العدد 3138 - الأحد 10 أبريل 2011م الموافق 07 جمادى الأولى 1432هـ

المطلوب هيئة للتسامح الاجتماعي في البحرين

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

البعض يقول إن علاقاته الاجتماعية قد ساءت خلال هذه الأزمة. السَّواد الأعظم من ذلك «البعض» هم من النساء. قبل ذلك كانت العلاقة الجامعة بينهم عصيَّة على التصدّع حتى مع وجود فروقات مذهبيّة. هكذا كانوا يقولون. اليوم تبدَّل الحال. نحن لا نتحدث عن فتور أو ابتسامات باهتة، وإنما عن غَمزٍ، وإشاحة بالوجه، وترديد كلمات ينبغي لها أن تُحبَس.

أفهم أن للأزمات أجواءها وأدرانها أيضاً. لكن الفهم الأكبر لدي هو أن مَنْ يعتمد خُلُقاً سيئاً مع الآخرين لا تستطاب مجالسته، ولا يرتضِي أحدٌ احترامه، ولا تُحفَظ غيبته ولا حتى سرّه؛ لأنه وباختصار يُصبح ضد القيم والمبادئ الدافعة بالأفراد والجماعات للقيام بأفعال وسلوكيات خيِّرة، وهي ذاتها التي جعلت للشعوب والأمم ثقافة وسُنَن أصبحت لاحقاً مصدراً للقوانين والأعراف المتبعة لديهم.

أخشَى ما أخشاه هو أن يستيقظ العقل الجَمْعِي للطوائف حينما يتمّ استفزازه وجرّه إلى معركة الجنون بسلوك بعض الأفراد. ذلك البعض قد لا يُدرك هذا الأمر كما يجب، لكن الحقيقة تقول إن خطر ذلك لن يكون أقلّ من داهِم وعارِم. فحين ترى طائفة ما أن السلوك الاجتماعي الذي يتم التعامل معها به هو سلوك هابط حاطٌّ بالكرامة ولا يمنحها الأمان لا على مستوى الفرد ولا الكيان، فإنها تلجأ مباشرة إلى المعالجات الغرائزيّة المشحونة التي لا ضابط لها.

وعندما تصِل الأمور حذاء ذلك المستوى من السلوك، فإن العِداء والرَّغبة في الانتقام يُصبح سيداً ومُوجِّهاً للأفراد في علاقاتهم مع بعضهم البعض، وحينما يصل «بعض» الناس إلى تلك المرحلة فهذا يعني بلوغ العلاقات الاجتماعية إلى مدى خطير جداً ستصاحبه لا محالة أعمال منفلتة واصطفافات تقودها الأسئلة الحادّة (مع مِنْ / ضدّ مِنْ / لصالح مَنْ) وهذا ما لا يبتغيه ولا يرتضيه أحد لأن نصل إليه.

في الخطاب الأخير لولي العهد نائب القائد الأعلى سمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة بتاريخ 7 أبريل الجاري قال أمراً حريٌ بالجميع أن يختطه كمنهج وأساس. سموه قال «لن يتم التساهل مع مَنْ يريد شقّ مجتمعنا إلى نصفين، ومن غير المسموح أن يستشعر أيّ مواطن أنه لا مكان له فيه، فالوطن لجميع أبنائه والمستقبل مشرق بنا جميعاً ولنا جميعاً، هناك دائماً فرصٌ تَسَعُ الجميع». هذه توجيهات قيادية وليست عادية ومن الضروري والواجب أن لا يتغافلها أحد في وقت أصبح لا يحتمل أبداً التصرفات الفردية والاجتهادات الخطأ في شكلها ومضمونها ووقتها حتى.

هنا وتأسيساً على تلك المفردة من الخطاب بدأت أشعر أن البلد أصبح في حاجة ماسّة اليوم إلى تشكيل هيئة عليا للتسامح الاجتماعي. هيئة لا هَمَّ له سوى أنها تحقق مسعى خاص ومعالجة اجتماعية وسلوكية عاجلة لما تمرّ به البحرين عبر وضع غطاء سلوكي وقانوني للناس داخل مجتمعاتهم وفي معاملاتهم وأعمالهم الرسمية والتجارية وتكرّس مفهوم التسامح كسلوك دولة وأفراد ومؤسسات بحيث يلتزم الجميع بخططها ورؤاها وتوجيهاتها المتسالَم عليها إنسانياً واجتماعياً، ومَنْ يتخلّف عن تلك الالتزامات يُحاسَب وكأنه مخالف للقانون كأيّ مخالفة أخرى يتم رصدها.

موضوع التسامح الاجتماعي وحماية العلاقات بين البشر من التشظي والانفجار ليس موضوعاً عَرَضياً على هامش الحياة ولا على الإطار القِيمي للكيانات، وإنما هو مبدأ أصيل من مبادئ نهضة الدول والمجتمعات، ورقيِّها نحو صناعة أخلاق تصبح لاحقاً ذات قوَّة قانونية لها صفة الإلزام. وهو صراع قِيَمي كبير خاضته أوربا خلال مرحلة الإصلاح وعصر الأنوار لأكثر من قرنين كاملين حتى استطاعت أن تنتج نموذجاً من التعايش توافقت عليه شعوبها إلى الآن.

مَنْ يقرأ التاريخ الأوروبي سيرى أن الأوروبيين أسالوا من الدِّماء ومارسوا سوءاً في التعامل المتبادل ما بين طوائفهم كـ الفلديين (Vaudois) والإخوة الصّغار (Fraticelles) والمتوسطين الطهوريين (Flagellants) واللوثريين والكالفينيين والضد ثالوثيين، بالإضافة إلى أصول الصراع الكاثوليكي/ البروتستانتي. لقد جعلت تلك الصراعات الكبيرة من الشعوب الأوروبية وبالخصوص في ألمانيا وفرنسا وسويسرا لأن يستحوا من ذكر تلك الحقبة من تاريخهم.

ولما وصلَ الحال بهم إلى درجة الاسْوِدَاد وعدميّة الصراع الطائفي والاجتماعي انخرطت امبراطوريات عظيمة في لَجْمِه وإنهائه. لا ينسى أحد ما فعلته دولة سيغيسموند الثاني أوغست في بولونيا، ولا دولة الملك العظيم هنري الرابع ملك فرنسا، ولا دولة الملكة مارغريت وصيّة عرش النمسا، أو دولة يواكيم الثاني في براندبورغ، أو في دوقيّة كليف - جولييه، وهي امبراطوريات ودول كبيرة سَعَت كلها لإنهاء تلك الصراعات الاجتماعية الدامية والمقزّزة، وقد خَلَّدَ لها التاريخ أجوَدَ صُنعٍ قامت به حين حفظت بذلك دماء وحقوق شعوبها.

نحن في البحرين باستطاعتنا أن نفعل الكثير كذلك. أن نقيم لنا وازناً في الدولة كما ذكرت وهو تشكيل هيئة عليا للتسامح الاجتماعي تحدّد السلوكيات الاجتماعية الخاطئة وتحاسب فاعليها عبر مناشطه، فمن يُخطأ في حق أحد لأسباب إثنية/ مذهبية/ طائفية فعليه أن يُحاسَب، ومَن يدعو إلى قولٍ أو فعلٍ يُساعِد على الفتق الاجتماعي ويُهدّد السِّلم الأهلي ويُفرّق الناس إلى شِيَع وجماعات فعليه أن يخضع للقانون حتى يفرض الأخير نفسه في السلوك الاجتماعي.

وإنني لمتيقّن، بأن البحرين ستكون في المرحلة التالية لذلك التطبيق الاجتماعي أنموذجاً للتسامح، وهي بالمناسبة ليست بعيدة تاريخياً عنه، وإنما أزمتها الحالية جعلت من ذلك الأمر لأن يختل ميزانه، لكن وبمجرد أن يُمسك الزمام من جديد ومن مِقوَد القانون الاجتماعي ومحاسبة الجنح الطائفية ستعود الأمور إلى نصابها، وهي تجارب أمم ماثلة أمامنا اليوم

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3138 - الأحد 10 أبريل 2011م الموافق 07 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً