العدد 2451 - الجمعة 22 مايو 2009م الموافق 27 جمادى الأولى 1430هـ

أوباما والرؤية الأميركية في «الشرق الأوسط»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل أنهت الإدارة الأميركية مرحلة الاستطلاع وبدأت تستعد للدخول في طور إعادة قراءة ملفات «الشرق الأوسط الكبير» وترتيب أولوياتها في الفترة المقبلة؟

الجولات الاستكشافية التي قام بها الموفدون إلى باكستان وأفغانستان وتركيا والعراق ودول الخليج ومصر وسورية والأردن ولبنان وفلسطين و«إسرائيل» خلال الشهور الثلاثة الماضية أرسلت إشارات إيجابية توحي بوجود سياسة واقعية في التعامل مع الملفات الساخنة أو تلك التي مضى عليها عقود من الزمن. فالجولات الاستطلاعية قدمت معلومات ميدانية عن مشكلات بات من الخطأ الاستمرار في تأجيلها لأن تأخيرها يعني المزيد من الاضطرابات والكثير من التداعيات السلبية.

الرئيس باراك أوباما منذ تسلمه مقاليد السلطة في واشنطن أطلق الكثير من الوعود انطلاقا من رؤية نقدية لسياسة إدارة جورج بوش التي أورثت البيت الأبيض كوارث ساهمت في تلويث سمعة الولايات المتحدة ما كان له أثره السلبي على موقعها الدولي ودورها في الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية في العالم. وشكلت ملفات «الشرق الأوسط الكبير» نقطة الضعف الرئيسية في سياسة «تيار المحافظين الجدد» بسبب اعتماد واشنطن استراتيجية هجومية قوضت الاستقرار وفتحت المنطقة على متغيرات أدت إلى زعزعة الكثير من التوازنات التقليدية ودفعت بعض القوى الإقليمية إلى الأمام وضغطت على قوى إقليمية أخرى للتراجع والانكفاء عن لعب دورها في إطار معادلات «الشرق الأوسط».

هذه السياسة الهجومية الأميركية كسرت الكثير من المعادلات التقليدية وساهمت في تعديل زوايا الصورة الإقليمية فأضعفت عن قصد أو غير قصد بعض الدول العربية وأدت إلى غياب هوية العراق العربية عن خريطة «الشرق الأوسط» وفرضت أولويات قلبت تلك الأنماط المتعارف عليها بين دول المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فالهجوم الأميركي العشوائي لم تقتصر سلبياته على موقع الولايات المتحدة ودورها وإنما أضعف القوى الإقليمية التي كانت على صداقة تقليدية مع واشنطن.

مشكلة أوباما مزدوجة. فهي من جانب تتطلب من إدارته تصحيح الصورة الأميركية وإعادة الحياة لدور الولايات المتحدة في العالم كذلك تتطلب من جانب آخر إعادة قراءة ملفات «الشرق الأوسط» وترتيبها من جديد وفق جدول أولويات يعطي أهمية خاصة للموضوع الفلسطيني ومشروع التسوية في المنطقة. فهل توصل أوباما بعد مرحلة الاستطلاع إلى تكوين تصورات مبدئية ترسم خطته الاستراتيجية الأولية في التعامل مع ملفات «الشرق الأوسط الكبير»؟ الزيارة التي سيقوم بها إلى مصر في 4 يونيو/ حزيران المقبل تعتبر مهمة لكونها تؤشر إلى الكثير من الزوايا السياسية. فاختيار القاهرة محطة جغرافية للإعلان عن تصوره الجديد لكيفية معالجة الملف الفلسطيني وما يتصل به من أوراق إقليمية وجوارية له بعده الرمزي في التأكيد على موقع مصر ودورها الإقليمي في المساعدة على احتواء الملفات وضبطها في سياق متوازن بالتعاون مع السعودية ودول الخليج العربية. وهذا المؤشر الرمزي يمكن ربطه بدعوة الرياض للمشاركة في «قمة دول العشرين» التي تراهن عليها الإدارة الأميركية لاستيعاب تداعيات أزمة النقد العالمية وما أسفرت عنه من نتائج اقتصادية بسبب ذاك الانهيار الكبير في الأسواق الدولية.

إعادة الاعتبار لموقع مصر السياسي في دائرة «الشرق الأوسط» المعطوف على إعطاء السعودية دورها الاقتصادي في إطار الأزمة النقدية ترسل إشارة بشأن التوجهات الأميركية المحتمل الإعلان عنها رسميا بعد الانتهاء من جولات الاستكشاف والاستطلاع.


تصحيح المعادلة

التصحيح الأميركي للمعادلة الإقليمية يرجح أن يمر بمخاض ميداني بسبب حصول متغيرات ساهمت إدارة بوش عن قصد أو غير قصد في تعطيلها أو كسرها وتحطيمها كما حصل في العراق وأفغانستان. فأوباما يدرك أن مهمته صعبة لأنه لا يستطيع إعادة الاعتبار للتوازنات السابقة وتعويم المواقع الإقليمية التي تعرضت للضرب والضغط وفرض على بعضها التراجع والانكفاء من دون أن يأخذ في الاعتبار مجموعة تحولات طرأت على المحيط الجواري للعراق وأفغانستان.

العراق الآن لم يعد كالسابق وهناك عقبات طائفية ومذهبية ومناطقية وأقوامية تعرقل احتمال إعادته إلى هيئته العربية أو إلى موقعه الإقليمي المركزي في خريطة المنطقة السياسية. وهذا المتغير في هيكل الدولة العراقية أنتج مجموعة تحولات ميدانية يصعب إعادة كسرها أو تطويعها من دون كلفة مادية وبشرية.

تصحيح المعادلة العراقية بات موضعيا من الأمور المستحيلة في الظروف الراهنة وخصوصا أن بلاد الرافدين تستعد للتكيف مع تداعيات مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي في نهاية العام 2011. لذلك يصبح التعامل مع المستجدات المحيطة بالعراق نقطة إضافية تثقل برنامج أوباما وتصوراته الإقليمية. الأمر نفسه ينسحب على المعادلة الأفغانية وما تتطلبه من حركة تصحيحات تتصل بالموقع الباكستاني ودور إسلام آباد الإقليمي في ضبط تداعيات الانهيار الذي أخذ يزعزع منظومة العلاقات بين دول الجوار.

أوباما الذي أرسل خلال الشهور الثلاثة الماضية الكثير من السفراء والوزراء والنواب في الكونغرس لاستكشاف خريطة الطريق ورسم خطط جديدة قادرة على استطلاع موازين القوى وتحديد نقاط القوة والضعف لابد أنه توصل إلى صوغ استراتيجيته في «الشرق الأوسط الكبير» بناء على توصيات التقارير وما أنتجته من قراءات نقدية لتلك الملفات الساخنة أو الباردة. وهذه التصورات المحتمل أنها وصلت إلى طور الوضوح سواء على مستوى إعادة القراءة أو على مستوى ترتيب الأولويات لا بد أن يعلن أوباما عن خطوطها العريضة في القاهرة.

المنطقة لا شك تغيرت بقرار أميركي مبرمج أو من دون وعي للحسابات التي تتحكم بآليات سياسة الدول وإدراك لطبيعتها وجغرافيتها وتاريخها وثقافتها. وما حصل في السنوات الثماني الماضية من تحولات خارج المألوف حطم التوازنات وكسر زوايا الصورة وأنتج ميدانيا مجموعة مواقع إقليمية تطمح للتنافس في لعب دور مركزي في صوغ هيئة «الشرق الأوسط الجديد». وهذا الجديد في المعادلة يضغط على واشنطن لأخذ حصته في مرحلة انتقالية تمر بها المنطقة وتحديدا تلك الأطر في المحيط العراقي أو الجوار الأفغاني.

الجواب عن السؤال تحتكره إدارة أوباما لأنه يتصل بمجموعة احتمالات منها إعادة تعويم المعادلة الإقليمية السابقة، أو توزيع معادلة القوة على محورين إقليميين، أو الاستمرار في سياسة بوش التي كادت أن تكسر نهائيا التوازنات التقليدية وتنتج بدائل تحتكر الدور الإقليمي في «الشرق الأوسط الكبير».

الاحتمال الأخير تراجع بعد رحيل بوش عن إدارة البيت الأبيض وهذا يعني أن أوباما بات إمام احتمالين: تعويم المعادلة التقليدية وإعادة تنشيط دور القوى العربية الإقليمية على المستويين السياسي والمالي، أو توزيع توازن القوة بين طرفين ما يؤدي إلى ترسيم خريطة تحالفات جديدة في سياسة التعامل مع ملفات «الشرق الأوسط» الساخنة أو الباردة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2451 - الجمعة 22 مايو 2009م الموافق 27 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً