خاب أملنا في الجمعيات السياسية، فبعد أن قلنا أن الحظر سيزال عن النساء أخيراً، وستدعمهن الجمعيات السياسية ضمن قوائمها في الانتخابات المقبلة، تتردد الأنباء بين وقت وآخر أن لا نساء ضمن قوائم الجمعيات السياسية.
وكانت الطامة الكبرى على يد جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، التي أطنبت دوماً بدور المرأة وضرورة تمكينها، ومنحها مساحة للعمل السياسي، وتراجعت عند أول اختبار «حقيقي» لقياس القوى.
طبعاً، الجمعية السياسية في النهاية تقيس مصالحها، وتريد التمثيل في البرلمان، وأن توصل أكبر عدد ممكن من مرشحيها الأكفاء والأوفياء، وليذهب تمكين المرأة إلى الجحيم وسط هذه اللعبة الطويلة العريضة . لأن المرأة على الدوام «ليست بكفاءة الرجل».
«نحن ندعم النساء وتمكينهن، ونريد لهن الفوز في الانتخابات المقبلة»، هكذا يكون الموقف المعلن لأية جمعية أو تيار سياسي في هذه البلد، ولكن عندما تبدأ المعركة، ويحمى الوطيس، نجد النساء بقدرة قادر، رجعن للصفوف الخلفية، ونجد قائدي الجيوش الأكارم قد عادوا للعقلية التي تناسوها فترة من الزمان، والتي جعلتهم يفسحون مجالاً «بسيطاً» للمرأة إلى حين، وبغض النظر عن السبب الحقيقي وراء إفساحهم هذا المجال، إلا أن العقلية الأصلية لا بد أن تظهر في النهاية، لتوضح حقيقة واضحة هي أن المرأة لم تكن يوماً، هماً من هموم السياسة، ولم تكن يوماً « كفؤاً» بنظر الجمعيات السياسية، ولم يكن تمكينها السياسي موضوعاً في أولوية أجندة عمل الجمعيات السياسية.
وبعد «الوفاق» التي من شبه المؤكد عدم دعمها لنساء في الانتخابات المقبلة، نتوقع سيناريو آخر مشابه للجمعيات السياسية المتبقية جميعها، إسلامية كانت أو ليبرالية، فقد اختلفت هذه الجميعات في جميع أهدافها وأولوياتها، لكنها اتفقت على مبدأ واحد فقط «المرأة في تيارنا شكل جميل، ودعاية خرافية، ندعمها، ونرفع مكانتها على الدوام، ولكن بشرط، أن يكون هذا الدعم «متوافقاً» مع مصالحنا السياسية. وعندما ندخل المعترك الحقيقي، يمكننا أن نضحي بها وبدعمها، لأنها ليست ذات أولوية، المهم أن نصل لما نريد من مكاسب سياسية، محافظين على دعايتنا الجميلة البراقة بدعمها، ويمكننا أن نتخلى عنها فيما بعد».
لا تستغربوا إن لم تجدوا نساء ضمن قوائم الترشيح لأية جمعية سياسية في الانتخابات المقبلة، ولا تستغربوا أبداً أن يكون تمكين المرأة سياسياً خرافة يتندر بها بعض الرجال، وبعض النساء، في مجالسهم، ويستخفون بها، ويحيكون بشأنها القصص والنكات. ولا تستغربوا أبداً اتهام اية امرأة تشجع تمثيل أختها المرأة في البرلمان، بالليبرالية والانفتاح وربما «التفسخ الأخلاقي» أيضاً، لأن المثال النوذجي للنساء في مجتمعنا مايزال هو المرأة التي تسكت، وتسمع، وتتلقى الأوامر مطيعة. ولو فكرت أن تعترض، أو تدافع، أو تشرح وجهة نظرها، صارت من دعاة « الانفتاح والتحرر».
وبعد هذا كله، يقولون لنا نحن مع تمكين المرأة في كل مناحي الحياة، ويقولون لنا إن النساء نصف المجتمع، وعليهن أن يشتركن مع الرجال لبناء المجتمع. وبعد هذا كله، يطلبون منا أن لا نحقد على إخواننا السياسيين، ولا نحسدهم، على رغم أنهم قرروا بشكل جماعي، ودونما اتفاق مسبق بينهم، أن يتقاسموا الكعكة كلها، ولم يتركوا لنا نحن معشر النساء، ولو قطعة صغيرة من الكعكة.
عموماً، هذه لعبة السياسة والسياسيين، لا ذنب لنا نحن فيها، ولا قدرة لنا على تغييرها، وكم من رجال ظلموا على اثرها، وكم من نساء. وربما ضاعت على إثرها كثير من القضايا، وتهمشت، وتبعثرت، وطويت صفحاتها. ومنها تمكين المرأة السياسي. ولا بأس في ذلك، فليست هذه المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة. كلنا في الهم شرق، وكلنا في الظلم «نساء».
أنثى
«إن لم تعجبكم... فاحسبوها ثرثرة
العدد 1269 - السبت 25 فبراير 2006م الموافق 26 محرم 1427هـ