العدد 2456 - الأربعاء 27 مايو 2009م الموافق 02 جمادى الآخرة 1430هـ

رشوةُ الموت

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما الذي فَعَله المُجنّد الأميركي ستيفن دالي غرين لكي يُحاكم. حسنا، يُمكن استحضار ذلك بالذاكرة. التاريخ كان العاشر من مارس/ آذار 2006. الوقت هو الثانية ظهرا. أما المكان فهو مدينة المحمودية (30 كلم إلى جنوب العاصمة بغداد).

ضحايا الجريمة هم: رب الأسرَة قاسم حمزة رشيد الجنابي (36 عاما) وزوجته فخرية طه محسن (34 عاما) وابنتيه عبير قاسم الجنابي (15عاما) وهديل قاسم الجنابي (سبعة أعوام).

الجريمة كانت بغريزة ذئبيّة هابطة: دخول قوّة مكوّنة من 15 جنديا أميركيا لمدينة المحمودية واقتحام منزل قاسم الجنابي وتقييده من الخلف وزوجته فخرية وابنتهما هديل واقتيادهم من قِبَل الجنود نحو غرفة واحدة.

ثم قام دالي غرين بإعدامهم داخل الغرفة بدمٍ بارد رميا بالرصاص. أربع رصاصات استقرت في رأس قاسم، وخمس رصاصات في البطن والجزء الذي يليه نزولا لزوجته فخريّة، ورصاصات متعددة في رأس وكتف الطفلة هديل!.

بعدها اقتاد بقية الجنود عبير الجنابي إلى غرفة مجاورة داخل المنزل وتناوب عشرة منهم على اغتصابها تباعا، بينهم غرين نفسه الذي التحق بهم بعد تنفيذه جريمة القتل بحقّ والديها وشقيقتها.

وبعد الانتهاء من عملية الاغتصاب أتاها أحدهم بضربة جسم حاد على رأسها، ثم خنقها بوسادة كتمت أنفاسها، ثم سكبوا عليها بنزينا وأحرقوها بالنار! وبعد خروجهم من المنزل قال غرين لزملائه «كان شيئا عظيما» بحسب ما أفاد به المدعي العام الأميركي بريان سكاريت.

قبل أيام حكمت هيئة محلفين بولاية كنتاكي الأميركية على ستيفن غرين بالسّجن مدى الحياة بتهمة إبادة عائلة الجنابي ضمن 17 تهمة، على أن يُنطق بالحكم رسميا في الرابع من سبتمبر/ أيلول القادم.

حين يقول والد الجاني إن المحلفين اختاروا «الحل الأمثل بين حلين سيئين، السجن المؤبد وعقوبة الإعدام» وحين يقول شقيقه إن الحُكم «عادل» وحين يقول محاميه «أن القضية لم تكن متعلقة بالعدل بل بتهدئة دعوات خارجية إلى إعدام غرين، لكن هيئة المحلفين لم تخضع إلى هذه الضغوط» نفهم جيدا لماذا بكَت عائلة الجنابي في المحكمة.

القضاء الأميركي مُستقل لكنه اليوم يحكم بما لا يُناسب الجريمة. لا أدري لربما يكون السبب في أن العراق لم يتحوّل بعد إلى دولة تملك سطوة الحضور الدولي والسيادة الكاملة لكي تضغط فيُستجاب له، كما يفعل الأميركيون مع رعاياهم في كلّ الدنيا.

اليوم تستمع المحكمة إلى تفاهات مُجرم. هو يُعرّف نفسه على أنه «عاش طفولة صعبة، وأن قيادة الجيش الأميركي تُعاني من خلل بيروقراطي» دفعته لأن يقوم بما قام به من جُرم.

إذا كان المدّعي العام سكيرد يُقرّ بأن الجاني قام بجرمه عبر «عقلية إجرامية ومنحطّة» فنحن نتساءل: لماذا لم يُقَرّ عليه حكم الإعدام إذا؟! وإذا كانت ستة وثلاثون ولاية أميركية تُطبّق عقوبة الإعدام فما هي معايير الجريمة التي يستحقها الجاني لكي ينال تلك العقوبة.

الغريب أن الولايات المتحدة تُعدِم وليام أيرل ليند بعد إدانته بقتل صديقته بإطلاق النار عليها، وتُنفّذ أحكام الإعدام بحق ألف شخص لارتكابهم جرائم فدرالية من بينها القتل، وتُصدر 3300 حكم بالإعدام يُنتَظَر تنفيذها في حين تمتنع هيئة المُحلّفين عن إدانة غرين على رغم إقراره بعملية القتل الرباعية المجنونة.

لا أحد يريد أن يتحدّث عن الدماء الزرقاء، ولا عن شعوب آريّة، ولا عن رايخ ثالث، ولا عن عالم أنكلوساكسوني، لكن ما يجري لا يدفع إلاّ بهذا الاتجاه. بل إن ذلك يدفع نحو القبول بما قاله محامي ستيفن غرين من أن «أميركا لا تقتل جنودها» أكانوا مُحطّمين أو مبنيين.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2456 - الأربعاء 27 مايو 2009م الموافق 02 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً