العدد 3123 - الجمعة 25 مارس 2011م الموافق 20 ربيع الثاني 1432هـ

تنويع الاقتصادات: سعي مستمر من أجل التوازن

كشفت الأزمة العالمية الأخيرة حقيقة عالمية غير متوقعة، تتمثل في أن اقتصادات الدول لم تكن وليست متنوعة بما فيه الكفاية. وقد يشكل هذا الاستنتاج مفاجأة لمعظم المسئولين عن التنمية الاقتصادية في هذه الدول. فقد كان للتنويع الاقتصادي، تقليدياً، تعريف ضيق إلى حد ما، لا يشير إلا إلى مجموعة القطاعات الاقتصادية في بلد ما. وتتركز مناقشة الاقتصادات غير المتنوعة كفايةً عادة على البلدان التي تعتمد كل قاعدتها الصناعية على النفط أو مورد واحد آخر، كبعض الدول في الشرق الأوسط وإفريقيا وأميركا اللاتينية. ولكن حتى البلدان التي تظهر تنوعاً كبيراً، كالولايات المتحدة الأميركية، قد تكون عرضة لأحداث غير متوقعة.

معنى التنوّع

لنتخيّل أن كل دولة من دول العالم تسير وفق خط ثابت متواصل. على أحد طرفي هذا الخط، بلد يضم مجموعة من الشركات التي تنتج عدداً محدوداً من السلع، ويجري تبادلاً مع عدد قليل من الشركاء التجاريين. فعلى رغم أن بلداً كهذا يمكن أن يكون عرضة لمخاطر كبيرة متأتية من الصدمات الخارجية، كإمكان حصول وفرة مفاجئة في الأسواق العالمية لأحد منتجاته الرئيسية، فإن رصد معالم اقتصاد هذا البلد يبقى بسيطاً، ومن السهولة توقّع مثل هذه المخاطر التي قد يتعرض لها.

ومن الجهة الأخرى من الخط، فلنفترض أن ثمة بلداً ذا اقتصاد متنوّع بكل معنى الكلمة، سواء من حيث صادراته أو استثماراته أو صناعاته أو مصادر إنفاقه أو عمالته أو التكنولوجيا أو المعرفة. وقد توقع هذا البلد وتحسّب لكل المخاطر المحتملة، ونوّع أصوله بشكل كامل، بحيث أن الانهيار الشامل في مجال واحد لا يمكن أن يصيب اقتصاده ككل بأضرار كبيرة.

كل من هذين البلدين آمن إلى حد كبير من المخاطر الاقتصادية العالمية. أما البلدان المعرّضة للمخاطر فهي التي تقف في منتصف السلسلة، وهذا يشمل في الوقت الراهن كل بلدان العالم. ويقول الشريك في "بوز أند كومباني"، ريشار شدياق: "ليس هناك من بلد واحد نوّع اقتصاده في شكل كامل بما يحميه من كل الصدمات، لكن كل البلدان لديها اقتصادات متنوّعة ومركّبة ومترابطة عالمياً بحيث لا تستطيع أن تتوقع في شكل كامل كل مصدر ممكن للخطر. بعبارة أخرى، فإن الاقتصادات العالمية هي ببساطة غير متنوعة بما فيه الكفاية، مع أن معظمها لا تعي ذلك، وعلى رغم أن معظم المسئولين الاقتصاديين يعتقدون أن العكس هو الصحيح".

المبالغة في التركيز

لا توجد في الوقت الراهن بيانات إحصائية كافية لإثبات الترابط بين قلة التنويع وعدم الاستقرار الاقتصادي، لكن الأزمة الاقتصادية الأخيرة بيّنت أن الدول قد تبالغ بأكثر من طريقة في تركيز اقتصاداتها، من خلال الاعتماد كثيراً على الإنفاق الاستهلاكي والصادرات والمؤسسات الصغيرة والشركات الكبيرة، أو الاستثمار الأجنبي. يضاف إلى ذلك أن المشكلة في بلدان كالولايات المتحدة وبريطانيا، تكمن في المبالغة في التركيز، بشكل آخر: فبدلاً من الكثير من التجارة، تتكل هذه الدول أكثر من اللازم على المستهلكين المحليين الذين يشكل الاقتراض وسيلة أساسية لتمويل عمليات الشراء التي يقومون بها. ويقول المدير في "بوز أند كومباني"، شادي ن. مجاعص، في هذا الصدد: "في الأيام الأولى للأزمة (2008)، مثّل الاستهلاك 71 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة؛ أي نحو ستة أضعاف حصة الصادرات. وخلال الانكماش الاقتصادي، انخفض دخل الأسر وانخفضت ثقة المستهلك مع ما لذلك من آثار مدمرة. واليوم، لايزال الاقتصاد الأميركي يواجه صعوبات مع ارتفاع معدلات البطالة وتدني الثقة، وهذه حال تعبّر تماماً عما يترتب على التركيز المفرط من مخاطر".

وثمة بلدان أخرى تعتمد اقتصاداتها بشكل مفرط على نوع واحد من الشركات، مع كون قاعدة الأعمال والمشاريع فيها مكوّنة بشكل أساسي من شركات صغيرة أو تسيطر عليها بضعة تكتلات اقتصادية كبيرة، علما أن لكل من هذين الشكلين مشكلاته الخاصة. فإذا أخذنا إيطاليا مثالاً، نلاحظ أن للشركات الصغيرة والمتوسطة هي المسيطرة؛ إذ إن نحو 95 في المئة من الشركات الإيطالية تندرج ضمن هذه الفئة، وهي تستخدم أكثر من 80 في المئة من القوة العاملة الإيطالية. وتكون هذه الشركات أول من يلغي وظائف عندما تشهد ايطاليا مرحلة ركود؛ ما يجعل البلاد أقل قدرة على تجاوز الاتجاهات التراجعية التي تشهدها الدورة الاقتصادية. وثمة بلدان تكون فيها نسبة كبيرة من النشاط الاقتصادي مرتبطة ببضع شركات ضخمة، كما أظهرت المصارف الأميركية التي أضعفت اقتصاد الولايات المتحدة في العام 2008.

خلاصة

لا يُعتبر التنويع الاقتصادي الشامل سهل التطبيق لأنه يتطلّب عملية تقويم مستمرة لكل جانب من جوانب الاقتصاد الوطني. وعلى صانعي السياسات أن يكونوا حازمين في عزمهم على إبقاء هذه المخاطر تحت السيطرة، لأن التعامل السليم مع مخاطر التركيز المفرط أمر حيوي لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة والطويلة المدى.

العدد 3123 - الجمعة 25 مارس 2011م الموافق 20 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:56 ص

      مواطن سني

      اي اقتصاد بدا الدينار ينزل والاسعار تتعدى الحدود وفي ارتفاع مستمر وحتى المجموعة الماكين واليتمة والارامل لم تسلم

اقرأ ايضاً