العدد 1275 - الجمعة 03 مارس 2006م الموافق 02 صفر 1427هـ

الشركات العائلية: 2- الظاهرة العربية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل تناول الشركات العائلية كظاهرة عربية ينبغي التأكيد، وكما أشرنا في الحلقة الأولى، على أنها لاتزال مستمرة على النطاق العالمي. ففي أوروبا وأجزاء من آسيا، كانت هناك دوماً، ولاتزال سائدة حتى يومنا هذا، رؤية خاصة لقيم العمل الجوهرية تتمركز حول المؤسسات طويلة الأمد، وخصوصاً مؤسسة العائلة. وتظل المؤسسات العائلية ممتدة في المركز حقاً حتى في قطاع المؤسسات التجارية الضخمة. وطبقاً لإحصاء جرى حديثاً، فإن 17 من أكبر 100 شركة في ألمانيا مملوكة لعائلات، وكذلك 26 من أكبر 100 شركة في فرنسا، و43 من أكبر 100 شركة في إيطاليا.

أما على الصعيد العربي، وكما جاء على لسان مدير دائرة اقتصاد أبوظبي محمد مهنا القبيسي فإن «95 في المئة من الشركات في الشرق الأوسط تديرها عائلات وأن 90 في المئة من إجمالي مؤسسات الأعمال في المنطقة هي شركات عائلية».

ولعل من أهم المؤشرات على تنامي دور المؤسسات العائلية في الحياة الاقتصادية العربية هو بناء أكاديمية المؤسسة العائلية (Business Family Academy) التي من أهم أنشطتها تقديم خدمات استشارية في المجالات الآتية:

- كيفية حل الخلافات العائلية في العمل.

- كيفية تشكيل المجلس العائلي وإدارته.

- كيفية تكوين وتفعيل المجلس الاستشاري ومجلس الإدارة.

- تنظيم عملية توارث العمل العائلي.

إلى جانب ذلك تقدم الأكاديمية خدمات متخصصة ومتكاملة في استحداث وتنظيم أساليب العمل في الشركات العائلية.

ولو أخذنا السعودية كنموذج عربي أو خليجي يدلل على الحيز الذي تحتله الشركات العائلية في الاقتصاد الوطني، سنجدها وبحسب بيانات نشرها مجلس غرف التجارة والصناعة السعودي أنها، أي تلك الشركات، تشكل قيمة اجتماعية واقتصادية معاً، إذ تقدر حجم استثمارات الشركات العائلية داخل المملكة بنحو 250 مليار ريال، وأن هناك 45 شركة عائلية من ضمن أكبر 100 شركة في المملكة وقد تجاوزت عائداتها 120 مليار ريال في العام 2003 م وأنها توظف ما يقارب 200 ألف شخص، وان غالبية الشركات العائلية السعودية متوسعة في نشاطاتها التجارية، يدير الجيل الثالث نحو 10 منها، والجيل الثاني يدير نحو 20، بينما يدير المؤسسون باقي الشركات.

وكأية ظاهرة اقتصادية، محلية كانت أم عالمية، تواجه الشركات العائلية مجموعة من التحديات، فعلى الصعيد الداخلي هناك مشكلة انتقال الرئاسة بعد وفاة المؤسس والتقسيم الشرعي لتركة المؤسس، وتغير نمط الملكية العائلية، والصراع على السلطة والإدارة، وضعف التخطيط الاستراتيجي، وعدم الفصل بين الملكية والإدارة، وتعاقب الأجيال، إذ تؤكد دراسة حديثة أن 45 في المئة فقط من الجيل الأول بالشركات الأميركية ينجح في إعداد وتهيئة من يخلفه من الجيل الثاني، وقصر العمر الزمني للشركة العائلية، إذ أثبتت الدراسات أن العمر التقريبي للشركات العائلية نحو 24 سنة.

أما على الصعيد الخارجي، فهناك: الاتجاه الذي بدأ يسود البلاد العربية في الاعتماد على القطاع الخاص في تحقيق التنمية، وانخفاض حجم الانفاق الحكومي، والبدء في تطبيق الأنظمة الاقتصادية الجديدة، إلى جانب بداية اختراق المنطقة من قبل قيم ومفاهيم وقوانين النظام الاقتصادي العالمي الجديد، وما يعنيه ذلك من إزالة كل صور الحماية والدعم والاحتكار وفتح الأسواق مفتوحة واستشراء المنافسة، كل ذلك إلى جانب ثورة المعلومات والاتصالات، وزيادة سطوة التكتلات الاقتصادية الدولية بما فيها سطوة الشركات العالمية المتعددة الجنسية، وفوق ذلك ستواجه الشركات العائلية المحلية التغيير والتحديث والتجديد والسرعة والشفافية.

ومن الطبيعي أن تثير مثل هذه التحديات سؤالا منطقيا أمام هذه الشركات هو: هل ينبغي أن تغادر هذه الشركات مواقعها وتتحول إلى مؤسسات عامة أم تستمر في طريقها العائلي؟ يرفض بعض القائمين على هذه الشركات دعوات التحول إلى شركات مساهمة التي ينادي بها خبراء الاقتصاد، ومن بينهم رئيس مجلس إدارة مجموعة بن بطي، الشيخ حامد بن خامد بن بطي آل حامد، الذي يؤمن بأن «الشركات العائلية على رغم ما تواجهه من تحديات ستحافظ على مكانتها باعتبارها من ركائز الاقتصاد الوطني لما تملكه من أهمية أثرت في خريطة الاقتصاد الوطني، وسيتعزز دور الشركات العائلية أكثر في المستقبل في ظل تشجيع الحكومة للقطاع الخاص واعطائه هامشاً أوسع للعب دور محوري في التنمية الاقتصادية».

ويعتبر آل حامد «أن التطورات العالمية والتحولات الاقتصادية المتمثلة في سقوط الحواجز الاقتصادية والانفتاح الاقتصادي المطلق واتفاقات التجارة العالمية لن تحجم الشركات العائلية أو تحد من دورها باعتبارها لاعباً أساسياً على الساحة الاقتصادية الخليجية والإماراتية، لان هذه التحديات تعطي الشركة العائلية الحافز لتطوير أعمالها وتوسيع قاعدتها».

البعض الآخر يرى أن الوقت لايزال غير مناسب، ومن بين هؤلاء المدير التنفيذي لشركات الفهيم، محمد عبدالجليل الفهيم، الذي يعتقد «أن الوقت الحالي غير مناسب لتحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة عامة، فلا يعقل إتمام التحول في ظروف سوق أسهم غير مستقرة أو غير مشجعة، غير انه أكد أن تحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة قد يكون أفضل الحلول إذا ما دبت الخلافات بين أصحابها، وخصوصاً بعد وفاة مؤسسها وانتقالها إلى الورثة الذين تختلف اتجاهاتهم وميولهم». من جانب آخر، يرى رئيس مجلس إدارة مجموعة داماك، حسين سجواني أن القانون في دولة الإمارات هو السبب، موضحا ذلك بالقول «إن العقبة الكبرى التي تواجه الشركات العائلية التي ترغب في التحول إلى مساهمة عامة تكمن في ضرورة طرحها 55 في المئة من أسهمها للاكتتاب العام وهو ما يؤدي إلى التقويم المتدني لهذا النوع من الشركات، موضحا أن القوانين المعمول بها في بعض الأسواق المجاورة وبعض الدول الأوروبية تقضي بطرح ما بين 10 - 20 في المئة من أسهم الشركة في الاكتتاب الأولي ومن ثم دراسة طرح باقي أسهم الشركة على المستثمرين.

لكن يخالف رأي الخبراء ما يقوله أصحاب الأعمال، فأستاذ الاقتصاد في جامعة الإمارات محمد إبراهيم الرميثي، يعتقد «أن هناك توجهاً في دول الخليج عموماً ودولة الإمارات خصوصاًا إلى تحويل بعض الشركات العائلية إلى شركات مساهمة عامة لما لشركات المساهمة من فوائد منها إفساح المجال للناس لتملك الأسهم، ومنهم صغار المستثمرين الذين يفتقرون لرأس مال كبير والخبرة ما يتيح لهم الفرصة لدخول سوق التجارة، ومن مميزات الشركات المساهمة كذلك أن أسهمها يتم تداولها في سوق الأوراق المالية ما يساعد على إنعاشه بدخول أموال وشركات جديدة وذلك بإعطاء فرصة أكبر للتداول في سوق المال». أما رئيس قسم الأسهم في بنك أبوظبي الوطني، زياد الدباس فيعتبر «أن لتحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة فوائد عدة منها تنويع في الإدارة ما يساعد في تنمية رأس المال وإدخال للتكنولوجيا التي يعتمد عليها الاقتصاد و(أنه) بانضمام الدولة لمنظمة التجارة العالمية أصبحت المنافسة أكبر فلا مجال لتفكيك الشركة العائلية الذي قد ينجم عن موت مؤسسها مثلا أو تقسيم تركته فمن الأفضل أن تتحول إلى شركات مساهمة فتبقى قائمة وذلك لانفصال الإدارة عن الملكية».

بين هذين الموقفين المتنافرين هناك من يقف في الوسط من أمثال فيصل جمعة بلهول، المؤسس والشريك المدير لشركة «إثمار كابيتال»، التي تعمل في قطاع الاستثمار في الشركات الخاصة وتتخذ من دبي مقراً لها، فقد جاء في كلمة ألقاها أمام القمة الأوروبية التاسعة للاستثمارات الخاصة ورؤوس الأموال «سوبر ريتيرن 2006»، التي انعقدت في مدينة فرانكفورت الألمانية في الفترة من 20 إلى 23 فبراير/ شباط الماضي، تناول موضوع التطورات التي تشهدها الأعمال العائلية قائلا «كانت الشركات العائلية تمتنع، في الماضي القريب، عن الاستعانة بالاستثمارات الخاصة لدعم برامج تطويرها وإعادة هيكلتها. ولكن، بدأ الوعي بأهمية الاستفادة والاستعانة بالاستثمارات الخاصة والخبرات كوسيلة للارتقاء، ودعم قدرات الشركات الخاصة يتزايد بشكل كبير، (مؤكدا أنه) مع الانتشار الواسع لهذا النهج، سيتحول المزيد من مجموعات الأعمال العائلية لتصبح مؤسسات ذات إدارة حديثة، وهو ما سيفتح المجال أمام الاستعانة بفرق إدارية ذات خبرة عالية، زيادة فعالية الإنتاج، إعادة هيكلة بنية رأس المال إلى جانب إلغاء مجالات النشاط غير المرتبطة بأعمالها الرئيسية. ويُهيئ هذا الأمر الشركات لطرح أسهمها في الأسواق المالية أو بيعها استراتيجياً. وبصورة عامة، نرى أنه لم يتم حتى الآن الاستفادة الكاملة من الفرص المتاحة في قطاع الاستثمار في مجلس التعاون الخليجي».

ربما من المبكر الخروج باستنتاج قاطع حول المنتهى العام الذي ستؤول إليه الشركات العائلية العربية ويحضرنا في هذا الصدد رأي أستاذ علم التاريخ بجامعة برينستون هارولد جيمس، وهو مؤلف كتاب «نهاية العولمة: دروس من الأزمة الاقتصادية الكبرى»، الذي يقول «بينما أصبحت الهيئة المستقبلية للرأسمالية العالمية أكثر غموضاً، فإن القيم العائلية كعهدها دائماً تأتي في صميم الموضوع. فالملكية العائلية تساعد على بناء الثقة وتعد بالالتزام بتوفير فرص العمل والدخل على المدى البعيد. ومما لا شك فيه أن هذا النموذج ربما يصبح ذا نفع عظيم في كل من أوروبا وآسيا وغير

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1275 - الجمعة 03 مارس 2006م الموافق 02 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً