العدد 1219 - الجمعة 06 يناير 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1426هـ

اقتصاد الناس!

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

ليس «اقتصاد الناس» في العنوان دلالة على مقال اقتصادي، وليس بحثاً في المستوى الاقتصادي للناس. هو محاولة للتعقل، أو السؤال عن ماهية الفهم للانتعاش الاقتصادي من كونه أداة لرفاهية الإنسان، إلى وصوله هنا مشوّهاً، مغزاه كيف نحقق اقتصاداً قوياً يقلل من أحلام الإنسان أو يمحوها؟

الناس في تجربتنا السياسية العربية مستهلكون ومستفاد منهم، واقع اليوم صنع لنا مفاهيم ذكية تحقق الانتقال إلى «العبودية الناعمة»، وإن كان دعاة الحرية والديمقراطية حين دعوا إلى استيراد مصطلحات «حرية السوق» و«الحرية الاقتصادية» كانوا قد افترضوا أن الناس هم «المستفيدون» و«الرابحون»، إلاّ أن حقيقة تجاربنا السياسية تفضي إلى نتيجة مخالفة، وهي أن «الشعب هو السوق»، وأن الإنسان هو مجرد أداة. وهذه الأداة بيد من؟ كلنا ندري، ولا نتكلم!

يذهب زيغمونت بومان إلى أن العولمة السالبة «أفلحت في نصب المعيار (الاقتصادي) - أي الربحية - معياراً أوحد في ميزان المعنى والفهم. فصار (الاقتصادي) مرادفاً للـ (موضوعي). فقلص هذا المعيار مدة صلاحية المعارف أو متوسط حظها من العمر». وهنا نجلس بتجاربنا فرحين مستبشرين!

«السوق هي الشعب» عقيدة آمنت بها حكوماتنا، بل وصلت في إيمانها حد «اليقين»، والجميع منساق خلف عقيدة السوق، والسوق لا تحب الإنسان، الليبرالية الاقتصادية تكره الإنسان، وتعتقد أنه خلف كل تدخل إنساني في عقيدة السوق (شر)، وهذا الإنسان الشرير (عدو السوق) لابد أن يتم اقصاؤه، وتحجيمه، والتقليل من مطالبه، والحد من رفاهيته المفرطة!

«الإنسان الشرير» ليس له اقتصاد، لذلك دأبت عبارات المحللين الاقتصاديين على اعتماد مصطلح «اقتصاد السوق»، وبما أن كلمة السوق هي كلمة «اقتصادية» أيضاً، فكأنما كانت الإشارة ذات مغزى مضمر وهو «اقتصاد الاقتصاد». وعندما أهملت مقالات المحليين من الساسة والصحافيين «اقتصاد الناس» وجدت انه من الضروري أن أعيدها في سياق طبيعي وغير مستهجن، وهو أن تأتي عبارة «اقتصاد الناس» بمعنى اختزال الناس، ولجم خيالاتهم وأمانيهم الأفلاطونية.

«الإنسان الشرير»، حين يكثر من إزعاجه لأصحاب السوق، ولاقتصاد السوق، ولنمو السوق، يجد خطاباً مضاداً عقلانياً، فالساسة وأرباب السوق يجدون ما يحتاجون من الحجج المستقبلية والوعود الافتراضية التي تذهب إلى أن الاقتصاد الجديد سيوفر فرص العمل الكثيرة، وسبل الانتعاش الاقتصادي المستمر!

إلا أن الحقيقة أن هذا الانتعاش هو محصور ومقنن بتلك الفئة التي لا تقمع أو تلجم حرياتها من الناس، أي أنهم تلك الفئة المستثناة من الناس الذين تم فعل «الاقتصاد/ الاختزال» لأمانيهم وطموحاتهم. فالوعود الاقتصادية الطويلة الأمد حد الملل، هي ذاتها وعود الإسلاميين المتشدّدين لمنفذي العمليات الإرهابية من الحمقى، والتي تبشرهم بأنهم سيتناولون وجباتهم مع الأنبياء والصديقين والشهداء. وإلاّ، فما هو الفرق!

في النموذج البحريني مثلاً: «فورمولا »، «جزر الاستثمار الجديدة باختلاف أصحابها وأماكنها»، «مرفأ البحرين المالي»، والكثير من الأبراج الاقتصادية الكبرى التي تملأ العاصمة المنامة، إلاّ أن الناس مازالوا لا يجدون أعمالاً لائقة، ومازالت الرواتب كالمعتاد، ومازال خريجو جامعة البحرين عاطلين إلاّ من رحمة «الواسطة»، وسعر الدينار البحريني مازال ثابتاً أمام شتى العملات الأجنبية!

ببساطة، ثمة سؤال: أين هذا الانتعاش الذي يتحدثون عنه، ومتى تحديداً يأتي؟

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1219 - الجمعة 06 يناير 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً