العدد 3135 - الخميس 07 أبريل 2011م الموافق 04 جمادى الأولى 1432هـ

محمد باقر الصدر في ذكراه الثلاثين

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وُلد في مدينة الكاظمية في الثاني من مارس/ آذار 1935، لوالدٍ من العلماء الزاهدين، وكان جده السيد إسماعيل الصدر من كبار العلماء وأحد مراجع الدين في العراق، ومن فروع هذه الأسرة العربية العريقة. أما والدته فابنة المرحوم آية الله الشيخ عبد الحسين آل ياسين.

ذاق اليتم وهو في سنواته الأولى، وتربى في كنف أخيه الأكبر بعد رحيل والديه. منذ دروسه الأولى بانت عليه علامات الذكاء والنبوغ المبكر. ولما أتم العاشرة بدأ بدراسة المنطق، وكتب رسالةً في هذا الفرع الصعب من العلوم. وبعد عامين، سافر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته، وكان ممن تتلمذ على أيديهم آية الله السيد أبو القاسم الخوئي الذي أصبح مرجعاً أعلى.

كان المهاجر الجديد منصرفاً لتحصيله العلمي، منكبّاً على الدراسة والبحث، أما العبادات فيروي عنه مؤرخو سيرته أنه كان يقتصر على الواجبات والمهم من المستحبات. وحين بلغ الخامسة والعشرين بدأ بممارسة التدريس، الذي لم ينحصر في قضايا الفقه والأصول، بل اتسع ليضم الأخلاق والتاريخ والفلسفة والتفسير. مثل هذا التنوع جمع من حوله المعجبين والمريدين، ونال درجة الاجتهاد وهو في أواخر العقد الثاني من عمره.

في العام 1958 أسس جماعة العلماء، واهتم كثيراً بالتأليف، وكان من أهم كتبه «فلسفتنا» (1959)، حيث ناقش المذهب الماركسي المادي، الذي كان يلقى انتشاراً واسعاً بين الشباب العربي، وخصوصاً في العراق. وهو كتابٌ «لو ترجم للغات الأجنبية لكان له شأن وأي شأن، ولقال أهل الغرب والشرق: إن جامعة النجف أقوى خصم عرفه الماديون على الإطلاق»، كما قال علامة لبنان الشيخ محمّد جواد مغنية رحمه الله.

ولا يذكر «فلسفتنا» إلا ويذكر معه توأمه «اقتصادنا»، الذي قارع فيه النظريتين الاقتصاديتين الشيوعية والرأسمالية، ووضع فيه الخطوط الأساسية للنظرية الاقتصادية الإسلامية. أما كتاب «الأسس المنطقية للاستقراء»، فقال فيه الفيلسوف المصري الراحل زكي نجيب محمود إنّه «من الكتب التي ينبغي أن تترجم إلى اللغة الإنجليزية لتعرف أوروبا أنّ لدينا فلاسفة أصيلين يملكون العمق الفلسفي والفكر المستقلّ».

وفي مدينة ضاربة بجذورها في التاريخ كالنجف، لم يكن غريباً أن تكون أول مؤلفاته تاريخية. وحين اقترب من التفسير، اختار طريقة «التفسير الموضوعي»، بدل «التفسير التجزيئي» الذي دأب عليه أغلب المفسرين المسلمين عبر العصور، حيث كانوا يبدأون من الفاتحة وينتهون بسورة الناس. وهكذا خرجت محاضراته في كتاب «المدرسة القرآنية».

أما «البنك اللارِبَوي في الإسلام»، فله قصةٌ أخرى، إذ طلب منه مجموعةٌ من رجال المال الكويتيين أن يقدّم لهم حلاً لمشكلة البنوك الرأسمالية التي تقوم على الربا، فتفرّغ لدراسة الموضوع لبضعة أسابيع، ومراجعة بعض الاختصاصيين، ليخرج بحلول مبتكرة عبر أطروحته تلك، والتي غدت أساساً لما قام بعدها من تجارب بنكية إسلامية. ونوّه في الكتاب بأن هذا الحل جزئي، أخذاً في الاعتبار الواقع العملي الموجود، ضمن واقعٍ لا تحكم فيه بقية القوانين الإسلامية الأخرى، وإلا لكانت الأطروحة مختلفة.

عبقريةٌ بهذا الحضور، وثراءٌ بهذا الحجم، كان ينتظره في مثل هذا اليوم من العام 1980 قرارٌ بالإعدام على يد الحزب الحاكم في العراق، برفقة أخته بنت الهدى. وفي مساء التاسع من أبريل/ نيسان، قطعت الكهرباء عن المدينة، ليتم دفنه في الظلام. وبسبب التعتيم الشديد، بدأ الخبر يتسرّب بعد فترة حيث أخذت تبثه الإذاعات.

كان الحدث صاعقاً، قالت عنه الكاتبة المصرية المشهورة صافيناز كاظم: «كان قتل الإمام الصدر يعني أنّه لم يعد هناك حياء، لم يعد هناك معقول ولامعقول». وقال عنه زكي نجيب محمود الذي كانت تربطه به مودة الفلاسفة ومراسلات العلماء: «إن إعدام مفكر ساهم في تنمية العقل العربي الإسلامي تثير لدينا مشاعر التقزز والاشمئزاز. فالدول المتقدمة تكرّم أفذاذها، أما العراق فيعدم مفكريه». أما أستاذه زعيم الحوزة العلمية السيد الخوئي فقال فيه: «السيد الصدر مظلومٌ لأنه وُلد في الشرق، ولو وُلد في الغرب لعلمتم ماذا سيقولون فيه». رحم الله الصدر الكبير

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3135 - الخميس 07 أبريل 2011م الموافق 04 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً