العدد 1229 - الإثنين 16 يناير 2006م الموافق 16 ذي الحجة 1426هـ

المخابرات الألمانية كانت أذن وعين أميركا في حرب العراق

سهّلت التسلل الإسرائيلي إلى إيران والدول العربية

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

هل كانت سياسة المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر تجاه حرب العراق ذات وجهين؟ المعلومات التي تشغل اهتمام وسائل الإعلام الألمانية منذ أيام تكشف عن وجه آخر غير ذلك الرفض القاطع للحرب الذي حول شرودر في عيون الشعوب العربية إلى بطل وقف في وجه الرئيس الأميركي جورج بوش. وإذا ثبتت صحة التقارير التي تقول إن عملاء المخابرات الألمانية (بي أن دي) قدموا معلومات مهمة للأميركيين وأهداف محددة كي يجري ضربها من الجو، فإن ألمانيا ستفقد صدقيتها نهائيا تجاه الدول العربية ولاسيما أن هناك معلومات أخرى لا تقل خطورة نشرت في ألمانيا خلال عطلة نهاية الأسبوع، ذكرت أن المخابرات الألمانية زودت عملاء الموساد الإسرائيلي بجوازات سفر ألمانية ليسهل للإسرائيليين الدخول وممارسة نشاطاتهم في بلدان عربية، إضافة إلى إيران.

مستشار الحرب لا السلام

لا تشعر المستشارة الألمانية الجديدة أنجيلا ميركل أن هذه الفضيحة ستؤثر عليها، فمن جهة كان موقفها تجاه حرب العراق واضحاً من حيث التأييد، لكن الموقف الذي أعلنه شرودر وقتذاك كان رفضه الحرب، بل راح علناً يحذر من وقوعها حسبما هو معروف. لكن التاريخ سيتحدث عن ألاعيب المستشار ومجموعة الأشخاص الذين كانوا على صلة وثيقة به وأبرزهم فرانك فالتر شتاينماير الذي يشغل اليوم منصب وزير الخارجية منذ شهر. وقد صدرت مطالبات كثيرة بإقالته من منصبه، وليس وزير الداخلية فولفجانج شويبلي الذي صعق الرأي العام الألماني قبل وقت قصير حين أعلن عن تأييده لاستخدام التعذيب عند استنطاق الذين يوصفون بالإرهابيين. والسبب أن شتاينماير لم يحصل على الوقت الكافي لارتكاب خطأ ولكن الضغط الذي يتعرض له بسبب الماضي حين كان يشغل منصب وزير المستشارية ومهندس السياسة الخارجية التي عمل بها المستشار السابق شرودر. ويعتقد شتاينماير أنه سيصمد في وجه الحملة المناهضة له، خصوصاً أن المعارضة التي تتألف من الأحزاب الصغيرة تطالب بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية. ونتيجة لما أفادت التقارير المنشورة من أن ألمانيا شرودر لم تكن محايدة في حرب العراق، بل كان عملاؤها في العراق الساعد الأيمن للقوات الأميركية حين بدأت حملتها العسكرية في مارس/ آذار 3002 للإطاحة بنظام صدام حسين. وهكذا أصبح يتعين على المؤرخين أن يعيدوا كتابة تاريخ كل ورد عن دور ألمانيا في هذه الحرب. ولا يتعرض أحد من أعضاء حكومة ميركل إلى ضغط مثلما يتعرض وزير الخارجية، الذي يعلم أن خسارته الجولة تعني خسارته منصبه، لكنه لن يكون الخاسر الوحيد. في الوقت الحالي يجلس شتاينماير في قفص الاتهام، لكن أيضا نيابة عن حكومة الائتلاف الاشتراكي الأخضر السابقة وبصورة خاصة المستشار السابق شرودر، الذي رفع في الحملة الانتخابية السابقة شعار مستشار السلام، واليوم نعرف أنه كان يستحق لقب مستشار الحرب. مما لاشك فيه أن وزير الخارجية الألماني الجديد هو اللاعب الأساسي الذي تسلطت عليه الأضواء للكشف عن جوانب الفضيحة السياسية التي قد تسقط حتى ورقة التوت عن الحكومة السابقة. ففي نهاية الأسبوع الماضي ذكرت المجلة التلفزيونية (بانوراما) أن المخابرات الألمانية زودت الأميركيين بمعلومات عن أهداف في العراق، وقام عميلان ألمانيان بنقل هذه الأهداف المحددة مباشرة إلى الاستخبارات العسكرية الأميركية (ةء). واعترف مسئول سابق في وزارة الدفاع الأميركية للتلفزيون الألماني أن العملاء الألمان وفروا الدعم المباشر للعسكريين الأميركان، وقال: «لقد قدموا لنا معلومات عن أهداف».

شرودر كذب على الألمان

وهكذا فجر المسئول الأميركي قنبلة سياسية مدوية لأن المؤرخين كتبوا أن المستشار شرودر عارض الحرب، وسجلوا عبارته الشهيرة عشية وقوعها: «لن تشارك ألمانيا في هذه الحرب». هذا الموقف ساعده في الفوز بالانتخابات العامة في سبتمبر/ أيلول 2002 وحصلت حكومة الائتلاف الاشتراكي الأخضر على ولاية جديدة لأن الناخبين كانوا يعارضون هذه الحرب وصدقوا شرودر. وقالت مجلة «دير شبيغل» في عددها الأخير: «اليوم نعرف أن شرودر كذب على الشعب الألماني. فحين كان يعلن في كل مناسبة رفضه لحرب العراق ويؤكد امتناع ألمانيا عن المشاركة فيها، كان عملاء المخابرات الألمانية يشاركون نيابة عن ألمانيا في الخفاء في هذه الحرب. حصل وأن وقع أكثر من مواطن ألماني في قبضة جماعات عراقية سرعان ما أفرج عنهم لأن الكثير من الجماعات العراقية المناهضة للاحتلال الأميركي سجلت بامتنان موقف ألمانيا. كما أفرج عن مواطنين غربيين قالوا لخاطفيهم إنهم ألمان. ومنذ الإفراج عن سوزانه أوستوف التي قيل أولا أنها عالمة آثار ثم نشطة في جمع المساعدات الإنسانية، تبين أنها كانت متعاونة مع المخابرات الألمانية، وكل يوم يجري الكشف عن معلومات جديدة. بعد توزيع الأدوار، شرودر وفيشر يتهمان بوش وانتشار الشعور أن الصداقة الأطلسية بدأت تتكسر بسبب الخلاف بشأن حرب العراق، فإن التقارير الأخيرة تشير إلى أن التعاون الذي تم في ذلك الوقت بين أجهزة المخابرات كان وثيقاً حتى أن الولايات المتحدة منحت العميلين الألمانيين في العراق وسامين. الجدير بالملاحظة أن ظهور المعلومات الجديدة تم قبل ساعات قليلة من بدء المستشارة ميركل زيارتها الأولى للولايات المتحدة. وفي أول رد لها على ما نشر قالت أنها ستطلب وضع رقابة برلمانية على نشاطات أجهزة الاستخبارات الألمانية. أما الرئيس بوش فقد حاول التقليل من أهمية المعلومات التي لم تعد سراً، وقال رداً على سؤال وجهه أحد الصحافيين: «علمت اليوم بذلك فقط وكما تعلم فإن أجهزة الاستخبارات تنقل معلومات سرية وينبغي أن تظل هذه المعلومات سرية». ثم ضحك بوش، كما كان يفعل كلما حشر في الزاوية، إذا لم يكن بوش على علم بدور المخابرات الألمانية في العراق خلال الحرب، من المؤكد أن كبار المسئولين العسكريين الأميركيين كانوا على علم بذلك، نظراً لأهمية المعلومات التي كانوا يحصلون عليها من العميلين الألمانيين. وفيما تجرى مناقشات في برلين، يشير المحللون إلى أن الخاسر الكبير سيكون الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إليه شرودر ووزير الخارجية الحالي شتاينماير الذي يحاول تهدئة النقاش ويستخدم فلسفة الدفاع عن الموقف الذي أرغمت عليه الحكومة الألمانية على حد تعبيره، لأنها على رغم معارضتها لقرار الحرب فإنها لم ترغب في تعريض التحالف الأطلسي إلى خطر، وترتب عليها دفع ثمن ذلك بمساعدة الأميركيين. حتى بعد فوزه بولاية ثانية في منصبه في سبتمبر 2002 ظل شرودر يدّعي معارضته الحرب ويرفض مشاركة بلاده فيها، ثم بدأت وسائل الإعلام تكشف تدريجياً عن الدعم الألماني الذي لم يعلنه شرودر: ­ موافقة ألمانيا على قيام جسر جوي يستخدمه الأميركيون بين ألمانيا والخليج. ­ قيام القوات المسلحة الألمانية بتوفير الحماية للقواعد العسكرية الأميركية التي فرغت من جنودها. ­ إرسال مصفحات من طراز (فوخس) إلى الكويت مجهزة بمختبرات لتقفي أثر الأسلحة الكيماوية. ­ مواصلة ألمانيا عملها في عملية الحرب المناهضة للإرهاب. كل هذه الأمور لم تكن في نظر شرودر، مشاركة ألمانية في الحرب، ولكن في اجتماع سري عقدته الحكومة الألمانية وافقت على المشاركة في الحرب، إذ تم الحديث مطولاً عن ضرورة مساندة الولايات المتحدة نتيجة لهجمات 11 سبتمبر 1002. وحدهم العاملون في المخابرات الألمانية كانوا على يقين أن شرودر وفيشر لم يكونا يتحدثان بلسانين صادقين مع الشعب الألماني. ففي الخفاء كان الأجهزة الألمانية والأميركية تعمل في تعاون لم يسبق له مثيل في تاريخ العلاقات بين الحليفين. وكثير من كبار الموظفين العراقيين السابقين في مؤسسات الدولة تمكنوا من الفرار إلى ألمانيا، إذ كان عملاء المخابرات الألمانية في استقبالهم وقاموا باستجوابهم سوياً مع عملاء الاستخبارات الأميركية. هكذا حصل الألمان والأميركان معاً على معلومات مهمة جداً عن العراق، وعرفوا قبل غيرهم أن العراق المنهك في ظل حصار طويل غير قادر على المواجهة العسكرية، وانما هو نمر من ورق. وحتى حين كان شرودر ينتقد بوش بصوت عال في حملته الانتخابية العام 2002 كان الألمان ينشطون مع الأميركان على عدة جبهات. فقد توجهت وحدة عسكرية من القوات الألمانية الخاصة (ثسث) إلى أفغانستان لتعقب أثر أسامة بن لادن والملا عمر. وتم إرسال فرقاطات إلى جيبوتي لحراسة المياه قبالة الساحل لشل حركة التهريب التي تتم عبر البحر. وحين غادر السفير الألماني في بغداد، كلود روبرت إلنر العراق، بعد بدء الغزو بوقت قصير قيل إن السفارة الألمانية أغلقت أبوابها وظل فيها حارس عراقي وكلب (شيفر) ألماني. بينما انتقل عميلا المخابرات الألمانية للعمل في مقر السفارة الفرنسية، وأصبحا منذ ذلك الوقت عيناً وأذناً في خدمة الولايات المتحدة. وقدم العميلان للأميركان معلومات عن وجود صدام حسين وولديه عدي وقصي في مطعم في حي المنصور، فقام هؤلاء على الفور بالتحليق فوق المكان ورموه بقذيفة زنتها 009 كغ، قضت على عدد كبير من المدنيين ولم يكن صدام وولداه في المكان. في المؤتمر الصحافي الذي عقده بوش في البيت الأبيض بعد انتهاء محادثاته مع المستشارة ميركل، سئل عما إذا كان التحادث مع ميركل أفضل من شرودر الذي عارض حرب العراق. أجاب بوش ضاحكاً: «بلغوا سلامي إلى شرودر وأرجو أن يكون في أطيب حال»

العدد 1229 - الإثنين 16 يناير 2006م الموافق 16 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً