العدد 3136 - الجمعة 08 أبريل 2011م الموافق 05 جمادى الأولى 1432هـ

همومٌ من وسط الحدث

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أيام اتصلتُ بأحد الإخوة الأعزاء. قلت له وبشيءٍ من المزاح: إني أُوْلِمُكَ غداً صباحاً وجبة إفطار استثنائية. قال: وَلِيمَتك مُغرية، لكن اثنين من الأصدقاء سَبَقاك إليّ، حيث سأخرج معهما في التوقيت ذاته الذي تبتغيه. لم ألتَفِت إلى شيء من تلك المحادثة أكثر من أن صاحِبَيْ صديقي اللذين سبقاه إليّ وسيلتقيانه هما من طائفة أخرى كريمة عزيزة. سُعِدت كثيراً مع نفسي. فطعم العلاقات الاجتماعية في هذا الأوَان المأزوم غير طعمها في أوان الرَّخاء.

منذ أكثر من شهر وفي أتون هذه الأزمة التي أتعبت الجميع أتلصّص الصحف والحوادث. أرصُد كلّ ما هو اجتماعي ويصبّ في جانب الرَّتق والتعضيد والتشبيك والتزاور والحث على الهدوء وإعادة اللحمة ونبذ الخصام. كلّ من هَمَّ في ذلك المسعى أصِلُه بثناء وشكر. وكلّ مَنْ يُحاول أن يعبث باجتماع الناس وتواصلهم مع بعضهم البعض أحيله إلى أحسن الكَلِم كي يُدرك أنه على خطأ ويجب أن يُصحح مسعاه غير القويم، لأن الاستمرار فيه هو جناية اجتماعية.

أبو خالِد صديق من العيار الثقيل جداً. نتواصل نحن الاثنين بشكل يومي تقريباً. خالدٌ الابن شابٌ يافِع حَظِيَ بتربية مختلفة عن باقي أقرانه. على المستوى الشخصي يقرأ كتباً في الثقافة والأدب وفي بقيّة العلوم الأخرى قد لا يقرأها أغلب أقرانه ومَنْ هم في عمره. له رأي نقدي خاص فيما يراه. والأكثر من ذلك أن تربيته من أبيه وأمّه أفهمته أن غطاء البشر هو ليس بالطوائف ولا بالأديان وإنما بالإنسانية بعنوانها الأوسع، لأنهم إن لم يكونوا إخوة له في الدين فهم نظراء له في الخلق. كان أبوه يقول وبفخر: بأنه قضى على داء الطائفية لديه.

إحدى الأخوات قرأت مقالي قبل أيام بشأن تاريخ الأواصر الاجتماعية المتينة بين البحرينيين ومقاربتها مع تجارب أخرى. قالت لي: يا محمد... أنتَ تبني وآلاف غيرك يهدمون، أعانك الله. قلت: هذه معركة. وفي تاريخ المعارك، كلّ من يُغادر ساحتها يُقال عنه: شَرَدَ وانهزَم. بالنسبة لي ومن أجل ناس البحرين جميعهم ومستقبل تعايشها وسلمها الأهلي لن أنهزم. سأبقى كما بقي غيري حتى ولو تثلَّم السيف واهترأ الغمد. القضية ليست بطولة يُبحَث عنها بقدر ما هي مسئولية وطنية أخلاقية بات الجميع مدعوين لها ساسة ومسوسين.

معظم وقتي أقضيه في محاكاة هذا الهَم. لا السياسة ولا أيّ شيء آخر يشغلني عن الاهتمام بكيفية رأب الصَّدع الاجتماعي (عبر التواصل) بين الناس والذي أراد له البعض أن ينكسر. ولأنني تربطني علاقات متعددة بعوائل مختلطة مذهبياً. كنتُ أقول لهم: إن الاختبار الحقيقي اليوم هو عندكم، والحلول الناجعة هي أيضاً ستأتي منكم. فجيل هذه العوائل لم يعِش على مُحفِّز التقسيم الطائفي لإنتاج هويته الشخصية والعائلية، وإنما نشأ على صيغة اجتماعية نقيّة ليس لها أيّ وصل بمنبت الآباء والأمهات على المستوى المذهبي.

يقولون بأن معاناتهم في ذلك هي على وجهين اثنين: الأول: أن أبناءهم صار لديهم عالَمان، واحد داخل المنزل والآخر في المجتمع وكلاهما متناقضان حتى العظم. فعندما يكونون في البيت فهم يعيشون الحقيقة التي نشأوا عليها منذ الصغر. وعندما يكونون في الخارج تراهم أشبه بالتائهين الضائعين. فهم لا يمتلكون أدوات الاصطفاف ولا الصراع داخل الطوائف، بل ولا توجد لديهم أدنى رغبة في الدخول إلى سجال مذهبي، أو النظر إلى الأفراد من منطلق طائفي مُقزِّز لأنه وباختصار لا يُشكل لديهم دافعاً ولا مُنهِّضاً لممارسة من ذلك القبيل.

الأمر الثاني: أن تلك الزيجات المختلطة لم تتحوّل إلى أسلوب حياة لدى قطاع كبير من الناس الذين ولد أغلبهم داخل عوائل خالصة مذهبياً بل وحتى على مستوى الوسط الديمغرافي. وبالتالي فهم غير قادرين على إعطاء النموذج الأمثل، أو على أقل تقدير الترويج لطبيعة معيشية مُحددة هم نشأوا عليها، لذا فهم أبعد ما يكون عن تحريك الأنموذج وسط كلّ هذا الصراخ والجلبة التي تحدثها الأزمة اليوم وتفرض نفسها على الجميع عنوة.

أما الحقيقة التي أراها تعليقاً على ذلك فهي أن القضية النموذج بإمكانها أن تحظى باهتمام اجتماعي إذا ما وُضِعَت على شكل سلعة فريدة من نوعها تُزاحِم أخريات. بمعنى أن الموضوع بحاجة إلى نهضة ترويج وإسماع لكي يُشنِّف الناس بأسماعهم نحوها. ما الذي جعل البحرين وطيلة ثمانية عقود لا تستجيب لاستفزازات الطائفية؟ باختصار أجيب أنه وما بين العام 1918 والعام 1975 تأسّس زهاء 141 نادياً وجمعية حيث كانت تلك الصّروح مجالاً حيوياً لترسيخ الحالة الوطنية وليس التشظِّي الطائفي. واليوم إذا ما أريد لكل النماذج التوفيقية والتصالحية داخل اجتماع الناس أن تنجح ويُسمَع لها فعلى أصحاب هذه الطروحات مخاطبة الناس عبر تلك المؤسسات التي تجمعهم، وليس الحديث بشكل فردي أو من وراء حُجب

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3136 - الجمعة 08 أبريل 2011م الموافق 05 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً