العدد 1232 - الخميس 19 يناير 2006م الموافق 19 ذي الحجة 1426هـ

في زمن الإنترنت نعامل الأطفال كالمتخلفين عقلياً

العيـد... ومسرحيات الهمبكـة!

سلمان صالح تقي comments [at] alwasatnews.com

.

دأبت بعض المؤسسات الفنية عندنا على تقديم أعمال مسرحية واستقدام «الفرق المسرحية» لتقديم «مسرحياتهم» في الأعياد والمناسبات. وهذا من حقهم، كما أن من حقهم اختيار ما يناسبهم من تلك الفرق، ومن حقنا توضيح بعض الملاحظات بشأن ما تحمله تلك الأعمال من اسفاف وجهـل بأبسط قواعد المسرح... كما أن من حقنا أن ننبـه إلى خطورة انعكاس تلك المهازل التي ستخلق مستقبلاً جمهوراً تافهاً لا يحترم المسرح ولا القائمين عليه، وتدمّر حاسة التذوق الفني لديه، بل وتجعل من هذا المسرح مكاناً للإرتزاق والضحك على الذقون وسط جو من التهريج السمج والفوضى المبتذلة. جميل جداً احياء المناسبات وادخال الفرح على قلوب الناس، ولا بأس من استقدام الفرق من الخارج للمشاركة في ذلك... ولا يوجد من ينكر ذلك، فلنعمل على دعم ذلك التوجه من دون أن نغفل عن ترشيده وتنقيته من الدخلاء الذين لا هم لهم سوى المكاسب المالية، وبعض هؤلاء وجد في المسرح ضالته فصار يحمل بضاعته الفاسـدة من بلد الى بلد بعد أن رفضته بلاده وانفض عنه مواطنوها. فهل وجدوا عندنا الجمهور الساذج الذي يمكن «كروتـته»؟ بحسب ظني فإن وزارة الإعلام تقرأ نصوص تلك المسرحيات ­ ان كانت لها نصوص أصلاً ­ وليسمحوا لي بسؤالهم: هل هذه تتماشى مع دوركم المطلوب في رعاية الفنون؟نحن لا نطالبكم بالمنع (فهذه مفردة ثقيلة)، لكننا نرجوكم اخضاعها للجنة اجازة النصوص، أسوة بلجان مماثلة في وزارات الإعلام في بعض دولنا العربية، إذ تخضع الأعمال الفنية، حتى الأغاني، لاجازة الصالح منها ورفض ما دون المستوى. فهل مرت هذه المسرحيات على اللجنة فرأتها «مقبولة فنياً»؟ ان ما نشهده على المسرح لا يعدو كونه تهريجاً مفتعلاً تتخلله بعض الأغنيات السمجة وسط (نـط ومطابـب) يقصد به «الرقص»، ثم يقفل الستار وتطير الطيور بأرزاقها، لن نتطرق إلى الموضوعات التافهة والفقر الفني لتلك المسرحيات، بل ان ما يتوجب الوقوف عنده هو ما يحمله ذلك التهريج من سلوكيات خارجة عن الذوق والذرابة... وخصوصاً عند تقديم مسرحيات موجهة «للأطفال». وأرجو أن تلاحظوا مرة أخرى أنها موجهة للأطفال، فماذا تحمل من مضامين وكيف تنحرف الى خلق جمهور فوضوي تافـه لا يحترم المسرح ولا مرتاديه. تسألون كيف؟ حسناً، لا شك في أنكم شاهدتم كيف تم الاستغلال الغبـي لمفهوم «مشاركة المشاهد في العرض المسرحي» حين يتعمد أحد الممثلين (وغالباً ما يكون شريراً) الجلوس في زاوية مكشوفة من المسرح ويخرج علينا ممثل آخر بحجة البحث عنه، فيتوجه بسؤاله إلى الأطفال: «وين راح... ما شفتوا وين انخش؟» فتنفجر القاعة بالصراخ المدوّي: «هناك هناك وراء الكرسي» فيتكرر السؤال: «وين؟» يتعالى الصراخ بشكل أكثر ازعاجا «هناك... هناك».وتستمر المهزلة وتسود الفوضى حين يتبرّع بعض الأطفال بالجري بين المقاعد وهم يصرخون «هناك... هناك»، أو كما نشاهد كثيراً افتعال مشهد يطلب فيه «الشرير» من الشخص الآخر (الطيب) أن يسامحه على ما فعل، فيصرخ الممثل كالنادبة «شرايكم آسامحه». وهنا تنفجر قاعة المسرح بالصراخ ويهبّ الأطفال بالوقوف ملوّحين بأياديهم (سامحه... سامحه).ولا يكتفي الممثل بهذا الهرج فيرفع صوته بالصراخ، ويضع يده خلف أذنه: (ما اسمع... آسامحه)، فيرتفع الصراخ وتعم الفوضى على حساب أعصاب من تجرأ باصطحاب أطفاله لحضور تلك «المسرحيات»، ما يحمله على أن يلعن اليوم الذي وافق فيه على ذلك، هذا مثال يتكرر ويتزايد بكل ما يحمله من سذاجة و«ثقـالة دم»... بل وصل الأمر في بعض المسرحيات إلى نزول الممثلين من المسرح والجري في الصالة بين المقاعد والمشاهدين. وبالطبع يترك الأطفال مقاعدهم ويجرون وراء الممثل للحديث معه وهو يوجه لهم الأسئلة السخيفة مثل: «هل تذهب إلى المدرسة؟شاطر... لازم كلنا نروح المدرسة، من يقول لي ليش نروح المدرسة؟» فيتدافع الأطفال وراءه وهم يتصارخون: (حتى ندرس... حتى نتعلم)، أرأيتم كيف ننحدر إلى مستوى معاملة الأطفال كالمتخلفين عقلياً في زمن الإنترنت، نروح المدرسة حتى نتعلم، الله أكبر... ما هذه الفصاحة؟، أيها السادة والسيدات من الممثلين والممثلات: ما هو مفهمومكم ومعلوماتكم عن المسرح ومتطلبات العرض المسرحي؟ من أين جاءتكم هذه العبقرية التي تتمتعون بها ولا حسد؟، هل تدركون مدى الضرر الذي يلحق بهؤلاء الأطفال الأبرياء وأنتم تحطمون كل مظاهر الاحترام للمسرح؟ هل تنظرون إلى احترام المسرح كركن أساسي لاحترامكم شخصياً، أم أن التجارة في نظركم «فهلوة» وشطارة؟ هـل تتكرمون بالتدارس فيما بينكم عن أثر تلك السلوكيات على جمهور المسرح مستقبلا؟ أرجو قبل أن تجيبوا على ذلك أن تدرسوا من جديد أوضاع المسارح وما تقدمه في الدول المحترمة ولا أقل من أن تحاولوا تصحيح مساركم... وإلاّ دعوا الخبز لخبازه، هـذا هـوالمسـرح، تمـر بالواحد منا عبارات تسحرنا بلاغتها فيقذفها العمق وتحفرها الجزالة في الركن البعيد من ذاكرتنا، من دون حاجة إلى قلم وقرطاس. من تلك العبارات جملة قرأتها منقوشة على الحائط فوق الباب الذي يدخل منه الممثلون في أحد المسارح في لندن... تقول العبارة: «من خلال هذا الباب دخل الفنانون صغاراً وخرجوا كباراً». إذا استثنينا المسرح القومي بالقاهرة، فهل يستحق أي مسرح في وطننا العربي أن نطلق عليه هذا الوصف؟، أليس هذا الجواب أبسط من الإجابة على السؤال العميق: «ليش نروح المدرسة»؟، * كاتب بحرين

إقرأ أيضا لـ "سلمان صالح تقي"

العدد 1232 - الخميس 19 يناير 2006م الموافق 19 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً