العدد 3111 - الأحد 13 مارس 2011م الموافق 08 ربيع الثاني 1432هـ

ليلةٌ قضيتها في المحرق

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أتخيَّل نفسي هذه الأيام أنني في معركة. لن أتحدَّث عن المعركة السياسية الآن، وإنما حديثي هو عن المعركة الاجتماعية التي أرادَ البعض أن يُؤجِّجها عُنوَة وقهْراً ورُغماً عن أنف جميع البحرينيين ليقول لهم إنكم ليسوا بحرينيين بل أنتم شيعة وأنّ أولئك سُنّة وبين الفريقين تقبع كلمة الأغيار بينكم. أُدرِك أن المعركة جِدّ شَرِسَة ودامِيَة ومُزدوجة الرؤوس والأذرع لكنني (وكلّ البحرينيين كما أعتقد) أشرس منها وأقوى من خصومنا فيها من اللارجال الذين لا يطمعون إلاّ في أنها تستمر تلك المعركة وتتدحرج من أعلى الجبل لتتبدّل المعادلة من سياسية إلى طائفية.

عندما سَمِعت في الأخبار وقرأت بيان وزارة الداخلية عن تعدِّي بعض الأفراد على عدد من المحلات التجارية في محافظة المحرق وسند والرَّفاع قبل ثلاث ليال قَرَّرتُ أن أفقأ عين الفتنة بنفسي معتمداً على قدراتي المحدودة. في الليلة التالية جِلْتُ في شوارع المحرق التي آنس عادة بهوائها وناسها وأزقَّتها وأسواقها وحدائقها وسواحلها. انتهيت من عُنُق الجسر عند الساعة الثامنة والنصف مساءً ولم ألامِسْه راجعاً إلاّ عند الساعة الحادية عشرة والنصف.

قضَيتُ وقتي مُتبضِّعاً في السوق القديم، ثم عرَّجتُ على سلسلة من المطاعم حيث أعددت لأسرتي موزاييكاً من الأكل الإيطالي واللبناني والهندي، ثم ذهبنا إلى حيث الممشى المركون على ساحل البحر حيث تنشَّقنا هواءً عليلاً وترَيَّضَنا قاعه مَشياً على الأقدام ذهاباً وإيابا. تذكَّرت مقولة الكاتب والمؤرّخ الأسكتلندي توماس كارليل عندما قال «مملكتي ليست ما أملكه، بل ما أفعله» وهاأناذا أفعل ذلك كي أملك بحرينيتي واستقلالي وهويتّي وانتمائي مع المجموع.

كُلُّ ما حَصَل من تعدٍّ «فردي» هو نِتاج أزمة تعتمل مفاعيلها اليوم بين صدورنا وحولنا. والأزمة ستنتهي ولن تدوم. لأن الأصل هو الاستقرار وليس عدمه. لذا فلن أظلّ حبيسَ وقائع فرديّة يَلُوكها أفراد لا ينتمون إلاّ إلى ذواتهم وحَسْب. فلا هُم يُمثِّلون عائلة ولا حَيَّاً ولا دائرة ولا شارعاً ولا محافظة بعينها فضلاً عن طوائفهم. كما أنني لن أختصِرَ تاريخي مع مَنْ صاهرته وجاورته (وكذلك تاريخ أجدادي) في عشرين يوماً لا تساوي نهاية سَطرٍ في بحر التاريخ.

نعم... أقرأ ذلك التاريخ وأفهمه جيداً. ففي العام 1928 قام أهالي المحرّق بمظاهرات عارمة ضد تدخل المعتمد البريطاني في شئون إحدى مدارسهم. ثم قام الغاصَة من القرى في العام 1932 وحتى العام 1935 بمظاهرات صاخبة ضد تحديد قروض الغوص بـ 200 روبيّة كحد أعلى والمطالبة بتحسين المحاكم. ثم اشترك الفريقان (المحرق/ القرى - الشِّيعَة/ السُّنّة) في مظاهرات العام 1938 حتى منتصف الخمسينيات عندما صَهَرَهُم الانتماء الواحد بسبب الموجة العُروبيّة التي اجتاحت المنطقة بأسرها خلال تلك الفترة وظهور النوادي الثقافية.

وإذا كان البعض يقول بأن التماهي السُّنِّي الشِّيعي في تلك الفترة كان سببه بروز طبقة انتلجنسيا متعلِّمة ونابِهَة بين أوساط البحرينيين (بلا طوائف) تخرَّجت من القاهرة وبيروت واحتكَّت بالتيارات العروبية في الخارج، وأسَّست نوادي البناء الذاتي مُتجاوزة بذلك رؤوس المجتمع من عِلية القوم وأصحاب الذوات والنفوذ التقليدي فإن حاضرنا اليوم هو أولَى من أن يكون ذلك التماهي والانصهار حاضراً وبدرجات أشدّ وأكثر تماسكاً بسبب وُفرة التعليم وقوة وسائل الاتصال، والأهم من ذلك الحرص على عدم تداخل الشأن الطائفي بالسياسي.

وبناءً على هذه المفردة أقول، بأن موضوع الاعتماد على القدرات الفردية والشبابية مع قليل من التنسيق وبدون الاعتماد حتى على الإطار التقليدي للمجتمع البحريني من وجهاء وأعيان سيكون أجدى وأنفع، وخصوصاً أن المعالجات للإشكال الطائفي لا تستدعي اجتماعات تستغرق في البروتوكول والرَّسميات، وانتظار الأطراف لبعضها مَنْ يُبادئ الآخر بالسلام، حتى يضيع الجميع ويظهر أن كلاهما لم يعُد يعرف مَنْ هو مَنْ، ولا مَنْ هو مع مَنْ وبعد ذلك تذهب الفرصة على الجميع لتستقر الأزمة في القاع وعلى شرايين المجتمع تُصلِّبه وتمنع الدم عنه.

بالتأكيد أن لا أخصّ المعنى المستهلَك للوجاهة الاجتماعية بل حتى على المستوى الثقافي والإعلامي لا يجب أن تكون المؤسسات الصحافية هي صاحبة ومالكة وعرَّابة الدعوة إلى وَأد الخلاف الطائفي، لأنه وباختصار فإن أغلب تلك المؤسسات هي فاقدة بالأساس لمصداقية المواجهة مع المسألة الطائفية، لأنها أصلاً متورّطة فيها وفي لعبة المصالح والتيارات التي تعجّ بالدولة والمجتمع، وباتت أسيرة لنظام براغماتي/ سياسي لم يعُد نافعاً إلاّ للتربّح التجاري، دون القدرة على لعب دور محوري وأساسي في قضايا الوطن ومن بينها الطائفية.

بالرجوع إلى التاريخ البحريني قليلاً فإن صدور مطبوعات كـ «صوت البحرين» (1950 - 1952) و «القافلة» (1952 – 1955) و «الشعب» (1955 - 1956) و «الشعلة» (1956) كان عاملاً قوياً لوأد أي انزلاق طائفي خلال تلك الفترة، والسبب هو أن مسئولي صحف الأوَّلين هم ذاتهم الذين كانوا يتسيَّدون على رَكْبِ الحِراك السياسي والاجتماعي آنذاك كعبد العزيز الشملان وحسن الجشِّي ومحمود المردي وإبراهيم كمال وعبدالرحمن الباكر وعلي التاجر، في حين بَقِيَ أغلب مسئولي وأرباب صحف اليوم خارج ذلك النسيج، بل وخارج حتى الحراك الثقافي ومُكوّناته.

في المحصلة أقول بأن القضاء على الآفة الطائفية هي مسئولية فردية بالأساس وليست كيانيّة. على الجميع أن يبادر ولو بنفسه وبأسرته وأصدقائه ودون دفع من أحد. أيها البحرينيون إن الفتنة هي تحت أرجلكم وما عليكم إلاّ أن تدهسوها قَدَمَاً بعد قدم. لا تجعلوا الآخرين من أصحاب الفتنة والمشروع الطائفي أن يصنعوا منكم سُعُوطاً يستنشقونه وهم على قفاهم يضحكون عليكم. فأنتم أيها البحرينيون أهلٌ لأن تكونوا أخوة في الدين والوطن كآبائهم وأجدادكم، بمثل أهليّة أعدائكم لأن يكونوا شياطين الأنس المقبورين. ومن لا يُحِب ولا يُخطئ فليُدفن على حدّ تعبير الأديب والشاعر الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3111 - الأحد 13 مارس 2011م الموافق 08 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 2:23 م

      طائفية او سمها 0000

      نعم انها الطائفية التى ضيعت مطالبنا الحقيقية لو لم نرفع هذة الشعارات والله يمكن وصلنا الى 90%من مطالبنا بس للاسف بعض قادة جمعياتنا استعجلو واجد وشكل السالفة ظاعت مرة واحدة للاسف للاسف

    • زائر 8 | 5:56 ص

      سنية محرقية

      مرة أخرى شكرا لك أستاذي الفاضل محمد ـ أنت قلم وطني شريف كل يوم يزداد تقديري لك ـ بالنسبة للسنة وانا منهم نحن لم نتربى على الطائفية وتاريخنا يشهد على ذلك طوال عمرنا سلميون ومتسامحون جدا نتقبل الآخر ايا كان دينه او مذهبه نحن حقيقة سلميون وليس كلمة تقال للاستهلاك الاعلامي وبالتاكيد أنت تعرف ما اعني . وشكراااااااااااااا لك يا وطني ـ أختك السنية

    • زائر 6 | 4:35 ص

      سني

      الله لا يفرقنا لا شيعة ولا سنة

    • زائر 5 | 3:23 ص

      ياسيد

      لتكم تعون شيا" واحدا..السنه لا يرونكم بصوره طائفيه.. يمكن الحكومه,,لكن كل السنه ليس عندهم هذا المسمي ولا الحقد و لا التكفير.. الطائفيه ذات اتجاه واحد يا سيد.السنه لا ينتظرون الآتي ليقتلونكم به!! السنه من سنة الرسول عليه الصلاة و السلام.. و هم شيهة علي الذين خروجوا معه و لم يخرجوا عليه.

    • زائر 3 | 12:40 ص

      الطوائف تتشكل من الافراد

      كل المشروعات الطائفية تم القضاء عليها بمشروعات صغيرة لان الطوائف تتشكل من الافراد

    • زائر 1 | 11:33 م

      طيف سائر و اخر اختطف منه

      الوحدة مازال متمسك بتلابيبها هذا الطيف وقلة من ذاك اما الآخرون فقد غيبوا في ازق
      اخرى بعضها خطير

    • زائر 0 | 10:02 م

      شكرًا

      شكرًا على المقال و ياريت توضح دور رؤساء الجرائد
      انه احب مقالاتك و تعجبني طريقت أسلوبك شكرًا استاذ محمد
      متابعتك من الرفاع

اقرأ ايضاً