العدد 1265 - الثلثاء 21 فبراير 2006م الموافق 22 محرم 1427هـ

انتفاضة الكرامة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأت التهديدات باتخاذ قرارات ظالمة ضد الشعب الفلسطيني عقاباً له على تصويت غالبية منه لمصلحة «حماس» تعطي نتائج تعاكس مجرى توافق «تحالف الشر» الذي يسيطر على إدارة واشنطن وعاصمة الاتحاد الأوروبي (بروكسيل).

كان «تحالف الشر» يتوقع إذلال الشعب الفلسطيني من خلال شراء ضميره السياسي بوعود كاذبة سمع بها كثيراً منذ توقيع «اتفاق أوسلو». وظن «تحالف الشر» أن تهديداته ستوقع الرعب في قياداته وستخيف «حماس» وتدفعها إلى الاستسلام.

هذه التوقعات لم تكن في مكانها. فالشعب تعود على هذا النوع من الإساءات وسبق أن راهنت قياداته في عهود ماضية على وعود ومضت السنوات وحتى الآن لاتزال السياسة على حالها.

كذلك «حماس». فهي بداية ارتبكت حين نالت التفويض السياسي من الناس، لكنها الآن أخذت تستفيق من الصدمة وقررت أخذ المبادرة على عاتقها حتى لا تخيِّب آمال الشعب الفلسطيني.

أيضاً حركة «فتح». فهي بداية لم تستوعب الضربة وتعاملت معها في الأيام الأولى بتوتر وكاد الأمر أن يتحول إلى مواجهة مع أطراف نزقة. لكنها الآن بدأت تتجاوز العقدة وأخذت تتعامل بمرونة مع ما حصل.

الدول العربية أيضاً أخذت تفكر مجدداً وتعيد النظر في الموضوع، بسبب مواقف الدول الأوروبية التي اتسمت بالسخف مستفيدة من إسراع الولايات المتحدة في تبني سياسات لا منطق لها وتعبر عن كراهية لا تفسير لها... كل هذا دفع الدول العربية إلى إعادة صوغ سياسة تهدف إلى منع حصار الشعب الفلسطيني وتجويعه باسم أمن «إسرائيل».

كل الأمور بدأت تتغير وهي بحاجة إلى مزيد من الوقت لوقف هجمة الافتراءات الفاضحة ضد الشعب الفلسطيني واختياراته السياسية السلمية. روسيا مثلاً كسرت الصمت وقررت الاتصال بحركة «حماس» والتباحث معها في إدارة المرحلة المقبلة. الصين أيضاً قررت السير في الاتجاه الروسي. كذلك فعلت تركيا حين اتخذت قرار الاتصال ودعوة «حماس» إلى التفاوض والتفاهم. وإيران أيضاً لم تتردد منذ اليوم الأول في تقديم الدعم والاستعداد لتعويض الشعب الفلسطيني من نقص في المساعدات. حتى السويد أبدت انزعاجها من تلك التصريحات السطحية التي هددت بمعاقبة جماعية للشعب الفلسطيني انتقاماً من تحديه للرغبة الأميركية. فالسويد مثلاً قررت رفع مساعداتها السنوية رداً على مواقف الاتحاد الأوروبي.

كل هذه التحركات الدولية والإقليمية المضادة لقرارات «تحالف الشر» شجعت جامعة الدول العربية على التحرك وكسر طوق العزلة الذي رسمته دول تصنف نفسها «درجة أولى» وتصرخ كل يوم أنها جاءت بالدبابات إلى المنطقة العربية/ الإسلامية بهدف نشر «الديمقراطية» و«الدفاع» عن حقوق الإنسان وإصلاح دول من «درجة سياحية» استبدت بالناس لسلسلة عقود متتالية من الزمن.

جامعة الدول العربية تحركت لرد الإساءات. كذلك تحركت إلى جانبها وتحت مظلتها سلسلة من الدول العربية التي وجدت في الافتراءات خطوات سلبية بالغت كثيراً في تحدي الناس واستفزاز مشاعرهم.

لم يقتصر الأمر على الخارج الفلسطيني. فالصورة أيضاً بدأت تتغير في الداخل. فحركة «فتح» التي هددت بالعصيان تراجعت عن مواقفها السلبية وأخذت ترسل إشارات واضحة في مرونتها. «فتح» الآن باتت في موقع مشترك مع «حماس». وهي اتخذت قرارها الوطني المستقل بعد أن وجدت أن تلك الافتراءات تتقصد في النهاية إذلال الشعب الفلسطيني وإهانة كرامته من خلال تهديده برغيف الخبز وقطع إرادته بقطع رزقه.

حتى الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) أبدى استغرابه لما صدر من تصريحات وتهديدات، وقرر إعطاء فرصة لحماس للتقدم بمشروعها إلى الأمام. عباس كان واضحاً في التزامه بخيار الشعب الفلسطيني وبادر إلى لوم الإدارة الأميركية التي أغرقت الناس بالوعود وأوصلتهم إلى طريق مسدود. فالرئيس الفلسطيني فتح الباب أمام الرد وأوضح للرأي العام أن الوعود لم تنفذ أو ذهبت هباء بسبب الانحياز الكامل إلى دولة «إسرائيل» وعدم احترام تلك الدول لتعهداتها وتراجعها عن توقيعاتها وعدم استعدادها لحماية الشعب الفلسطيني الذي تعرض في السنوات الطوال للظلم والاقتلاع.

هناك ما يشبه انتفاضة الكرامة. وهذا ما يجعل «حماس» الآن في وضع أفضل. وكل يوم يمر تتحسن الشروط الدولية والإقليمية والمحلية لمصلحتها. وهذا يعني أن المسئولية ازدادت وبات على قيادة الحركة أن تقرأ السياسة بشكل يتناسب مع تلك المتغيرات التي أخذت تظهر في الأفق.

تغيير صورة المعادلة بحاجة إلى وقت. والبداية دائماً هي الأصعب... ولكن غباء الولايات المتحدة وافتراءات الاتحاد الأوروبي وكلبنة حكومة «إسرائيل» كلها عناصر مساعدة تسعف المظلوم للرد على الظالم.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1265 - الثلثاء 21 فبراير 2006م الموافق 22 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً