العدد 1269 - السبت 25 فبراير 2006م الموافق 26 محرم 1427هـ

العصفور شاهداً في مسرحية الجمري

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

فيما كانت مشاهد مسرحية «جمر الصقيع» مساء الجمعة تتوالى، كنت أرقب من على بعد مترين وجه القاضي والخطيب الحسيني الشهير الشيخ أحمد خلف العصفور. كان الرجل يهزّ رأسه حزناً وهو يرى مناظر معاناة صديقه الملا عطية الجمري، خصوصاً وهو شابٌ يحمل الحطب على ظهره إلى جانب الكادحين في الميناء. فيما كان يضحك أمام مشاهد أخرى من حياة صديقه الراحل، وما عرف عنه من روح نكتة وطرافة.

المسرحية تتناول حقبة تمتد سبعين عاماً من تاريخ البحرين، من خلال سيرة الخطيب الشخصية وعلاقاته برموز تلك المرحلة، مثل الخطيب بن رمل والقاضي عبدالحسين الحلي والشيخ أحمد الوائلي، تبدأ مع هجرة الخطيب الملا عطية إلى المحمرة في العشرينات، حتى رحلة علاجه الأخيرة في الهند منتصف .1982

إحدى النقاط المهمة التي أثارتها المسرحية، موقف الملا عطية الجمري من هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينات، إذ كان من مناصريها، حتى ان الهيئة طلبت منه، بوصفه خطيباً شعبياً، إنشاء قصيدة تدعم موقفها، وفعلاً سهر الرجل حتى وقت متأخر من الليل حتى أتمها، ولكن في صباح اليوم التالي امتنع عن إلقائها، واعتذر عن موقفه ذاك من دون أن يقدم تبريراً مقنعاً غير «سامحوني يا جماعة...». ولأن الوضع الشعبي المندفع لم يكن يحتمل مثل هذا الموقف غير المفهوم في المنعطفات التاريخية، فقد تم وصمه بالخيانة وقوطعت مجالسه، وهو ما سبّب له جرحاً عميقاً حتى وقت متأخر من حياته.

المسرحية تحاول أن تجيب على هذا اللغز، بتقديم الخطيب في إطاره الطبيعي، كشخصية دينية بالدرجة الأولى، بدأ حياته برؤيا سلّمه فيها أحد الأئمة سيفاً، فسّره الخطيب على أنه «سيف التوفيق»، أو موهبة الشعر التي كرّسها لتبني قضية أهل البيت (ع) وبيان مظلوميتهم عبر التاريخ، وهو المجال الذي أبدع فيه وحفر لنفسه بسببه اسماً بين الكبار.

مع نهاية المسرحية، اقتربت من زميله ورفيق رحلته الطويلة الشيخ أحمد العصفور، وبادرته بالسؤال: «هل ذكّرتك المسرحية بالملا عطية؟» فأجاب في جدية ظاهرة: «نعم، كل هذه الحوادث مررت بها، كلها صحيحة». سألته ثانية: «وما قصّة القصيدة؟»، هنا فاجأني بجواب لم أتوقعه: «القصيدة سلّمها لي شخصياً، وقمت بإلقائها نيابة عنه في مأتم بن رجب، بعد أن اعتذر هو عن ذلك».

أمر آخر مهم، ما ذكره الشيخ العصفور، من أنه ربما يجد القصيدة «الحائية» في أوراقه القديمة، وفي هذه الحالة ربما يسهم هذا الكشف في إدخال تعديل على صورة الخطيب الجمري، بعد أن ارتسمت له صورة سلبية لانسحابه المفاجئ وغير المفهوم من الساحة.

المسرحية اجتهدت في تقديم الإجابة بالعودة إلى الإطار الديني نفسه، إذ يعترف في آخر حياته: «في الليلة التي أكملت فيها القصيدة، رأيت الرجل نفسه الذي سلّمني السيف في المنام قبل ثلاثين عاماً وهو يقول لي: سنأخذ منك السيف الذي أعطيناك إذا بدأت بخدمة غيرنا».

هل أجابت المسرحية على لغز الانسحاب المفاجئ؟ أم أنها طرحت سؤالاً جديداً عن إحدى الظواهر المرضيّة التي تعاني منها الساحة السياسية في البحرين منذ عقود؟

وبين الهيئة والحسين أختار الحسين.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1269 - السبت 25 فبراير 2006م الموافق 26 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً