العدد 3101 - الخميس 03 مارس 2011م الموافق 28 ربيع الاول 1432هـ

مرحباً بتجار البحرين في الميدان السياسي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في «بيت التجار»، تحلّق رجال الأعمال البحرينيون حول قيادتهم. أسماء مرموقة في المجتمع التجاري البحريني، ومن عائلات تجارية عميقة، حرصت على تلبية نداء مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين، وشاركت في اللقاء الذي دعت إليه الغرفة من أجل استقراء رأي القطاع التجاري في الأزمة المحدقة بالبحرين، والتي تكاد أن تقودها نحو التهلكة. كان هَمُّ الجميع واحداً وهو شحذ الهمم من أجل المساهمة في الجهود التي يبذلها أهل الخير لصالح هذا البلد واستقرار أوضاعه وتقدمه.

وقبل الخوض فيما دار من نقاشات، وما تم التداول فيه من أمور، لابد من الإشادة بقدرة رئيس مجلس إدارة الغرفة عصام فخرو على إدارة الاجتماع بمهارة فائقة أتاحت للجميع أن يفصحوا عما يعتمل داخل نفوسهم من حنق مصدره تردي أوضاعهم الذاتية، أو عدم رضاهم عن الواقع السياسي المحيط بهم، والذي يعيشون مشكلاته.

أهم عنصر يميز هذا اللقاء عن سواه من اللقاءات الأخرى التي عقدتها الغرفة، هو عدم حصر تجار البحرين أنفسهم، كما عودونا، في الهم التجاري المحض، أو الاقتصادي الصرف، فقد استهل عصام فخرو الاجتماع بكلمة مقتضبة حاول أن يلخص فيها الأوضاع السياسية وانعكاساتها على الواقع الاقتصادي، خالصاً إلى دعوة الجميع بالتهيؤ من أجل إعداد التجار لدور سياسي مهم ومؤثر يساهم بشكل جدّي في الوصول إلى صيغة سياسية يتفق عليها الجميع، وتوصل البحرين المثخنة بالجراح إلى بر الأمان.

تنبع أهمية دور الغرفة السياسي، في هذه المرحلة، من العوامل الآتية:

1. أنها أعرق المؤسسات البحرينية في ممارسة الديقراطية، فانتخابات مجلس الغرفة يزيد عمرها على النصف قرن. لقد مارس التجار حق انتخاب مجلسهم الإداري منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، عندما كانت منظمات المجتمع البحريني جنينية.

لقد سبق التشكل الديمقراطي لهياكل الغرفة، وبشكل ديمقراطي، مؤسسات الدولة وإداراتها، ومن هنا، فهي أكثر مدنية من الدولة عندما تقاس المدنية بدرجة ديمقراطيتها. الأهم من ذلك كله، هو تمسك الغرفة بهويتها البحرينية البعيدة عن أمراض الطائفية وأوبئتها.

2. ضلوع التجار، في مراحل مبكرة أيضاً، في ممارسة العمل السياسي، يمكننا أن نستعيد هنا ثورة 1938، والتي قادها أبناء المجتمع التجاري، من أمثال أحمد الشيراوي، وعلي بن خليفة وآخرون، ثم هناك تجربة هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينيات، عندما انخرط شعب البحرين، بفئاته الاجتماعية كافة، متجاوزاً أسوار الطائفية البغيضة، وكاسراً لقيودها، في تنظيم سياسي واحد، قاد شعب البحرين حينها من أجل مطالب امتزج فيها الوطني بالديمقراطي، وكان من أهم مكاسبها خروج المستشار تشارلز بلغريف مطروداً من البحرين.

3. حصة التجار الكبيرة في الاقتصاد الوطني، الذي ينبغي أن يقابلها مثيلها في الميزان السياسي، فإذا آمنا بأن الاقتصاد هو الذي يُسيّر السياسة، فليس هناك أفضل من تجار البحرين كي يمارسوا دورهم السياسي المطلوب في إخراج البلاد من محنتها. وإذا ما عدنا إلى الاقتصاد أيضاً، فليس هناك من هو أكثر تضرراً من التجار، جراء الأزمة الحالية.

ليس المطلوب الانطلاق في حل هذه الأزمة من منطلقات سوقية (من سوق) محضة، فالمواقف الوطنية لا تقاس بموازين الأرباح والخسائر المالية، بقدر ما تقدر بالتضحيات التي يقدمها المواطنون بمن فيهم التجار.

بعدها نعود إلى تثمين تلك النقاشات، إذا تجاوزنا بعض المداخلات المنفعلة التي، كانت حصتها طفيفة، وتأثيراتها سطحية، فمما لاشك فيه أن الحوار كان غنياً، وفي صلب الحدث، حيث تمحورت النقاشات حول المسألة المركزية، والتي هي تحديد موقف الغرفة من دعوة سمو ولي العهد جميع مؤسسات المجتمع المدني لحوار وطني شامل، يخرج بحلول جذرية تضع البحرين على طريق «المملكة الدستورية» الصحيح التي يبحث عنها الجميع.

ركزت الكثير من المداخلات على ضرورة الاهتمام بالمسائل الدستورية الكبرى، تحاشياً للغرق في القضايا التفصيلية الصغرى التي يجب أن تتولى معالجتها المؤسسات التي ستنبثق عن دستور متطور، ونظام سياسي متمدن، وقوانين وأنظمة معاصرة.

ولعل في ورقة نائب رئيس الغرفة إبراهيم زينل الكثير مما ينبغي التوقف عنده وقراءته بشكل صحيح وموضوعي. لقد دعت مداخلة زينل تجار البحرين إلى «سرعة الجلوس على مائدة الحوار، على أن يكون جميع أطياف المجتمع ممثلة في هذا الحوار، وألا يكون هناك اشتراطات مسبقة للحوار، على أن يتم الالتزام بالشرعية الدستورية». ثم نادت الورقة بضرورة «إعطاء الصلاحيات اللازمة لديوان الرقابة المالية والإدارية كجهة رقابية مستقلة لتحريك دعاوى قانونية ضد كل من تثبت مخالفته للأنظمة، والعمل على وقف جميع أنواع الفساد المالي والإداري وإهدار المال العام». ثم نادى زينل بأهمية اتخاذ «خطوات محددة لإزالة جميع مظاهر التمييز العرقي والفئوي والعائلي، وضمان أن توكل المهمات في الدولة إلى ذوي الكفاءات العلمية دون الالتفات إلى انتماءاتهم العرقية والعائلية، وتحديد فترة عمل الوزير بما لا يتجاوز 8 سنوات».

يعتبر هذا اللقاء علامة فارقة في تاريخ الغرفة، وسوف يسجل التاريخ كون هذا اللقاء تحولاً نوعياً إيجابياً في ممارسة الغرفة لدورها الوطني، وخاصة أمام المنعطفات الحادة التي تحدد عندها مسارات الأوطان.

لقد وضعت الغرفة بهذا اللقاء حداً لكل التكهنات حول الموقف الذي ستتخذه الغرفة من الأحداث الجارية، وأجبرت، من حاول الطعن في وطنية التجار، وفي المقدمة منهم «غرفتهم» على الاعتراف بأن الغرفة لا تفرط في دورها الوطني.

وكل ما يريد المواطنون، وعلى وجه الخصوص رجال الأعمال منهم، قوله هنا هو ترحيبهم بهذه الخطوة الجريئة التي ستكون آثارها الإيجابية كبيرة على موازين القوى السياسية في الساحة، وستترك بصماتها البناءة واضحة على من يريد أن يكتب تاريخ البحرين المعاصر.

فمرحباً بتجار البحرين إلى حلبة العمل السياسي، وليس هناك من يشك في إضافتهم الوطنية في أي مشروع يطرح على بساط البحث، ويوضع على طاولة الحوار.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3101 - الخميس 03 مارس 2011م الموافق 28 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً