العدد 1249 - الأحد 05 فبراير 2006م الموافق 06 محرم 1427هـ

المواطنة منهجاً دراسياً

عثمان الماجد comments [at] alwasatnews.com

-

تتيح لك الصدف، أحيانا، ما لا يعطيك إياه اجتهادك وبحثك في قضية ما، ويصبح المثل القائل رب صدفة خير من ألف ميعاد هو الكلام البليغ لوصف الحالة. كنت حائراً في اختيار موضوع للكتابة من بين موضوعين، أكتب عن سورية التي تتعرض لضغوط كبيرة نتيجة لسوء إدارة السياسة الخارجية، فضلاً عن تخلف إدارتها للسياسة الداخلية التي تبيع الوهم باسم فلسطين والقومية العربية لا لشيء إلا للجم أية مطالبات بتغييرات ديمقراطية تقضي على الفساد المتفشي في أجهزة الدولة وهياكلها، وتظهر امكانات الشعب السوري وطاقاته التي هي ليست، بالضرورة، حكراً على أعضاء حزب البعث، ولا هي مخبوءة في دهاليزه، أم أختار الكتابة عن المواطنة، الذي اختارت وزارة التربية والتعليم إدخاله مقرراً دراسياً في مناهجها؟ اخترت الثاني على أن أشير إلى موقف من السياسة السورية في سياق الحديث. فمن بين الكثير من الأوراق التي بها احتفظ، هنالك ورقة تحمل كلمات للرئيس الراحل حافظ الأسد طيب الله ثراه وحفظ سورية من مكروه زلل السلوك السياسي القائم على وهم المؤامرة، الذي يضعها في مرمى القرارات الأممية، التي عادة ما تنعكس وجعا ومعاناة على الشعوب، وألهم شعبها الصبر والقدرة على إحداث تغيير في واقعه يعيد لسورية مجدا أضاعته، وموقعا كانت تبوأته في مسار حركة التحرر الوطني، وأعود إلى كلمات الرئيس حافظ الأسد التي تعبر عن حب الوطن، وكيف «يجب» أن يكون المواطن في علاقته بالوطن، واذا ما تبنى المرء هذه القيم وتحلى بالسلوك المؤدي إلى العمل من أجل الوطن فإن ذلك لكفيل باشإعة قيم المواطنة، إذ إنها تمثل نقاط ارتكاز وهَم أساسي في متناولات الناس عبر مختلف مؤسسات المجتمع المدني، وباتت تمثل كلاما خرج عن طوع السكوت وإسار الإذعان ليفصح عن نفسه في مجمل مداولاتها وتحركاتها عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية والمساواة وعدم التمييز وبسط العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، التي نحن في أمس حاجاتها في وطن شاء ناسه اختيار الديمقراطية خلاصا من واحدية القرار واحتكار الحقيقة، وتوافقوا عليها اطارا لحكم ملكي دستوري.

عثرت على الورقة وأنا أفتش عن مقال كتبته في موضوع المواطنة، فإذا بها (الورقة) تنتشر في مساحة بصري وألتقطها لأقرأ التالي: «الوطنية تعني أن نكون غيارى على كل ما في الوطن، على الإنسان والأرض، على كل شجرة، وعلى كل قطرة ماء، على كل بيت ومدرسة، على كل درب وشارع في قرية أو مدينة، على كل زهرة ووردة في طريق أو حديقة، أن نكون غيارى فنحافظ ونصون ونحسن كل شيء في أرض هذا الوطن وتحت سمائه». ارتج سمعي بهذه الكلمات، وحلقت بي بعيدا لأرتحل على متن ذكرى ورشة عمل متعلقة بموضوع المواطنة عقدت في القاهرة قبل عام ونيف، في مسعى من وزارة التربية والتعليم لاعداد الكوادر البشرية لتقوية البنية التحتية لتدريس التربية للمواطنة بشقيها: المعرفي، المتمثل في كتاب المواطنة والنظام السياسي، الذي هو في مضمونه وكفاياته وأهدافه يبدو مغايرا تماما عن منهج التربية الوطنية الذي كان يدرس قبل سنوات، والسلوكي/المهاري، المتمثل في كتاب تدريبات التربية للمواطنة اللذين ينشدان غرس قيم المواطنة ورفع الثقافة السياسية والاحاطة بالنظم السياسية في العالم وأين موقعنا نحن هنا في مملكة البحرين منها. وهل أننا ضمن مختلف أنظمة الحكم في العالم حققنا نجاحا في بناء مؤسساتنا الديمقراطية؟ كل ذلك تم تجسيده في مقاربات يتعرف عليها الطالب بشكل لا ينبغي أن يكون تلقينياً، كما يجب أن يعتمد أساليب تدريس واستراتيجيات حديثة تجعل من الطالب محور العملية التعليمية التعلمية. وتنبغي الإشارة إلى أن هذا المنهج الذي تبناه وزير التربية والتعليم ماجد علي النعيمي ورعاه لينفذ به رغبة ملكية سامية، ويفعل مادة دستورية، ويحاكي الأمل في بناء مواطن بقياسات المواطنة القائمة على الحقوق والواجبات، في تقديري، هو أحد أهم الضمانات الكفيلة بخلق ثقافة ديمقراطية ترفد المشروع الإصلاحي وتعضد من جهود الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في هذا الاتجاه. أوليس ذلك، في وجه من وجوه الحاجة المجتمعية، والتوق إلى قبر الفروقات الحادة بين مجتمعاتنا ومجتمعات دول الشمال الأوروبي، وتحقيق التميز كما هم فعلوا، يذكرنا بالتقرير المعروف أمة في خطر(ًَّىز ُّف َُىُّفخ )؟ الذي صدر في الولايات المتحدة الأميركية في العام 1983م، والذي جاء في أحد أهم مضامينه أن يكتسب كل أميركي ألوان المعرفة والمهارات الضرورية للتنافس العلمي وممارسة الحقوق والواجبات، فالتعليم ليس مكسبا للعيش وإنما للحياة. ووقع على اهتمام من جميع المؤسسات والفعاليات السياسية والاقتصادية والفكرية، لإنقاذ أمتهم من الخطر، هذا النوع من التعليم الذي أكدت عليه وثيقة «التعليم ذلك الكنز المكنون»، وشكل أحد أهم مرتكزاتها لا تخلو التجمعات الإنسانية من وجود مشكلات، فهي افراز طبيعي، وشيئا من جبرية. وليس عيبا أن يقر المرء بوجود مشكلة ما، بل الخطأ هو التستر عليها والتعويل الكلي على الجهات الرسمية في حلها، اذ إن المواطنة الحقة ليست تهويشا في المطالبة بالحقوق بل هي واجبات بجانب الحقوق يقوم المواطن بأدائها برضا وحب، وهي في تقديري، أشبه بالميزان التجاري لأية مؤسسة تجارية، لا تستقيم أرقامها وتتساوى كفتها الا بادراج الأرباح (الحقوق) بعد وفاء جميع الالتزامات (الواجبات). فالتربية للمواطنة في شقها السلوكي/المهاري، والذي ستقوم وزارة التربية والتعليم بتطبيقه قريبا، ضمن مشروعات تطويرية واعدة، تميزت بمسها المباشر للتطلعات المجتمعية، وتحسسها لقضاياه، يعد نقلة نوعية في التعليم، اذ إنه منهج قائم على أسلوب حل المشكلات، وهو يعد من الأساليب الجيدة في تدريس التربية للمواطنة ويساهم في مساعدة طلاب المرحلة الثانوية في التعرف إلى المشكلات القائمة في مجتمعهم ومواجهتها. ويركز المنهج في اتباع سياسة عامة تهدف إلى معالجة مشكلة ما في المجتمع، بيئية، مدرسية، غذائية، مرورية، وغيرها وتقديم توصيات بشأن تلك المشكلة للجهة الحكومية أو المؤسسة المختصة. ويمكن الإشارة في هذا الإطار إلى حفل تخريج مجموعة من المتدربين في برنامج التربية للمواطنة الذي رعاه الوكيل المساعد للمناهج والتدريب عبدالله المطوع، إذ عرضت مجموعة من طالبات المرحلة الثانوية بمدرسة جدحفص الثانوية للبنات وهن أربع طالبات تميزن بإتقان عملهن وجودة نتائج بحثهن في مشكلة متصلة بهمومهن الطلابية. ويشار إلى أنهن سيمثلن مدارس المملكة في المسابقة التي ستقام في عمان، متمنين لهن الموفقية والنجاح في مهمتهن.

وتمكين الطلبة من المشاركة الفاعلة والايجابية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عبر المساهمة في صناعة السياسات العامة، التي هي جوهر منهج المواطنة في شقها السلوكي/ المهاري تفتح آفاق العمل التطوعي المنتج، يتطلب إلمامهم بالمهارات والاتجاهات والقيم المتصلة بالمواطنة. ففضلا عن أن مشاركتهم في حل المشكلات واجب وطني، فإن تزويدهم بتلك المهارات حق من الحقوق يتعين على وزارة التربية والتعليم تسهيل الحصول عليها لكي يكونوا قادرين على فهم ذواتهم والتكيف الايجابي مع محيطهم ومع متطلبات الحياة اليومية وتحدياتها. وتمكينهم من الاندماج في المجتمع والغوص في همومه تحقيقا للمشاركة الايجابية في أحداثه وصناعة مستقبله. فهل تنجح الوزارة في غرس قيم المواطنة في طلبتها لتغدو سلوكا ملتزما بالأنظمة والقوانين مثلما هي تنجح في جعل المواطنة منهجا دراسيا؟ في ظني، أن ذلك يحتاج إلى أن تقوم وزارة التربية والتعليم إلى فتح قناة اتصال مع جامعة البحرين لطرح مقرر التربية للمواطنة والنظام السياسي، يخرج معلمين متخصصين في تدريس هذا المقرر وذلك لما له من خصوصية وطنية. كما ينبغي أن تتبنى، الوزارة، سياسة نشطة في تدريب المعلمين على تدريس الكتابين، وفقا للأهداف والكفايات المرسومة التي جلها لن يتحقق إلا بإتقان أساليب واستراتيجيات تدريس من طبيعة أخرى، يكون الطالب محورا أساسا في عملية التعلم، غير تلك التي تعتمد على الإلقاء والمحاضرة، لكي لا تكون المادة عبئا مضافا إلى مجموعة كتب الدراسات الاجتماعية الأخرى، وينحرف الهدف منها والمتمثل في غرس سلوك وبناء قيم ترتقي بشخصية الطالب ليغدو مواطنا فاعلا متفاعلا مع قضايا وطنه، منغمسا في حراكه المتعدد الاتجاهات، إلى مادة يستظهرها المقوم مع نهاية كل عام وتبنى نتائجه على أساس أن هذا الطالب ناجح وآخر راسب... في ماذا؟ في المواطنة، واخزيا

العدد 1249 - الأحد 05 فبراير 2006م الموافق 06 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً