العدد 3142 - الخميس 14 أبريل 2011م الموافق 11 جمادى الأولى 1432هـ

بين ديكتاتوريات القتل والنهب... وديمقراطيات التغييب والخديعة

صراعات دولية مصيرية، يشهدها العالم على هامش ثورتنا الإنسانية الكبرى في المنطقة العربية، فعلى رغم أنها ثورة شعبية قام بها شبابنا، ليس لقوة خارجية في قيامها فضل ولا مِنّة، فإن المهيمنين على النظام العالمي المعاصر تحركوا بالتوازي في محاولات مستميتة لاحتواء الأوضاع ومواكبتها، والتسابق لخطب ودّ القوى الجديدة الصاعدة... قوة الشعوب، التي جعلت أذكياء الغرب يكتشفون - أخيراً - أن الحفاظ على مصالحهم بخطب ودّها، سيعود عليهم وعليها بالفوائد عاجلاً وآجلاً، وبكلفة أقل بكثير من تلك التي يتكبدها في صراعاته معها.

هزيمة دبلوماسية - سياسية رنانة لحقت بفرنسة «الساركوزية» المتمترسة مع الطغاة، مقابل تحركات الولايات المتحدة «الأوبامية» - ومعها بريطانيا «كاميرون»- التي تبدي رغبة «مُراوغةً» في دعم إرادة الشعوب بما يتماشى مع مصالحها، هزيمة... ستتبعها هزائم عسكرية واقتصادية وثقافية قد تغير الخريطة النفسية واللغوية لبلدان المغرب، حيث يتحدث الناس باللهجات المحلية ويقرأون بالعربية ويفكرون بالفرنسية، وحتى لحظة انتصار الثورة التونسية!

الفضيحة الفرنسية تجلت في موقف وزيرة خارجية «ساركوزي»، التي اقترحت إرسال قوات فرنسية للمساعدة في قمع الشعب، إذ تربطها بـ «العائلة المالكة» التونسية علاقات تجاوزت حدود اللياقة الدبلوماسية، ما حملها على الاستقالة راغمة، الشيء الذي لا ولن ينقذ رؤوساً كثيرة في أوروبا من التدحرج تحت ضربات مقصلة الثورة العربية القاصمة! لن يكون أولها رأس «بيرلسكوني» الذي تربطه علاقات المداهنة والمال والفساد والفضائح مع القذافي وأبنائه، ولا آخرها رأس «ساركوزي» الذي قضى شهر عسله قبل زواجه في مصر على حساب «العائلة المالكة»!

ثورة الكرامة والحرية والحياة، التي زلزلت المنطقة، غيرت معادلات الوطن والإنسان، والهوية والزمان، ونسفت الكثير من القناعات والمقولات الراسخة منذ عقود في ضمائرنا وضمير الرأي العام العالمي عنّا، لكن آثار «تسوناميها» لن تقف عند ذلك، لأنها ستمتد بطوفانها لتطهر كل شيء، وتجرف من القيعان كل الطحالب الضارة والألغام القديمة المدفونة في الرمال التي تبدو ساكنة في هاتيك الأجواف السحيقة التي بنى فيها الطغاة عروشهم، فانهارت عليهم من القواعد، قواعد الطغيان الذي ينهب ولا يشبع، والاستبداد الذي لا يتسرطن إلا بالفساد، والمُلك الذي يتزاوج مع المال العام المنهوب، ليصبح هِبات في أيدي هؤلاء الخونة يوزعونها ذات اليمين وذات الشمال، دون مساءلة ولا رقيب، ولا عودة إلى الشعوب التي برهنت أنها لم تكن نائمة، وإن تمّ تغييب بعض أجيالها في أنفاق القهر المخترق خارطة السجون وفرم اللحم البشري، المتمددة بحجم خارطة وجودنا.

لم تُسْقِط هذه الثورة وخلال أقل من شهرين منظومة الديكتاتوريات التي تحكمنا وحسب، ولكنها فككت وتحت هدير سيلِها العَرِم، آليات الديمقراطيات التي تحكم الضفة الأخرى للأبيض المتوسط، والتي طالما تآزرت وتعاونت مع هؤلاء الحكام القتلة من عصابات السراق، ديمقراطيات طالما تغاضت وسكتت عن إجرامهم وولوغهم في دمائنا وآلامنا، بتمرير فزاعاتها الثلاث: «الإرهاب الإسلامي»، و «الهجرة السرية»، و «تهديد منابع الطاقة»! مبررة جرائمها الثلاث: «بيع أسلحة القمع والردع»، و «التشارك بمليارات الأمة»، و «خديعة الرأي العام الأوروبي».

الحلف بين ديكتاتوريات الجنوب، وديمقراطيات الشمال، كان ومازال من أهم العقبات الكأداء في سبيل تحرر الشعوب، ديكتاتوريات القمع والنهب وتسرطن عائلة على حساب الوطن، وديمقراطيات الكذب والنفاق والارتكاز إلى درجة التضحية بكل المبادئ والقيم، وتغييب الرأي العام الأوروبي والعالمي عن حقيقة سياساتها القذرة في دعم هؤلاء الطغاة، وخديعته بإعلام يدندن بالعداء للعرب الذين تعيش هذه الطبقة الديمقراطية الحاكمة على حساب رشاواهم ومنحهم المليونية، وتجريم الإسلام والمسلمين، وكراهية الآخر الآتي عبر المضايق في قوارب الموت، مهاجراً إلى عوالم الرفض والكراهية، التي تعيش وتنمو وتتوسع وتقوم على أكتاف صغار الآدميين، من كبار المجرمين، الذين باعوا أوطانهم بثمن بخس، ولم يفكروا حتى مجرد تفكير في أن يقبضوا... ولو بعضاً من الثمن، على غرار ما تفعله الصهيونية العالمية، وهي تشتري الضمائر والحكومات الغربية، ولكن مقابل فرض احترامها على الرأي العام، ونيل الدعم غير المشروط لجرائمها المستمرة في فلسطيننا

العدد 3142 - الخميس 14 أبريل 2011م الموافق 11 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً