العدد 3104 - الأحد 06 مارس 2011م الموافق 01 ربيع الثاني 1432هـ

كلمة أم حسن تكفي للبحرينيين

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما لَفَتَنِي في تجمُّع الوحدة الوطنية في مركز أحمد الفاتح الإسلامي في يوم الأربعاء الماضي (2 مارس/ آذار 2011) دون أيّ شيء آخر هو خطاب الحاجَّة أم حسن. وَقَفَتْ تلك المرأة التي قادتها فطرتها الطيِّبَة وسَجِيَّتها لكي تقول كلمة واحدة «كلنا سنة وشيعة هذا البلد ما نبيعه».

مَنْ يُصدِّق أن تتحوّل هذه الكلمات البسيطة النقيّة والتي لم تخرُج لا من مُنظِّر فكري ولا من سياسي حصِيف ولا من عالِم دين يعتمر عمامة إلى طوق نجاة للبحرينيين في هذه الفترة الحسّاسة من تاريخ البحرين.

هذا الأمر يُظهِرُ لنا أمراً واحداً وهو أن الناس (من جميع المِلَل والنِّحَل والأطياف) تُحرّكهم فطرتهم إذا ما تُرِكُوا دون تسييس أو شحن أو توجيه خاطئ.

هذه هي الحقيقة اليوم. آحادُ الناس هم صمَّام الأمان وليس الكيانات فضلاً عن عَرَّابِي الشحن الطائفي. والمسئولية في هذا الأوان هي مسئولية فرديّة كما ذكرتُ سابقاً. فهذه الآحاد تعيش المشتركات أكثر مما تعيش جَوّ الخلاف والخصام، وهو ما يجعلها قادرة على صناعة أجواء عامة نظيفة وهادئة لا تتَّسِخ بالتفاصيل السلبية المقلقة التي ينزلق فيها الإنسان لِحَد الغرق ثم الموت بلا هدف ولا قضية وكأنه انتحار.

مشتركات الوطن ليست قليلة، بل هي الغالِبَة. أكبر المشتركات بيننا هي الأرض. كلّ البحرينيين يَطَأونَ أرضاً واحدة اسمها البحرين، لا تباعدهم عن بعضهم البعض سوى أمتار الضرورة فقط من هندسة وتوزيع إحصائي ومساكن. بل إن من حَسَنَات البحرين هي أنها أرض مُنبَسِطة لا تُسوّرها الجبال ولا الوديان ولا السهوب ولا الأدغال، وهو ما يُعطي الناس فرصة المكاشفة البصرية ويمنع عنهم أي فرصة للاختباء والتواري والعيش في الكانتونات المغلقة.

عندما يسألني أحد وأنا في سفر: من أين أنت؟ أجيبه بتلقائية وبداهة: أنني من البحرين. هذا الاسم هو الجامع الأسمى الذي نلتَحِف به عنواناً وموضوعاً ومصداقاً. ليس فقط على مستوى التعريف وإنما على مستويات عِدّة قانونية وسياسية واقتصادية. فالهويّة والانتساب إلى الأرض لا يترك لك مجالاً سوى أنك مواطن بحريني تعيش المشتركات المقدسة مع الأغيار، ويُنسيك أيّ تفصيل جغرافي آخر ما دمت عليها.

مِنْ مشتركات الوطن أيها البحرينيون والتي توارثناها بالسَّليقة والعَفويّة (وهي نعمة ما بعدها نعمة) هي أننا نتخالط ونتزاور حتى في حاجاتنا اليومية والاستهلاكية.

كثير من البحرينيين لا يجدون ضالَّتَهم من أكلهم وملبسهم ومشربهم في محيط سكناهم، فتجد أهل المحرق يجُولون مُتبضِّعين في أسواق سترة ومنطقة السِّيف، وترى أهل قرى شارع البديِّع بمختلف مُسمّياتها يقصدون أسواق الرفاع، لا غضاضة لهم في أن يفعلوا ذلك مُطلقاً.

ليس غريباً أنه وحتى أسماء المحلات التجارية والأسواق من مواد غذائية ومطاعم وملابس ومقاهٍ تراها متناثرة على هذه الأرض دون قصْد أو فرز. فترى الجميع يزور الجميع وكأنه في تماهٍ وتجاور نفسي دائم. حدَّثني أحدهم وهو من أهل السنابس بأنه يأنس كثيراً عندما يزور المحرّق، فهو يشمّ في ناسها وشوارعها وأزقّتها رائحة البحرين الأصيلة. ثم يحدّثني آخر من منطقة قلالي بأنه دائِم الوصل مع جيرانه في سماهيج منذ سنين عديدة، يُجالسهم في مهاجِعِهم وفي مأكلهم ومشربهم، ولا يقطع وصلاً بهم في أيّ حال كان، لا يعبأ أبداً لا بظروف السياسة السلبية ولا بهَبَّاتها، لا بِصُلحها ولا بخصامها، لأنه وباختصار خارج تغطيتها بالمرَّة.

قبل ثلاث ليالٍ كنتُ بمعيّة أسرتي في أحد شوارع مدينة عيسى للتبضّع. مَرَّ علينا طفلان يتفاكهان ويلعبان، وكان عُمر الواحد منهما لا يتجاوز التاسعة في أقصى التقديرات. الأول كان يَلهَج بلسان قروي قح ، والآخر بلسان مُحرّقي صرف، تمعَّنت فيهما مُتفكراً لأخلص إلى أن هؤلاء هم أفضل من الكبار الذين اتسخت ألسنتهم وذقونهم وعمائمهم بفجور الطائفية. ولم يكتفوا بذلك فقط، وإنما صَدَّروها إلى أجيال تَلِيهم عمراً، فهم بذلك يحملون وِزْرَيْن، وِزْرٌ فردي بأعمالهم السالبة تلك، وَوِزْر توطينهم لتلك الثقافة المُهلِكَة لدى الآخرين.

كلّ شيء في السياسة يُمكن حلّه، سواء بالتفاوض أو بالوساطات، إلاّ أن الخلافات الطائفية هي غير ذلك، فهي عبارة عن أرض جرداء مُقفِرَة، لا كلأ فيها ولا ماء، وبالتالي فلا حياة ناشئة بداخلها. أقصى ما يجد المرء فيها هو تقابله للقتال مع أخيه بُغية صَرْعِه والقضاء عليه، ثم يأتيه آخر من الخلف ليقضي على مَنْ قَتَل الأول ثأراً وهكذا دواليك.

هذه هي الطائفية، فَمَن بَشَّر بها لَقِيَ ما فيها من شرّ قبل غيره، ومَنْ اتقاها أمِنَ شرّها. ولِيعلَم الجميع أن أغلب الهزائم التي مُنِيَت بها الشعوب والأمم والدول في السابق واللاحق كانت بسبب اقتتال الأهل مع بعضهم البعض، وحسبنا في ذلك أوروبا وآسيا واللاتِيْن وجوارها.

لا نريد أن نكون نحن دروساً للآخرين ولا عِظَة لهم، ولا صورة يُتأسَّى عليها في المستقبل أو يُنْدَبُ حظّها «أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا»، لأن ما هو موجود بين أيدينا من تاريخ يكفي لأن نقول توقفوا.

فاللحظة التي نحن بصددها تُحتِّم على الجميع ليس فقط نبذ الخطاب الطائفي تصريحاً كان أم تلميحاً، لأن التصريح هو فتح لباب اليقين بقداسة المعركة وهي عار، والتلميح هو فتحٌ لباب الشُّكوك المفضية إلى ما هو أبعد من اليقين بالعار، إنه الاجتهاد بدون البصيرة من أن الجميع هم خصوم الجميع، فيجوز للجميع استعداء الجميع.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3104 - الأحد 06 مارس 2011م الموافق 01 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 3:06 م

      رجاء للكاتب

      الرجاء من الكاتب أن يبين مسببات الطائفية في المجتمع .
      لكي نعرف من هو المسبب الرئيسي للطائفية ان كانت هناك طائفية !!؟
      بدل السب والعن في الطائفية , فالكل يلعنها ويمقتها .

    • زائر 12 | 8:31 ص

      ......,

      لاسنيه ولاشيعيه وحده وحده وطنيه انا شيعيه واغلب اصدقائي سنه تعلموا وتربوا وعملوا معي في مكان واحد الله يسلمهم ويسلمني ويسلم بلدي الغالي البحرين وهم من المحرق الحاله ومن مدينة عيسى

    • زائر 11 | 8:27 ص

      سؤال

      ما هو الموضوع ؟

    • زائر 10 | 7:30 ص

      أم حسن في تلفزيون البحرين

      صرحت جزاها الله خير انها توجهت لمديرة المدرسة لتكون متطوعة في التدريس رغم انها لاتملك إلا الشهادة الابتدائية فقبلت المديرة ! واستلمت الصف ودرستهم مواطنة ودين حسب ما ذكرت ..

    • زائر 0 | 7:19 ص

      شكرًا

      شكرًا على المقال الرائع
      بنت الرفاع المتابعة لك دائماً

    • زائر 8 | 3:19 ص

      الطائفية

      صح لسان والله حرام يصير بلبحرين هلون حرام،،صح والف صح لما يسألونك انت من اي بلد بتجاوب بطلاقة من البحرين (Bahrain) وما بتذكر من اي مذهب انت يا اهل البحرين الكرام..

    • زائر 1 | 11:32 م

      نوال عطية

      ليس المهم ان ينطق بها اللسان !!! نريد شعارات تطبق على ارض الواقع وليس التسلق على اكتاف المواطن

    • زائر 1 | 10:10 م

      ا والف لا

      قصدي اقول لا والف لا فظ فوك
      سلمت ويسلم القلم
      وام حسن على راسي. ما غلطت ونادت بالوحده.
      ودي ومنى عيني تتوحد البحرين تحت راية ملكيه دستوريه يحترم فيها الانسان بجميع طوائفه وملله وعشائره واعني الكل طبعا . قولو يارب. وبعد قولو آمين.
      ابو محمود

اقرأ ايضاً