العدد 1273 - الأربعاء 01 مارس 2006م الموافق 30 محرم 1427هـ

الهوية... إلى أين!

هدير البقالي comments [at] alwasatnews.com

-

ليس خفياً أن يتمرغ «الإنسان الآخر» بتراب وطنه، أو يستنسخ ذاتاً غربية يغاير بها الآخرين (المعبرين) من جنسه، أو يخلق حالاً من الانفصام والتمرد على كيانه القار. هذا يحدث، في زمن يتقهقر بلا هوية.

ما يجري ليس بثرثرة للهوية، وإنما شك يخالج الإنسان بطبعه على مرّ العقود والأزمان، في طرح رؤية وأسئلة مستحدثة للذات «الأنوية»، التي باتت تدخل منعطفاً جديداً للواقع الفلسفي بمعطيات مبتكرة ومبطنة الصنع، تتشكل على أثرها عقول خارجة عن الإطار المعرفي والعقائدي، إذ لم يعد الدين أو العرق هاجساً ينتاب الهوية الإنسانية، بل الولوج إلى عناصر تفرز قيادات جديدة يحددها التميز، والقوة، وتعدد الذات الواحدة. غير أن عادة الهوية لا تستبصر إلا التهجين الأخير لنفسها.

من المرجح أن يطوى على «الإنسان الآخر»، روح ازدواجية الهوية وتعددها بالحقول المعرفية والثقافية، التي أصبحت مضللة بالمجتمعات التقليدية المستحدثة وجدل اكتشاف الهويات في اللحظة والتو، باعتبار ان المجتمع في حال تجديد مستمر وخلاق بطبعه تارة، وعدم التقييد بهوية يكشفها في حين للآخرين، في ما يريد المجتمع أن يكون وما يطمح الإنسان في أن يكون تارة أخرى.

هناك معاناة وفقر يشهدهما الفكر العربي، في تملق الخطاب الملون وانطلاقه من منبع فارغ وسط دوامة غربية من أصل عربي، تكشف بها أناتها المحصورة باللغات المصطنعة، والمشوهة، والمندمجة ببرجي الذات الحدثية، نتأملها خارج المركز المحيط بدائرة الهوية الواحدة، متجانسة في مظهرها ومتشعبة بمضمونها، إذ يبقى الغرب الغاوي الأكبر للإنسان العربي، وإن بدأت بعيدة بلا نموذج يستثير «الأنا».

العنصرية، والتشدد، والانغلاق، معضلة تفجرها الجاليات العربية من الجيلين الثاني والثالث، بين مطرقة الاندماج الحيوي بالأنماط الغربية من جهة، ومسايرة الهوية العربية من جهة أخرى، وذلك لحصولهم على منح وتسهيلات مميزة للحرية والديمقراطية على حد سواء، تكون بالأحرى أفضل من النظم العربية في تفعيل ذاتها وأولوياتها البيرواقراطية، وطبعاً النتيجة المخيفة بالتالي، اقتناصها مراحل متطرفة، ومرتبكة، ومعقدة، تنشأ عند مفارق الطرق لعزلة جديدة.

وكما يسبر لنا «هيدغر»: «إننا منذ أول أمرنا وعلى الأغلب نحن لسنا عند أنفسنا، نحن نتسكع ضمن فقدان لأنفسنا ونسيان لأنفسنا. وإنه لذلك يكون السؤال عن الـ (هو) نفسه بالنسبة إلينا سؤالاً غير مألوف، شاقاً وموحشاً». وإن تعددت الأسئلة الفلسفية لمواجهة الهوية، يبقى دورها غير منضبط بالمجتمع يتمتع بسلطة اعتباطية، وكأنما تقوقع الهوية لا يواجه إلا بهوية

العدد 1273 - الأربعاء 01 مارس 2006م الموافق 30 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً