العدد 1276 - السبت 04 مارس 2006م الموافق 03 صفر 1427هـ

النظام العربي بين سكين التشدد وقرنفلة التسامح

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

هذا الأسبوع لازمني صديقان (كتابان) أحدهما كتاب الرئيس السابق بيل كلينتون: «حياتي»، والآخر «الوليد بن طلال الملياردير»، عن دار العربية للعلوم. كلما قرأت كتاباً جديداً شعرت بأن هناك بحوراً من المعلومات والمعارف لا أعرفها، وتذكرت قول الله عز وجل: «إقرأ وربك الأكرم» (القلم:3).

ينقل تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 «نحو إقامة مجتمع المعرفة» ص4 في رؤية ناقدة للمجتمع العربي: «أن متوسط الكتب المترجمة لكل مليون من السكان في الوطن العربي في السنوات الخمس الأولى من الثمانينات 4,4 كتب (أي أقل من كتاب واحد في السنة لكل مليون من السكان)، بينما بلغ 519 كتاباً في المجر، و920 كتاباً في اسبانيا لكل مليون من السكان».

القرآن الكريم يقول لنا: اقرأوا إن أردتم كرامة. ونتوقف نحن عن القراءة والغرب يزداد قراءة وكأن الخطاب لهم وليس لنا! سافرت إلى الولايات المتحدة أكثر من مرة وزرت ست ولايات، وكنت أتعمد أن أراقب في الطائرة أو في المترو المسافرين لأعرف هل المجتمع الأميركي مولع بالقراءة. أقول لكم: نعم، إنها مجتمعات أفضل منا في القراءة وكأن «اقرأ» نزلت إليهم! القراءة قادتهم إلى التطور. في فرنسا جاءت الثورة الفرنسية وفي كل الغرب تمردوا على الاستبداد ومحاكم التفتيش، لذلك تطوروا.

إنهم يعرفون القانون. في بريطانيا أو في أميركا أو أي دولة غربية، بإمكانك مقاضاة أي مسئول، أما القانون عندنا في الدول العربية فهو مثل مغارة علي بابا، تحتاج إلى معرفة سر كلمة افتح يا سمسم، ولأن أحداً لا يعرفها تبقى المغارة ويبقى القانون مخترقا، ولأن الناس تجهله والكل يخترقه. كنظام ثقافي واجتماعي حكومات ومثقفين ومجتمعات، نعاني من تشجيع الخطاب الوسطي. ونحن بحاجة إلى الوسط الذهبي، الذي عبر عنه أرسطو: كل فضيلة هي وسط بين رذيلتين. حتى الفلسفة الصينية قائمة على مبدأ يسمى مبدأ تبادل السلبية والايجابية. فلابد أن يراعى في المناهج الدراسية وعبر المنابر الجادة هذا الخطاب الوسطي الذهبي، وذلك لا يكون من دون اطلاع وثقافة. نحن ركزنا على: الشوارب، وهل يجوز الاستصباح بالزيت النجس؟ وهل تجوز طباعة المصحف عبر مطبعة آلاتها مصنوعة من الكافر؟ وما حكم البئر الذي تسقط فيه فأرة؟ ونسينا فقه المصارف وفقه الدولة!

قليل منا من يحبب الدنيا الجميلة المباحة والبعيدة عن الحرمة للشباب، ونسينا أن القرآن كله آيات عن الجنان وجمالها. الاسلام يركز على الأناقة، ويقول الرسول (ص): «أصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس».

التوازن القرآني هو المطلوب، فلنصلح دنيانا لنصل إلى آخرة جميلة. الخطابات المتشددة والعصابية تصنع شباباً معقداً يكره الترفيه والجمال والسعادة، ويبحث فقط عن الموت والنسف، ويصل إلى حياة اللامعنى كما يعبر علماء النفس. هذه إشكالية العنف اليوم في العراق وما جرى في اندونيسيا والدار البيضاء والجزائر... إلخ.

يقول الإمام الباقر (ع): «لا يعرض لي بابان كلاهما حلال إلا أخذت باليسير، وذلك لأن الله يسير ويحب اليسير ويعطي على اليسير ما لا يعطي على العنف». (تهذيب الأحكام للطوسي، ج،5 ص52).

والسؤال: لماذا لا نكرر هذه الأحاديث على عقول شبابنا المسلم؟ الإسلام دين يسر وبضوابط وليس دين عسر وتشديد وعبوس وجه وتجهم. الإسلام لا يسمح لنا بأن نتهم المجتمعات الإسلامية بالجاهلية. وللشيخ محمد الغزالي كتاب قيم اسمه «سر تأخر العرب والمسلمين»، (دار نهضة مصر للطباعة والنشر). ويجب أن نعيد قراءتنا للمجتمع المدني وتمكين المرأة وعلاقة المسلم بالآخر، وجدلية المواطنة.

انظر كتاب «المجتمع المدني مقاربات في دور المرأة والشباب» لخاتمي، وكتاب «الإسلام في معركة الحضارة» لمنير شفيق. إذاً، لابد من القراءة والنقد، فالنقد صابون القلوب، ونمتلك قلباً يتألم وقلباً يتأمل، فكراً وعاطفة. وإشكالية العنف بيننا كمسلمين هي إشكالية تدين تسطيحي، والتدين يشبه، الملح، ضروري للحياة والطعام، وإذا زاد عن المطلوب خربت الحياة والطعام. وتدين تسطيحي مع جهل يسبب مآزق ونصبح كمجتمع الاميش في أميركا شكله انساني وهم مجموعة بشرية، لكن كل تطور أميركا لم يغرهم للحاق بالحضارة، فهم إلى الآن يركبون الحمير ويرفضون الكهرباء، واستخدام الجوال والطائرة، وينظرون إلى الناس الذين يستخدمونها كمتخلفين. يقول معروف الرصافي:

ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوم.

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 1276 - السبت 04 مارس 2006م الموافق 03 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً