العدد 1243 - الإثنين 30 يناير 2006م الموافق 30 ذي الحجة 1426هـ

فوز حماس: مأزق أم فرصة

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

على عكس الكثير من المحللين، فإن كاتب هذه السطور متفائل بوصول حماس إلى سدة الحكم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لعدد من الأسباب الموضوعية، ليس من بينها الحماس للأفكار السياسية التي تحملها. إذا كان صحيحاً نسبياً أن هتلر كان الرافعة الحقيقية لإنشاء الدولة العبرية، كما يذهب كثير من المؤرخين الإسرائيليين الجدد، فان «إسرائيل» هي الرافعة الحقيقية لحماس. على ما تبدو الفكرة مزعجة للبعض، إلاّ أنها حقيقة يعرفها كل من درس تاريخ الدولة العبرية وتاريخ نشأة حماس. هذا لا يعني أن حماس لم تخرج من الوصاية، فقد استفادت كثيراً من جملة من المتغيرات على الأرض، لتشن مقاومة فعالة، كما استفادت الدولة العبرية من جملة متغيرات بعد الحرب العالمية الثانية وموقف النازية من اضطهاد اليهود لتبني دولة لها. ربما حتى هذه النقطة تتوقف المقارنة بين الاثنين. حماس من خلال صناديق الانتخاب ثبت أنها تحمل جملة مشاعر الشارع الفلسطيني في الداخل، كما أنها نظمت حملتها الانتخابية بشكل جاد ومنظم، في مقابل تفسخ شديد في الطرف الآخر، وهو «فتح» ومن يدور حولها من منظمات. فتح خسرت لعدد من الأسباب ليس من بينها (الموقف من عملية السلام) خسرت بسبب الخلافات بين قبائل فتح، وبسبب الفساد الذي تفشى بين «الابوات» من جملة عوامل أخرى. حقيقة الأمر أن لحماس اليوم غالبية في المجلس التشريعي تؤهلها حسب المنطوق الديمقراطي أن تشكل حكومة. منطق الحكومة غير منطق المعارضة، ومنطق المسئولية غير منطق المزايدة في الشارع. لذلك فان هناك عدداً من القضايا التي لابد من مواجهتها لعلها تتبلور في أربع قضايا مركزية: القضية الأولى: أن شئون الدنيا غير شئون الدين، فالمرجعية التي اتبعتها حماس حتى موعد الانتخابات الخلط المحبب لدى الجمهور الفلسطيني بين السياسة والدين، بسبب لا يستطيع عاقل أن يغفله، وهو الإحباط الشديد في الشارع الفلسطيني. كان هذا الإحباط يخفف منه بالشعارات وتقديم الضحايا التي لم تتوان «إسرائيل» في الإكثار منهم من قيادات حماس، أما اليوم فالجمهور يريد أن يتعلم ويتطبب ويفاوض، ويقلل الخسائر البشرية، كل ذلك يحتاج إلى الفصل بين شئون الدين والدنيا. كانت حماس تضع الملامة في تدهور الأوضاع على (آخرين)، وكانت شبه حرة متى تقوم بالتهدئة ومتى تقوم بالتصعيد، أما اليوم فإنها لا تستطيع مهما بلغ قادتها من قدرة على الإقناع وهامش بلاغي عالي المستوى، أن تنفك عن تقديم نتائج ملموسة للناس وتسعى لطمأنتهم. القضية الثانية: هي العلاقة بالداخل الإسرائيلي وبالخارج العربي والدولي، فالداخل الإسرائيلي مقدم على انتخابات عامة قريبة، وعلى ما سترسله حماس (السلطة) من إشارات سياسية سيتوقف عليه مؤشر الانتخابات الإسرائيلية القادمة، فان قدمت أفكاراً سياسية معتدلة وبشكل واضح يتعامل مع الوقائع على الأرض، ربما حمل ذلك الجمهور الإسرائيلي الميل إلى جهة المعتدلين في ساحته، أما إذا اشتد حماس (حماس) اللفظي استجابة لأوهام النصر والانتصار، فان ذلك الجمهور سيميل إلى الآتيان بجماعات متشددة تقف على نفس الأرضية الرافضة، وهي بالتالي ­ أي حماس ­ تغامر بفقدان عامل مهم من العوامل التي لم تنجح حركة تحرير في العالم أن تجاهلتها وهي عامل التعاطف معها في الجسم الداخلي للعدو. أما العلاقة العربية فهي أكثر تعقيداً، إذ إن استمرت حماس بعدد متنافر في الرؤؤس القيادية، كأن يكون لها قيادة داخلية وقيادة خارجية، التناقض بين القيادتين لابد واقع، عدا التناقض بين القيادات الداخلية التي نسمع لها أصواتاً تتقاطع مع المنطق، منذ اللحظة الأولى لتسجيل الانتصار الانتخابي. أما البعد الدولي فهو أكثر تعقيداً، حيث المخاطرة بفقدان القضية برمتها التعاطف الدولي (الذي أنشأ إسرائيل في البدء) سيجعل من الفلسطينيين، وليس حماس فقط، الخاسر الأكبر، حيث الانحسار سيكون ذا تأثير متوالية هندسية، بمعنى تدهور سريع، سياسي اقتصادي، قد يقود إلى فوضى. والمجتمع الدولي يريد أن يرى اعترافاً قطعياً بالدولتين، «إسرائيل» وفلسطين، ويرغب أن يرى وقفاً للعنف أو ما يسميه «الإرهاب» الذي قد يختلف التعامل معه بين حماس في المعارضة وحماس في السلطة، إذ سيكون بين أيديها مؤسسات دولة لا مؤسسات حركة. القضية الثالثة في حال اتخاذ قرارات تاريخية سيصيب حماس ما أصاب سابقتها فتح، وربما بشكل أكبر وأكثر، لأن روح حماس (الدولة) لابد أن يسير على الطريق السياسي، و«تثقيف» حماس المعارضة يتبنى الغلظة في القول والعمل. وهما طريقان متناقضان، قد يؤديان إلى انشقاقات، أولها بين الداخل وبعضه، ويده في النار، والخارج وبعضه ويده في الماء وأيضاً بعض يده مصافحة لقوى أخرى لها أجندة قد تكون مختلفة، ما يشكل ثنائية تذكرنا بكثرة الانشقاقات في فتح الأم. القضية الرابعة: أن حماس لا تملك كوادر الدولة، هي تملك كوادر المقاومة، أما تسيير الدولة فتحتاج إلى عناصر وخبرات مختلفة كثيرة، منها سفراء ومفاوضون وخيرات اقتصادية، جيش كبير من أهل الخبرة، فان هي اعتمدت على الكوادر السابقة في السلطة الفلسطينية، أثارت حفيظة محازبيها، وربما لم تستطع اجتثاث «الفساد» الذي يشكو منه المواطن الفلسطيني، وان هي جلبت كوادر ثورية لإدارة الدولة تعثر الدولة، فالمعروف تواضع كوادر حماس السياسية والاقتصادية والإدارية. ردة فعل فتح الأولى الذي قالت فيه إنها لا تريد الاشتراك في حكومة ائتلافية مع حماس، فيه الكثير من الهروب، وربما هي تريد أن تحصل من حماس على شيء واحد ومهم هو «استمرار التهدئة»، في مثل حالات ما يمر به الشعب الفلسطيني فكرة الائتلاف هي الفكرة الصائبة، ولهم في شكل تسيير «إسرائيل» السياسي عبرة، فلم يحكم «إسرائيل» حزب واحد إلاّ في النادر، كان الائتلاف هو الشكل السائد، وخصوصاً في الأزمات، وهل هناك أزمة أكثر مما يواجه الإنسان الفلسطيني اليوم؟ ولكن لماذا بعد كل ذلك القول يميل المراقب للتفاؤل؟ الإجابة أن حماس وقعت في فخ الديمقراطية الحديثة، فهي أصبحت أكثرية نيابية، تحتم عليها أن تنظر إلى خطواتها بحذر وبدقة، وجزء من هذه الدقة إعادة صوغ أجندتها التي أرقت السلطة لفترة طويلة (هي والجهاد) ولأنها الصلب الأكثر فاعلية في الجسم الفلسطيني المقاوم فإنها بذلك تستطيع أن تكون أكثر فاعلية في الجسم الفلسطيني المفاوض. فحماس لها القدرة الآن على اتخاذ قرارات كونها مجموعة صلبة القيادة ومتماسكة لم تفسد كوادرها السلطة بعد، إذا تم ذلك فإن التاريخ له طريقة عجيبة في السخرية، إذ شجعت حماس في باكورتها الأولى أو على الأقل صُرف النظر عن نبتتها في غزة تحت الاحتلال لعلها توقف انتشار منظمة التحرير، من أجل أن يأتي يوم لم يكن ينتظره أحد لتضع لبنات السلام، أما التبريرات، فهي في السياسة يمكن أن توجد، فقد قبلت حماس الخطوة الأولى في خوضها للانتخابات، وهو القبول بمدنية الحكم وسلطة الشعب. * كاتب كويتي

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1243 - الإثنين 30 يناير 2006م الموافق 30 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً