروسية، ولا أفكار لينين، فبين يدينا في البحرين تجربتنا الوطنية الذاتية الغنية والناجحة، وهي «هيئة الاتحاد الوطني»، التي قادت الشعب البحريني في منتصف الخمسينيات، ونجحت في انتزاع شرعيتها الوطنية من خلال التفاف الطائفتين حولها، والقبول الطوعي بقيادتها، بعيداً عن أية تشنجات مذهبية، أو أي شكل من أشكال الاصطفاف الفئوي. من يقرأ بتمعن تجربة «هيئة الاتحاد الوطني» يكتشف أن سر قوتها، إنما يكمن في تمسكها، على المستوى الداخلي، بمحاربة أي شكل من أشكال التخندق الطائفي، مما اضطر الإدارة البريطانية بقيادة المستشار تشارلس بلغريف، مرغمة، ونزولاً عند مطالبات شعب البحرين، إلى القبول بالهيئة ممثلا لذلك الشعب، والجلوس إلى طاولة المفاوضات معها، من اجل التوصل إلى برنامج عمل يؤهل البحرين للتحول نحو مجتمع مدني متحضر، البعيد عن الانشطارات الطائفية، والملتف حول قيم ومفاهيم المواطنة الصالحة. ما تحتاج إليه الأوضاع السياسية المتفجرة في البحرين اليوم، هو تنظيم سياسي وطني شبيه بهيئة الاتحاد الوطني من حيث هويتها الوطنية، مع مراعاة التطورات التي شهدتها البحرين على امتداد النصف قرن الذي انقضى على الضربة التي تلقتها «الهيئة». مثل هذه الهيئة التي تتطلبها قوانين الصراع القائمة ستجتث، من الجذور، كل أشكال التنظيمات الطائفية، وليس الوطنية بطبيعة الحال، التي أنتشرت خلال السنوات العشر الأخيرة، وستقضى على طحالب الطائفية السياسية الضارة التي تكونت في رحاب هوامش الحرية التي سمح بها المشروع الإصلاحي، فحاولت بث سمومها الطائفية في جسم الحراك السياسي الذي نشهده اليوم.

3. حاجة المعارضة إلى تفعيل دور منظمات المجتمع الوطني ذات الكفاءة المهنية العالية، والتي من الطبيعي أن تشكل السياج الذي يمد المعارضة بما تحتاجه من كوادرها البشرية الفعالة أولاً، ويحميها من هجمات القوى المعادية لبناء مجتمع مدني ديمقراطي من جهة ثانية. وليس هنا مجال الخوض في الدور الرئيس الذي يمكن أن تمارسه هذه المنظمات في التأسيس لمجتمع مدني تسيره قوانين حضارية تأخذ بيده نحو بناء مملكة دستورية معاصرة، فقد باتت مثل هذه الدعوات في حكم المسلمات.

4. إطلاق المعارضة الوطنية وسيلتها الإعلامية الخاصة بها والقادرة على مد جسور الاتصال والتواصل بين المنتسبين للهيئة الوطنية في حال تأسيسها أولا، وإيصال أفكار الهيئة وبرامجها السياسية للمواطن العادي ثانياً، وإسماع صوتها للسلطة التنفيذية بشكل مباشر، ودون أية تشويهات ثالثا. بطبيعة الحال يختلف وضع وطرق تشغيل، وسبل الاستفادة من، وسائل الاتصال اليوم، عما كانت عليه الحال أيام لينين، عندما طالب بضرورة إصدار جريدة للحزب، وكذلك الأمر بالنسبة لما كانت عليه تلك الوسائل أيام «هيئة الاتحاد الوطني». نحن نعيش اليوم في مرحلة انفجار ثورة تقنية الاتصالات والمعلومات التي وضعت بتصرف الإنسان وسائل وقنوات اتصال مختلفة نوعياً عن تلك التي عهدناها في القرن الماضي، ومن الطبيعي أن يتوخى المواطن العادي من المعارضة السياسية اليوم أن تكون بين يديها قناة اتصال وتواصل، وبالكفاءة المطلوبة لتحقيق الاتصال والتواصل بينها وبين من تخاطبهم، سواء على الصعيد التنظيمي الداخلي، أو على المستوى الجماهيري الخارجي. وستفقد مثل هذه الوسيلة الإعلامية دورها وجدواها ما لم تدرس بعناية ومهنية ما تتيحه لها ثورة الاتصالات والمعلومات من إمكانات تساعدها على تحقيق ذلك التواصل.

بهذا نصل إلى الاجتهاد المطلوب للإجابة على السؤال الاستراتيجي الذي طرحه لينين على حزبه: ما العمل؟: المهمات الملحة لحركتنا، من خلال مناشدتنا للمعارضة البحرينية أن تبادر، وبأسرع ما في وسعها كي تخرج بوثيقة متكاملة للعمل الوطني تقطع من خلالها دابر تلك الاجتهادات المقرضة التي تحاول أن تشوه صورة المعارضة، وترسم، المعارضة، بواسطتها ملامح الطريق الجديدة الآمنة التي تقود عليها شعب البحرين نحو أهدافه المشروعة في التأسيس لبناء مجتمع وطني ديمقراطي، تتعايش تحت سقفه مختلف الملل، وتتفاعل بموجب قوانينه وأنظمته الطوائف كافة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3096 - السبت 26 فبراير 2011م الموافق 23 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • مواطن مستضعف | 2:45 ص

      العمل عمل ربنا .. بعد أن عملنا اللي علينا

      مع شديد الأسف يا أستاذي الفاضل فإنّ صوتك الوطني الصادق لا يصل لمسامع من يجب أن يسمعوه و يعوه –ربما لأنهم لا يرغبون بسماعه- و تلك لعمري هي كارثة على مستوى القبول بالآخر و بترسيخ التعددية الفكرية و التبادل الثقافي و المعرفي.
      مع خالص المودة

    • زائر 1 | 12:48 ص

      تيار وطني غير طائفي

      هل هو حلم ؟ في رايي سيدي الفاضل ان تجارب من سيقنا لاتدع لنا بصيص تفاؤل ؟ فانظر الى لبنان و تياراته السياسية و مناخه السياسي فلا نرى هناك تيار واحد به اكثر من طائفة ! بالعكس نرى للطائفة الواحدة اكثر من تيار مثلا الكتائب و القوات و عون و المردة كلها طوائف مسيحية ! و امل و حزب الله طوائف ملسمة شيعية !! فكيف لنا و بضيق الافق الساسية هنا ان نطمح في تجمع وطني ديمقراطي واسع !!! لعلنا نحلم او نتمى !لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه!!!!!!

اقرأ ايضاً