العدد 3137 - السبت 09 أبريل 2011م الموافق 06 جمادى الأولى 1432هـ

أزمات أنظمة أم أزمات شعوب (2 - 2)

هذا هو الواقع المقيت والبائس الحالي الذي يقبع في ظله للأسف معظم مثقفينا النقديين، والذي تتحالف فيه كثير من النخب والتيارات الدينية مع النظم الحاكمة للإبقاء عليه وتوسيع رقعته، وجعله يعيش حالة الخدر العام والتشظي والتبعثر والتشتت. وهو واقع مأساوي خطير، ولا يعطينا أية بادرة أمل بوجود إمكانية ما لإحداث تغيير حقيقي في المستقبل القريب، وخصوصاً مع عدم وجود أو تشكل تلك القوى الإصلاحية ذات القاعدة الشعبية الواسعة التي من الممكن أن تتحول تدريجياً إلى كتلة تاريخية فاعلة ومؤثرة في واقعها المجتمعي، تعود لتطرح من جديد أفكار وقضايا المشروع النهضوي المتضمن إعادة الزخم لفكرة الديمقراطية وإعادة السياسة إلى حضن المجتمع، والتداول السلمي للسلطة، ومبدأ التعددية السياسية والثقافية، والتركيز على ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان، وتوزيع ثروات هذه الأمة على شعوبها بصورة عادلة ومتكافئة.

ومن الطبيعي أن نؤكد هنا - بعد عرضنا لواقع مثقفنا النقدي العربي المعاصر - على أهمية الدور النوعي للمثقف النقدي مهما حصل، ومهما كانت الأثمان باهظة، لأن التطلعات والأهداف الكبيرة والطموحات العالية والأفكار النقدية والقيم الإنسانية الكبرى التي يعمل ويشتغل عليها المثقف النقدي، والتي تمثل أحلام الناس وخشبة الخلاص من أزماتها وتحدياتها المصيرية على الصعيد الثقافي والسياسي والاجتماعي، تستحق كل متابعة وجهد ومثابرة واستمرارية بناءة. فمن هو الشخص الذي لا يتمنى أن يتغير واقعه نحو الأفضل مادياً ومعنوياً؟ ومن هو المجتمع الذي يرفض التغيير الإيجابي الهادئ والسلمي، ويفضل البقاء رهن الاعتقال الثقافي والسياسي والاقتصادي؟ ومن هو الإنسان الذي يفضل العيش تحت أنظمة القهر والكبت والتخلف والظلام على العيش تحت مظلة حكم القانون والمؤسسات وأنوار الحرية والحداثة والتطور والسعة والتفكير الحر في الهواء الطلق؟ ومن هي الأمة التي تفضل أن تعيش في ظل سيطرة وهيمنة حزب واحد وحاكم واحد ونظام أبدي واحد، على أن تعيش ليكون التغيير الدوري القانوني - المجدد للحياة والدماء والأفكار - هو الفكرة والقوة الأساسية المسيطرة عليه؟ ومن هي الجهة التي لا تدرك المسئولية الكبرى التي تتحملها النظم القائمة في هذا الحجم الهائل والمتعاظم للفساد والتقصير والفوضى والفقر والإفقار والتخلف المسيطر على مجتمعاتنا العربية؟ ومن هو الشخص الذي لا يدرك كم هي حاجتنا ملحة وحيوية إلى إعادة النظر في مؤسساتنا ونظمنا المدمرة بتأثير أصحاب النفوذ والامتيازات والمكاسب الخاصة؟!

إننا نتصور أن المثقف النقدي معني أكثر من غيره بالعمل على أفكار الوعي والتنوير السابقة، ولكنه لا يستطيع - كما أكدت تجربته التاريخية المعاصرة والقديمة على ذلك - أن يعمل لوحده بلا حماية، ولا دعم... ليكون عارياً في مواجهة خفافيش الماضي وديناصورات السياسة وحيتان المال، متنقلاً من هزيمة إلى أخرى، ومن واقع ظالم بائس إلى آخر... لأن الأرضية التي يسير عليها هذا المثقف النقدي لا تزال رخوة تفتقد للصلابة والتماسك والقوة والمناعة، فهو يسير على أرضية ثقافية بحتة، باحثاً عن حلم إنجاز شعارات وأهداف ثقافية ذات منعكسات ونتائج سياسية واجتماعية واقتصادية، أما رجل السياسة - صاحب المصلحة في تهشيم وتقزيم وربما قلع المثقف من جذوره كما جرى سابقاً - فهو منشغل بأمرين اثنين، أولهما البقاء في الحكم، وديمومة الكراسي عبر تحقيق انتصارات (كثير منها وهمية زائفة) على الآخرين، وثانيهما، مراكمة الثروات والأموال... حتى لو جاء ذلك على حساب تدمير المجتمع، واشتعال الحروب الأهلية والطائفية فيه.

إن كل ما تقدم، يكشف أمامنا - وأمام الجميع - عن حالة العجز والحطام العربي الكامل التي أوصلتنا إليها عاداتنا وثقافتنا التقليدية، وكذلك نخبنا السياسية الحاكمة التي كانت أكبر داعم لانتشار وامتداد وتجذر تلك الثقافة النصية الشعبوية المتأخرة في صفوف الناس وتربة المجتمع. كما ويعطينا صورة حقيقية عن سر عجز المثقف العربي عن التأثير في واقعه ومجتمعه، حيث أن النظام الرسمي العربي المترهل لا يزال يقف بقوة في وجه طموح وشعار التغيير والإصلاح المرفوع بقوة من قبل الناس والمثقفين، في الوقت نفسه الذي يعجز فيه هذا النظام عن قيادة المجتمعات العربية نحو تحقيق أحلامها في تحقيق طموحاتها في التنمية الاقتصادية العالية وتحسين مستويات معيشتها. كما ويكشف لنا عن سر هذا العجز المطبق لنظمنا عن أداء وظائفها بفعالية خاصة على صعيد فشلها في إجراء تحول ديمقراطي حقيقي ينقلها من السلطوية والأمنية والهاجس البوليسي إلى الحرية والليبرالية والحداثوية.

وهذا كله يحتاج في الواقع إلى إبقاء أمل التغيير متقداً وحياً وحاضراً بقوة لدى جماهير المثقفين النقديين كما قلنا، وهو يتطلب منهم على الدوام - بالرغم من بؤسهم وفقرهم وتعثرهم وصعوبة عملهم كما ذكرنا - المساهمة في إعادة صياغة وإصلاح كاملة للبنى النفسية والعملية التي تتقوم بها وتبنى عليها النظم السياسية العربية التي أصبحنا نشك فيها وفي قدرتها على الاستجابة لآمال وتطلعات وأفكار الإصلاح وليس التغيير

العدد 3137 - السبت 09 أبريل 2011م الموافق 06 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً