العدد 1244 - الثلثاء 31 يناير 2006م الموافق 01 محرم 1427هـ

الإصلاح العربي خلال عام... آمال كبيرة وإنجازات محدودة (2­2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

تحدثنا في الحلقة الأولى من الإصلاح العربي خلال العام الماضي ومدى التغير الذي شهده الواقع الاقتصادي والسياسي وتأثيرهما على ما سيؤسسه من اصلاح على الواقع الاجتماعي في العالم العربي، إذ اختلف مستوى الإصلاح في معظم المجتمعات العربية بين تنازل السلطة لمتطلبات الشعب، وبين مستوى التغيير (القسري) الذي ساد بعض الدول لاسباب تتعلق بالواقع الإقليمي والدولي. في هذه الحلقة سنحاول الحديث عما تبقى من مؤشرات الإصلاح العربي في دول أخرى. تعد تجربة الجزائر في الوئام الوطني التي قادها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة من اهم التجارب التي حققت نجاحات ملموسة على الصعيد العربي والدولي، سواء في فترة حكمه الاولى إذ ربط برنامجه للانتخابات الرئاسية بالمصالحة الوطنية، أو تعزيزها بالوئام الوطني في برنامجه لرئاسية الثانية. وفعلاً فقد اجرت الجزائر الاستفتاء الشعبي الثاني لقانون الوئام الوطني، والذي بموجبه سيغطي العفو الرئاسي من استثني منه في القانون باستثناء من تورطوا في مذابح اهليه. وحتى الآن تمانع الدولة الجزائر في التحقيق في مسئولية الاجهزة الامنية والعسكرية في المذابح والانتهاكات الخطيرة. كما انه حتى الآن لم يتم التوصل للدور السياسي والاطار التنظيمي للجماعات الاسلامية المنضوية في مشروع الوئام الوطني. وفي العراق والذي شهد اطول وابشع حكم استبدادي في العهد العربي للاستقلال فان عملية الانصاف والمصالحة تراجعت خلف حال الاضطراب الشديد والعنف المنفلت في ظل احتلال اميركي للبلاد، ناهيك عن عدم استقرار الحكم واجهزة الدولة. قد تكون محاكمة زعيم النظام المنهار صدام حسين ومجموعة قيادية من النظام السابق فيما يعرف بقضية الدجيل واكتشاف المقابر الجماعية، وشهادات الضحايا من خلال وسائل الاعلام، هي مقدمات لكشف بعض من الماضي، لكن عملية كشف كل الماضي والقيام بعملية انصاف الضحايا، والاقتصاص من الجناة، والمصالحة الوطنية تحتاج الى شروط ليست متوافرة حاليا، لكنها ضرورية لاقامة نظام ديمقراطي مستقر. تشهد البحرين إرهاصات منذ مجيء جلالة الملك الى الحكم في مارس/ اذار 1999 فيما يتعلق بمعالجة ارث الماضي البغيض، والملاحظ ان مشروع ميثاق العمل الوطني والذي يعتبر وثيقة الاصلاح الاساسية التي حازت على غالبية مطلقة من قبل شعب البحرين، لم يتطرق الى ربع قرن من الحكم الاستبدادي في ظل قانون امن الدولة، ولم يعترف بمسئولية الدولة عما لحق بشعب البحرين وانتهاكات جسيمة، كما لم يشر طبعاً الى خطة الدولة والمجتمع لمعالجة هذا الماضي الاليم، والتي اتت بمبادرات غالبا من قبل جلالة الملك ومجلس الوزراء لتعالج جوانب محدودة ولاعداد محدودة من الضحايا، لكنها ليست في اطار خطة متكاملة. ولقد تميز العام الماضي باستمرار تحركات لجان الشهداء وضحايا التعذيب والمنفيين والسجناء السياسيين السابقين، والتي لا تعترف بها الدولة رسميا، ما بين مظاهرات واعتصامات واحياء مناسبات ومفاوضات غير مباشرة مع الاجهزة الرسمية. وقد تبنت بعض الجمعيات السياسية مثل الوفاق ووعد ومنظمات حقوقية مثل الجمعية البحرينية لحقوق الانسان والمحامين الذين يمثلون الضحايا، هذه الملفات ولكن من دون تنسيق او تحالف. واذا كانت الحكومة قد اقرت أخيراً بصفة مبدئية بعض مطالب المنفيين فانها لم تقر مطالب الفئات الأخرى من الضحايا. وهكذا لم يشهد العام الماضي اي اختراق في عملية الاستعصاء القائمة بين الدولة وضحايا المرحلة الماضية. ثانيا: الانتخابات ومدى نزاهتها شهد العام الماضي اجراء انتخابات رئاسية ونيابية وبلدية في اكثر من بلد عربي. والانتخابات ذاتها ليست مؤشرا لوحدها على عملية اصلاح وتحول ديمقراطي اذا لم يترتب عليها تغيير بنية الدولة والسلطة الحاكمة ومشاركة فعلية لابناء الشعب في ادارة شئون البلاد. ونسوق فيما يأتي امثلة على ذلك.

مصر

في مصر طرح الحزب الحاكم «الحزب الوطني» في مؤتمره الذي سبق انتخابات رئيس الجمهورية، طرح مشروعه للاصلاح السياسي، بدءا بانتخابات رئيس الجمهورية بدلا من الاستفتاء على مرشح ، اي المرشح الوحيد امام الناخبين وعلى رغم القيود التي وضعت على شروط الترشيح للرئاسة، فإنه ولاول مرة فان نتائج انتخابات الرئاسة لم تعد 99 في المئة المعهودة فقد حصل الرئيس محمد حسني مبارك على 85 في المئة، بينما حصل زعيم حزب المستقبل الجديد على الساحة (ايمن نور) على 11 في المئة رغم ان الدولة رمت بثقلها وراء الرئيس مبارك. وجاءت الانتخابات النيابية حيث انه على رغم تدخل الدولة الفاضح والتزوير الواضح، ليتيح للمعارضة المتمثلة اساسا بالاخوان المسلمين بالحصول على 20 في المئة من المقاعد تقريبا. ولكن هذه الاصلاحات بعيدة جدا عن ان تفتح الطريق امام تعددية سياسية حقيقية وتداول للسلطة وجاء الارتداد سريعا على بعض ما تحقق في اعادة منافس الرئيس مبارك على الرئاسة (ايمن نور) الى القضبان اثر محاكمة سياسية. ولكن ما هو جديد مصر، بروز حركة كفاية كحركة جماهيرية احتجاجية انخرط فيها مناضلون من مختلف الاحزاب (عدا الاخوان المسلمون) وشخصيات نقابية واجتماعية ومثقفين مستقلين. هذه الحركة طرحت مبدأ الحق وليس القانون، اي استندت الى حق المواطن وليس ما تقيده القوانين فيما يخص حقوقه السياسية. وهكذا شهدت شوارع القاهرة، ثم عدد من المدن المصرية مسيرات واعتصامات احتجاجية، في تحد لقانون الطوارئ، ولاول مرة طوال نصف قرن تتم الاحتجاجات امام قصور الرئاسة ووزارة الداخلية، مطالبة بتغير جذري.

لبنان

أدت تفاعلات مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، والضغوط الدولية خصوصا الاميركية، الى انسحاب سورية من لبنان ومن ثم الغاء تداخلاتها كما اضعفت كثيرا قبضة الاجهزة الامنية، وهكذا ترتب على الانتخابات النيابية عودة قوية للقوى المناهضة لسورية والموالية للغرب، ولكن تباشير انتفاضة 14 اذار لاقامة نظام لبناني جديد يتجاوز الطائفية، قد تلاشى بسبب هيمنة القوى الطائفية التقليدية لتكرس نظام المحاصصة الطائفية، لكن المكسب الذي تحقق هو انهاء النظام المخابراتي الذي تحكم في الحياة السياسية طويلا، وتوسع هامش الحريات العامة.

العراق

يمر العراق بمخاض عسير في الانتقال من الحكم الدكتاتوري الذي جثم عليه طوال 35 عاما (1968 ­ 2003) الى الديمقراطية، ولكن في ظل الاحتلال الاميركي وما يرافقه من انهيار بنية الدولة العراقية، وحال من افتقاد الامن وعمليات ارهاب من قبل بقايا النظام وحلفائهم من الاصولين ادى تحطيم مؤسسات المجتمع في ظل العهد السابق وسياسة المحتلين الاميركيين الى استقطاب طائفي وقومي شديدين، ادى الى هيمنة القوى الدينية والكردية، فيما تراجع تأثير العلمانية والديمقراطية.

فلسطين

شهدت فلسطين المحتلة ثاني انتخابات رئاسية اثر وفاة زعيم الثورة والسلطة ياسر عرفات في اواخر العام الماضي وبغياب القائد التاريخي وفي ظل مناخ دولي جديد، جرت انتخابات رئاسية تنافسية حقيقية وبرقابة دولية ووطنية. والى جانب مرشح كبرى التنظيمات الفلسطينية (فتح) محمود عباس، تنافست معه تنظيمات فلسطينية مثل الجبهة الشعبية ممثلة بأمينها العام المعتقل احمد سعدات، والجبهة الديمقراطية ممثلة بعضو مكتبها السياسي تيسير خالد، وتجمع المبادرة المستقلة ممثلا بمصطفى البرغوثي وبخلاف عرفات، فقد فاز محمود عباس بنسبة الستين وحل البرغوثي ثانيا، وقد قاطعت كل من حركتي حماس وا لجهاد الاسلامي هذه الانتخابات اما الحدث البارز الثاني فهي الانتخابات البلدية والتي شاركت فيها هذه المرة حماس والجهاد الاسلامي، وعكست تحولا مهما إذ فازت حماس بغالبية مقاعد المجالس البلدية في قطاع غزة وحلت ثانية في الضفة الغربية وقد جرت انتخابات للمجلس التشريعي في 25 الشهر الماضي وفقدت فتح غالبيتها في المجلس. وبالتالي فإنه يجب ان يترتب على التغيير في بنية المؤسسات التمثلية تغيير في تركيبة اجهزة السلطة الفلسطينية. المشكلة في العملية الانتخابية بمختلف مستوياتها هو التدخل المباشر لقوات الاحتلال في العملية ومحدودية انعكاس التجربة الديمقراطية في ظل الاحتلال والاستيطان.

السعودية

الحدث الابرز خلال العام الماضي هو اجراء الانتخابات البلدية لنصف اعضاء المجالس البلدية وتعتبر هذه اول انتخابات واسعة يشارك فيها السعوديون، ويخوض مرشحون حملات انتخابية وتنشر برامج على رغم محدوديتها إذ استثنت النساء والشباب (18 ­ 21) وقد عكست هذه الانتخابات اكتساح العناصر المنتمية للتيار الاسلامي الإصلاحي لمعظم المقاعد مع الاخذ في الاعتبار الاصطفافات المذهبية والقبلية التقليدية والحدث الثاني هو مشاركة النساء كمرشحات وناخبات في انتخابات، غرفة تجارة وصناعة جدة وكذلك فئة المحامين في الغرفة التجارية والصناعة في الرياض إذ فازت فيها بعض النساء. ثالثا: التطورات الدستورية التشريعية أن أهم حدث شهده العام الماضي هو الاستفتاء على الدستور العراقي والذي يؤمل في أن يؤسس لحياة ديمقراطية. وبغض النظر عن الانتقادات الموجهة له وكون الاستفتاء تم في ظل الاحتلال، فأنه اول دستور عراقي من اختيار العراقيين المباشر في مصر اجري استفتاء على تعديلات محدودة للدستور فيما يخص اختيار الجمهورية وبموجب هذا التعديل لم يعد اختيار رئيس الجمهورية يتم على طريقة استفتاء الشعب على مرشح وحيد مقدم من مجلس الشعب والذي ترتب عليه اعادة انتخاب رئيس الجمهورية الحالي محمد حسني مبارك اربع دورات، بحيث يفسح المجال امام الاحزاب المعترف بها ان تتقدم بمرشحين للرئاسة، في حين وضع اشتراطات شبه مستحيلة للمرشحين المستقلين. وعلى اساس هذا التعديل خيضت لاول مرة انتخابات رئاسية تنافسية. اما التعديل الثاني فيتعلق بدور القضاء في الاشراف على الانتخابات، إذ وسع هذا الدور لكنه يبقى من دون الاشراف الكامل والمستقل. تطور آخر في بلد عربي وهو الامارات العربية المتحدة إذ أصدر الرئيس الجديد لدولة الامارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مرسوما رئاسيا تم

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1244 - الثلثاء 31 يناير 2006م الموافق 01 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً