العدد 1252 - الأربعاء 08 فبراير 2006م الموافق 09 محرم 1427هـ

السياحة بين رأيين... بل ثلاثة

زاهي حواس comments [at] alwasatnews.com

-

أليست السياحة شيئا من نشاط موجه نحو ممارسة الفعل الثقافي، وتحصيل بعض شيء من متعة ملء البصر بالصور النابضة وتشنيفا للآذان لسمع حي مباشر من موقع حدوث الفعل الثقافي وحرارة أنفاس ناسه ودفئ معاشرتهم، ومعرفة ما يرتسم من ظاهر على أشكالهم وعالق في سلوكهم توارثوه جيلا بعد جيل؟ اذ ان مفهوم السياحة لم يعد مقتصرا على الآثار التاريخية التي هي محل اهتمام من المؤرخين والمختصين ودارسي التاريخ والمهتمين، أو بالأحرى هم الذين يقومون تحديدا بمثل هذه السياحة، ويخططون لها، ولا يحتاجون إلى من يرشدهم، لأنهم يعرفون التاريخ ويعرفون أين مراقده. وقد تحظى هذه الآثار بنظرة عابرة أو لا تحظى من عموم الناس، التي تتبعثر اهتماماتها على أوجه من النشاط البشري السياحي الأخرى مثل مهرجانات التسوق، ومهرجانات فنية غنائية، معارض الكتب وما يرافقها من ندوات ومؤتمرات... الخ. فأين تقع السياحة، من حيث هي ثقافة في وعي الناس؟ وكيف كانت السياحة في البحرين؟ ولماذا كانت البحرين بلدا سياحيا؟

أعتقد أن السياحة وما التصق بها من فعل المتعة واراحة النفس غدت فعلا يشوبه الكثير من اللبس ويكتنفه غير قليل من سوء الفهم، وإذا ما حللنا المجتمع البحريني لنقف على: أين هو موقع السياحة في الذاكرة المجتمعية؟. نجد أن المرأة، مثلا، التي يشكل رأيها في المجتمع نصف الرأي العام، والذي في معظمه يشكل رأيا سلبيا من السياحة بمفهومها المجرد، سواء كانت سياحة واردة أم مصدرة، لما ارتبط بها من فعل أساء لها وانطبع في ذاكرتها، خيانة زوجية متخفية تحت غطاء السياحة، وهي محقة في معظم حالاته حتى وان تدثرت، الخيانة الزوجية، بوثائق زواج صورية وتعددت مسمياتها ليخدع بها الرجل نفسه قبل أن يفعل ذلك مع زوجته. أضف إلى رأي المرأة في السياحة، الذي يشكل نصف رأي المجتمع، رأي المحافظين الذين لا يرون في السياحة الا خمرا ودعارة ويشنون هجوما لا هوادة فيه على السياحة وكأنه نشاطا انفردت به البحرين من دون دول العالم، فإن السياحة ستغدو، في رأي الغالبية، فعلا شائنا لا يحظى بدعم مجتمعي، حتى لو صورها المستثمرون وأنصار تشجيع السياحة بأنها الناقلة الحتمية الى فضاء الحاجة الحادة الى العمالة الأجنبية بسبب ما ستتيحه من فرص العمل بحيث لن تستوعبها اليد العاملة الوطنية. ولكن هل ذلك هو ما يتطلبه الاقتصاد البحريني المحدود الموارد والمتجه بسرعة نحو نضوب وزوال. كما يشهد نسبة عالية في معدلات النمو السكاني؟ وهل الدفع باتجاه تجييش الشارع ضد الحريات باسم ما يسمى «بالسياحة النظيفة» في صالح الديمقراطية الوليدة، أم أن ذلك رهن أجندة غير مرئية تتقصد الإضرار بالاقتصاد وتنفذ باسم الفضيلة، ولكن لماذا؟ أنا لا أملك إجابة.

إن الواقع الاجتماعي، الذي يشهد تمددا باتجاه الانكماش! والتقوقع على الذات ونبذ المغاير، وانعكاسات الموروث القيمي، المخُتلف في تثمينه لدى الأجيال في سيرورة تداخلها، تدفع باتجاه التقليل من شأن السياحة من حيث هي فعلا ثقافيا لتغدو فعلا يقع في دائرة الشك ويلفه الغموض من كل زوايا استثماراته. لأن ممارساته - دائما - ارتبطت بفعل انفتاحي يتخفف فيه السائح من موروثه القيمي المثقل بحمله على مدى السنوات التي عاشها في بيئته، وبالذات عندما تكون أماكن السياحة التي يرتادها الناس مجتمعات منفتحة.

هذا الجدل المجتمعي الذي بدأ ولن يهدأ حول السياحة إلا بحصول توافقات بين المؤسسة التشريعية وجهة حكومية (إدارة السياحة) ترفض الابتزاز السياسي لأن السكوت على تدمير القطاع السياحي هو إنهاء لرافد مهم في موازنة الدولة. أقول إن هذا الجدل يعكس أهمية هذا القطاع بالنسبة للاقتصاد الوطني وحيويته. وقد طفا على السطح رأيان، انبرى أحدهما للدفاع عنها من حيث هي مجال للدفاع عن الحريات الشخصية والعامة، وآخر لبس ثوب الفضيلة وراح يهاجم السياحة ويطعن في الحريات لما رأى المناسبة مواتية، والظرف ناضج، يعرض على الناس الحرية، من خلال منابره المفتوحة، على أنها في مواجهة مع الدين حتى التبس الأمر على الناس، وهذا في حدود ردود الفعل الطبيعية، فراحوا يقذفون كل من يدعو إلى الحرية بأقذع الألفاظ. وهل يلوذ بالصمت من تتعرض قيمه للتجريح؟ واعتقد أنه لذلك السبب استطاع المحافظون تعبئة الرأي العام، وتحيين انفجاره توقيتا عند وصول أصغر مطرب إلى البحرين لإقامة حفله غنائية، في مشهد لا أظن انه يعكس ما عرفت به البحرين من تسامح واحترام الرأي الآخر والتنوع. وإظهار المدافعين عن الحريات بمظهر المتخلين عن قيمهم! والمنحلين أخلاقيا! فيما الأمر ليس كذلك، ولا يعدو أن يكون اختلافا في وجهات النظر، وهو جوهر الوجود الإنساني. وكشأن أية قضية عامة، هناك فئات من المجتمع - رأي ثالث - التزمت الصمت، وظلت بعيدة عن حلبة صراع الرأيين، مهمومة بتدبير ظروف أفضل لمعيشتها. فهذه الفئات هي التي يجب أن تحظى بمزيد من الدعم، عبر خلق ظروف أفضل عبر انعاش جميع القطاعات الاقتصادية لتجد فرصتها في تحقيق ما تصبو اليه، فهذه الفئات، الكتلة الصامتة، هي التي تصنع الحياة وتخلق الظروف المناسبة لعيش كريم.

بالنسبة لمملكة البحرين، فان العمل على تطوير القطاع السياحي يجب أن يأخذ مكانه في سلم أولويات الحكومة. كما أنه لابد أن يرقى الى مستوى من الأهمية في تحرك غرفة تجارة وصناعة البحرين باعتباره قطاعا تتوقف على حيويته قطاعات كثيرة، بحيث يعكس هما استثماريا واجب التحقق. فهي، كغيرها من القطاعات الاقتصادية الأخرى، تحتاج الى تطوير وتنمية، لا الى وضع العراقيل واعادة انتاج ما اكتسبته الذاكرة الجمعية حول السياحة في غير زمان وغير مكان والزج به في المجتمع، مثل «السياحة النظيفة» التي بكل المعايير السياحية لا معنى لها، لأنها لا توجد أصلا. فهل لنا أن نتخيل، مثلا، انتاجا للنفط وتسويقا له من دون أن تمر حساباته بالمصارف الغربية الربوية؟ أم أننا سنشترط على دول أوروبا والعالم أن تفتتح مصارف إسلامية؟ قد يبدو السؤال قديما والمقاربة غير منطقية في السياق التاريخي، ولكن الإجابة تحمل ذات الروح ونفس العبق، لقد سبق وسمعنا أن الغرب، إذا لم يمتثل لشروطنا فإننا على استعداد للعودة لركوب الجمل وافتراش الحصير، ولكن هل فعلنا؟ وبصراحة ان سياحة مغسولة بمواصفات بحرينية لا توجد في قاموس الاستثمار، وكل ما يقال عن أن السياحة ليست مواخير ولا راقصات ولا غناء هو قول صحيح مئة في المئة، ولكن ذلك ليس الا جزءاً من الصورة السياحية وليس الصورة كلها، فهذا الجزء لم يكن في يوم من الأيام ليطغى على ما كان يعرف عن الشعب البحريني من التسامح والطيبة وكرم الوفادة والانفتاح على جميع الثقافات واحترامه لها. و في ظني أن السياحة هي هوى ومجموعة من الرغائب متصلة بشخصية السائح، لا يتدخل أحد في تحديد مبتغياتها أو وضع سقف لها يحد من نموها بما يشكل ضغطا على المبادرات الفردية، وإلا صارت شيئا من واجب يضع محدداتها رجل متصوف لا يعنيه في شيء ما قد يترتب على حدوده من ضياع لفرص الاستثمار طالما أن المساحة التي يدافع عنها ظلت في مأمن، وبهذا يحقق رضى ضميره الذي لا علاقة له بالعمل الدنيوي إلا فيما يتعلق بإيصال رسالته وملء بطنه، بعد أن يكون قد ملء جيبه.

العدد 1252 - الأربعاء 08 فبراير 2006م الموافق 09 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً