العدد 1236 - الإثنين 23 يناير 2006م الموافق 23 ذي الحجة 1426هـ

إيهود باراك مارس الإرهاب شخصياً ضد الفلسطينيين

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

في الساعة الرابعة فجر الخامس من سبتمبر/ أيلول العام ،1972 تسلل ثمانية رجال عرب يرتدون سترات رياضية حمراء اللون إلى القرية الأولمبية في ضاحية أوبرفيزينفيلد بمدينة ميونيخ. وحين تسلقوا السور ساعدهم بعض الرياضيين الأميركيين الذين أمضوا ليلتهم خارج القرية الأولمبية. في مثل هذا الوقت كان العالم منشغلاً بالألعاب الأولمبية. الرجال الثمانية دخلوا أراضي ألمانيا بجوازات سفر مزورة ولم ينتبه أحد إلى أنهم يحملون أسلحة هربوها معهم إلى داخل القرية الأولمبية في ظلمة الليل. بنادق كلاشينكوف وقنابل يدوية وأحزمة رصاص. بعد ربع ساعة فتح قائد الوحدة الفدائية الفلسطينية باب الشقة رقم واحد للفريق الأولمبي الإسرائيلي ولم يكن أحد يحرس الشقة لا من الأمن الألماني ولا الأمن الإسرائيلي. اسم قائد الوحدة، عيسى، كان يبلغ 35 سنة من العمر، وصف بأنه صاحب أعصاب قوية وكان قد درس في ألمانيا الغربية ويتكلم اللغة الألمانية بطلاقة. كان على دراية بالمواقع في القرية الأولمبية لأنه عمل في المكان بعض الوقت. غطى وجهه بمسحوق أسود يستخدم في طلاء مسح الأحذية ووضع قبعة ليخفي ملامح وجهه. أما رفاقه السبعة فقد انضموا إليه فقط قبل وقت قصير على بدء إجرأ عملية فدائية نفذها الفلسطينيون وكانوا قد تدربوا في مخيم شاتيلا في جنوب مدينة بيروت ثم في ليبيا. حصل أول صراع بين أحد أعضاء الوحدة وكان يدعى محمد صفدي ومدرب إسرائيلي انتهى بمقتل الأخير. بعد ساعة ظهر شرطي ألماني بعد ورود شكوى بسماع طلقات نارية وفوجئ بجثة المدرب الإسرائيلي. في هذا اليوم ومع بدء العمل بالإرسال التلفزيوني المباشر شهد العالم على هامش الألعاب الأولمبية فصلا من فصول الحرب الفلسطينية الإسرائيلية إذ انتقلت لأول مرة إلى وسط أوروبا. حتى مساء ذلك اليوم ظل أعضاء الفريق الإسرائيلي بقبضة الوحدة الفدائية الفلسطينية. في كتابه الذي يحمل عنوان «يوم في سبتمبر» يقول الصحافي البريطاني سايمون ريف إن قائد الوحدة الفلسطينية سعى لتلطيف الجو بعد أن تم تقييد أيدي وأرجل الرهائن الإسرائيليين وطلب منهم أن يقصوا بعض النكات. في هذا الوقت بات مطلب الفدائيين واضحاً: الإفراج عن 334 أسيراً فلسطينياً تعتقلهم «إسرائيل» ومن ألمانيا الإفراج عن زعيمي جماعة ألمانية متطرفة: أولريكه ماينهوف وأندرياس بادر. رفضت «إسرائيل» طلب الفلسطينيين على الفور بينما راحت ألمانيا تنتظر. كانت ألمانيا الغربية التي تسعى في ذلك الوقت لتعزيز دورها في السياسة العالمية سعيدة جدا باستضافتها الألعاب الأولمبية. من خلال المستشار فيلي برانت الذي تعرض للملاحقة إبان حكم هتلر، كان هدف ألمانيا أن تقدم للعالم صورة إيجابية تحل مكان صور ألمانيا النازية وأن يرى العالم برمته التغيير الكبير الذي حصل في الشطر الغربي من ألمانيا وكيف أنها باتت دولة ديمقراطية. بينما اهتم الألمان بالتنظيم تجاهلوا الإجراءات الأمنية إذ استغل الفدائيون الثغرة. قيل إن ألمانيا أنفقت مليوني دولار على الأمن في حين أنفقت اليونان في العام 2004 مليار دولار. من افتعل مشكلة في أحد الملاعب كان رجال الشرطة الألمانية يضعون بعض الورود بيده. أعضاء الوحدة الفدائية كانوا ينتمون إلى تنظيم (أيلول الأسود) الذي تأسس نتيجة للحرب الأردنية الفلسطينية العام .1970 كان المهاجمون بصدد السفر مع الرهائن إلى القاهرة والإفراج عنهم في أرض الكنانة. لمح الألمان بالاستجابة لمطلبهم وأرسلوا إلى القرية الأولمبية مروحيتين لتحملاهم إلى مطار(فورستن فيلدبروك) إذ كانت تنتظرهم طائرة بوينغ 727 لكن الخطة الألمانية لم تكن تقضي بأن تطير الطائرة وإنما أن يقوم قناصة باصطياد أعضاء الوحدة الفلسطينية وهم في طريقهم إلى الطائرة وبذلك يتم تحرير الرهائن. لكن الخطة لم تتم كما ينبغي وحصل حمام دم حيث انطلقت رصاصات القناصة بصورة عشوائية. تبين لاحقا أنهم لم يكونوا قناصة محترفين وللدهشة صرح كونراد أهلرز المتحدث الرسمي باسم حكومة بافاريا بأن العملية تمت بنجاح وعبر عن أسفه لتوقف الألعاب الأولمبية. في تل أبيب كان للحدث وقع آخر عما عليه في المخيمات الفلسطينية وخصوصاً في لبنان حيث خرج الناس إلى الشوارع. حاولت رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير وهي تتابع تفاصيل ما يجري في ميونيخ على التلفزيون، إقناع المستشار الاشتراكي برانت أن يسمح للوحدة العسكرية الإسرائيلية الخاصة (سايريت متكال) التي كان يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، أن تعمل من أجل تحرير الرهائن الإسرائيليين ولم تكن ألمانيا الغربية في ذلك الوقت تحوز على فرقة (جي اس جي 9) التي تأسست لاحقا وبمساعدة من الإسرائيليين. في منتصف الليل انتشر نبأ في ميونيخ وتل أبيب يقول إنه تم إنقاذ جميع الرهائن قامت جولدا مائير على الأثر باحتساء كأس من الشمبانيا مع مستشاريها. في ساعات الفجر الأولى ظهرت حقيقة أخرى. فقد تم الإجهاز على جميع الرهائن الإسرائيليين وقيل إنهم قتلوا حين فجر الفدائيون طائرة مروحية بالقنابل اليدوية، كما قتل 5 من المهاجمين وشرطي ألماني عن طريق الخطأ. السؤال المهم في اليوم التالي: هل تستمر الألعاب الأولمبية؟ قال الألمان طبعاً وانتشرت العبارة الشهيرة عن لسان رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الأميركي أفيري برانديج: يجب أن تستمر الألعاب. ثلاثة من المهاجمين نجوا من الموت في ذلك الوقت وتم الإفراج عنهم بعد أن أمضوا أقل من شهرين في السجون الألمانية. ففي تاريخ 29 أكتوبر/تشرين الأول العام 1972 خطفت قوة فدائية فلسطينية طائرة تابعة لخطوط لوفتهانزا الألمانية كانت في طريقها من دمشق إلى فرانكفورت وطالب الخاطفون بالإفراج عن رفاقهم الثلاثة. سرعان ما خضعت حكومة برانت وأفرجت عن محمد صفدي وجمال الغاشي وعمه عدنان وسافروا إلى ليبيا ولم يعرف أحد شيئا عن مصيرهم. في مذكراتها كتبت جولدا مائير تقول إن تصرف الحكومة الألمانية قهرها كثيرا. كما كتب أبوأياد مؤسس تنظيم (أيلول الأسود) في سيرة حياته يقول: كان الألمان جبناء. حتى أن الصحافي البريطاني سايمون ريف يزعم في كتابه أن خطف طائرة اللوفتهانزا من دمشق إلى فرانكفورت كان مسرحية متفقاً عليها بين الفلسطينيين والألمان. بعد عملية ميونيخ بدأت عمليات انتقام كشفت أن «إسرائيل» تمارس العنف أيضا. هذا ما يشير إليه المخرج الأميركي اليهودي الناقد لـ «إسرائيل» ستيفين سبيلبيرغ الذي سيعرض فيلمه المصور حديثا عن عملية ميونيخ في أوروبا قبل نهاية الشهر الجاري. من ضمن الأسئلة التي يطرحها الفيلم: إلى أين يقود العنف والعنف المضاد؟ حتى سبيلبيرغ نفسه لا يقدم في الفيلم الذي يحمل عنوان «ميونيخ» إجابة على هذا السؤال. بعد ثلاثة أيام فقط على وقوع عملية ميونيخ بدأت «إسرائيل» عمليات انتقامية دامية فهاجمت طائراتها الحربية مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسورية وقتلت ما يزيد عن 200 من المدنيين. وفقا لما ذكرته الدعاية الإسرائيلية جميع الضحايا من المقاتلين. كما دخلت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان وقتلت 45 رجلا ودمرت بيوتاً. وكتب الصحافي الإسرائيلي آرون كلاين في كتابه الأخير «ضربة انتقامية» أن هذه العمليات كانت ردا مباشرا على عملية ميونيخ. الملفت للنظر أن كلاين لم يكن فقط صحافيا بل أيضاً كان ضابطاً في المخابرات العسكرية الإسرائيلية. وقال مناحيم بيجن الذي كان زعيما للمعارضة في الكنيسيت: يجب أن نقضي عليهم ونطردهم من الكرة الأرضية. وأضاف: لقد حان الوقت لنشكل وحدة عسكرية خاصة لتصفية الأعداء ولم يكن بيجن يعرف أنه تم في هذا الوقت تشكيل قوة تحمل اسم (سايزاريا) تحت إشراف الجنرال في الموساد زفي تسمير وأهارون ياريف من المخابرات العسكرية حيث قاما بالاجتماع مع مائير ووزير الدفاع موشيه دايان ووضعوا معا خطة للقضاء على الناجين من عملية ميونيخ. تم وضع قائمة باسم 35 شخصا وتأسست لجنة سرية جدا تتابع تنفيذ عملية تصفية تلو الأخرى. أول فلسطيني اغتاله الإسرائيليون كان في روما بعد ستة أسابيع على عملية ميونيخ وآخر عملية استهدفت عاطف بسيسو بعد 20 سنة وكان ذلك في يونيو/ حزيران العام 1992 الذي عاد لتوه من زيارة لألمانيا حيث اجتمع مع البوليس السري الألماني واستقبله القتلة في باريس بثلاث رصاصات في رأسه. كانت فرق الاغتيال الإسرائيلية مؤلفة أحيانا من مجموعة وأحيانا رجل وامرأة لتسهيل استئجار شقة قريبة من مكان الشخص المستهدف ومراقبته. كان القائد الأعلى لفرقة القتل الإسرائيلية يدعى ميخائيل حراري وكان يهوى القتل. بدءا من منتصف السبعينات كان رجل المهمات الخاصة في الموساد حيث كان يزود المتمردين في جنوب السودان بالسلاح وكذلك جماعات أخرى في إفريقيا وعينه رئيس بنما، الجنرال نورييغا مستشارا له ويعيش اليوم كمتقاعد في تل أبيب. ضحية فرقة(سايزاريا) الأولى كان وائل زعيتر، شاعر فلسطيني في سن الـ 38 نقل قصة ألف ليلة وليلة إلى اللغة الإيطالية وكان يقيم في شمال روما وكان يعمل كمترجم في السفارة الليبية في روما. رصده فريق اغتيال قوامه 15 عميلاً راقبوا نمط حياته. ذات مساء كان عائدا لمسكنه مع صديقته الاسترالية وفي البهو رماه عميلان بخمس عشرة رصاصة بالرأس والصدر وفرا إلى المطار. كان بالقرب من المكان رئيس الفرقة ورئيس الموساد. قال الإسرائيليون إن زعيتر كان يتزعم خلية(أيلول الأسود) في إيطاليا لكن منظمة التحرير الفلسطيينية نفت ذلك لكن من كان مستعداً ليصدق المنظمة في أوروبا؟ يقول كلاين في كتابه الذي صدر بعد انتهاء سبيلبيرغ تصوير فيلمه: في الحقيقة كانت المنظمة على حق ولم يكمن هناك أي دور للضحية في عملية ميونيخ وأن اغتياله كان خطأ. كان يكفي اتهام أي شخص بالانتماء لتنظيم (أيلول الأسود) ليوضع اسمه على قائمة الاغتيال. وهكذا قتل الإسرائيليون الحقوقي باسل القبيسي عند مغادرته مقهى دو لا بيكس في باريس ولم يثبت ضلوعه بعملية ميونيخ ولم ينتم لأيلول الأسود. كما تم اغتيال محمود همشري بوضع قنبلة في هاتفه حيث توفي في المستشفى بعد 3 أسابيع

العدد 1236 - الإثنين 23 يناير 2006م الموافق 23 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً