العدد 1234 - السبت 21 يناير 2006م الموافق 21 ذي الحجة 1426هـ

الأمير الإنسان

علي يوسف المتروك comments [at] alwasatnews.com

رجل اعمال كويتي

منذ أن ظهر - رحمه الله وطيّب ثراه - وأخوه سمو الشيخ صباح الأحمد وهما غلامان صغيران بصحبة والدهما المرحوم الشيخ أحمد الجابر، تعلقت أنظار الكويتيين بهذين الغلامين. وقال العارفون إن والدهما المرحوم أحمد الجابر يعدهما لأمر عظيم، وهكذا كان. وهذا يذكرني بقول الشاعر العراقي المعروف المرحوم السيدحيدر الحلي في إحدى قصائده:

تفرسن بي المرضعات مهابة

فما حدثتهن الظنون بباطلِ

رأين على وجهي ضراوة ضيغم

وجرأة مقدام وسطوة باسلِ

عرف الكويتيون الأمير والأب الراحل الشيخ جابر الأحمد منذ أن كان محافظاً للأحمدي، ثم وزيراً للمالية، وولياً للعهد، ورئيساً لمجلس الوزراء، ثم أميراً للبلاد. والحديث عن هذا الرجل لا ينتهي، أو يوجز في مقال، أو حتى في كتاب، وخصوصاً لمن عايشه عن قرب، وعمل معه مدة لا تقل عن عشرين عاماً، إنه يمثل الوفاء بأحلى صوره، وحتى عندما تركت العمل بالحكومة، كنت إذا جئت لزيارته يتخطى البروتوكول فيعطيني الأولوية للدخول عليه، حتى وإن كان جدول أعماله أو مواعيد استقبالاته مزدحماً بالوزراء وكبار مسئولي الدولة.

وفي إحدى زياراته الرمضانية في الديوانية، قال رحمه الله: سألني أولادي؛ هل تعرف علي المتروك؟ فأجبتهم: نعم، كنا نعمل سوياً في وزارة المالية. ولم يقل عني إني كنت أعمل تحت إمرته. وهذا ينم عن أدب جمّ، وتواضع وخلق رفيع.

في اليوم الأول لاستقبال المعزين بوفاته في قصر بيان، وفيما أنا متوجه إلى تقديم العزاء إلى الأسرة الكريمة، رأيت الشوارع وقد سُدَّت، وامتلأت بجموع المعزين والحزن بادٍ على الوجوه، وقد ازدحمت الطرق بالسيارات، حتى إن أكثرهم ترك السيارة وذهب ماشياً على قدميه لتقديم العزاء. فسألت نفسى: من حرّك هذه الجماهير؟ ومن طلب منها أن تأتي بهذه الكثافة؟ طبعاً لا أحد. فليس عندنا في هذا البلد الطيب مثل هذه الضغوطات على الناس حتى يفعلوا ما هم مكرهون عليه. لكنه الحب والوفاء لمن أحبهم، وعمل من أجلهم. وفي خضم هذا المشهد، رجعت بي الذاكرة إلى الوراء سنين عدة، لأتذكر حديثاً جرى بيني وبين الراحل الكبير رحمه الله حين قلت له: من السهل على المسئول أن يخيف الناس بجبروته وسلطانه، لكن من المستحيل أن يجعلهم يحبونه، ففي كل إنسان منطقة حرة هي القلب، لا يملكها إلا الله، والله سبحانه وتعالى هو الذي يحول بين المرء وقلبه.

في صبيحة الأحد، حين أُعلن النبأ، اتصل بي أخي الفاضل السيد عبدالعزيز أحمد البحر، وكنا قد عرفنا الراحل الكبير، وعملنا معه سوياً، فقال وهو يبادلني التعازي ويغالب حزناً شديداً: إنني أشعر أن ذكرياتي قد ماتت بموت هذا الراحل الكبير.

فقلت له: إن الذكريات لا تموت، لكنها تأخذ بعداً عميقاً مع موت من أحببناه، حتى تصبح جزءاً من كياننا وتراثنا، وهي تزداد حنواً وأصالة مع مرور الأيام.

الحديث عن هذا الأب الحنون والراحل الكبير والغائب الحاضر لا ينتهي، والخسارة فيه لا تعوّض، ولكننا نقول ما قاله المصطفى صلى الله عليه وآله حين فقد ابنه إبراهيم: «إن العين لتدمع والقلب ليخشع ولا نقول ما يغضب الرب».

ولنا في سمو الرئيس والأسرة الكريمة خير عوض. «إنا لله وإنا إليه راجعون».

رجل أعمال كوي

إقرأ أيضا لـ "علي يوسف المتروك"

العدد 1234 - السبت 21 يناير 2006م الموافق 21 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً