العدد 1301 - الأربعاء 29 مارس 2006م الموافق 28 صفر 1427هـ

الهروب ليس شجاعة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

توافقت الدول العربية في قمة الخرطوم على صيغة بيان ختامي أعادت فيه توصيف الواقع ومشكلاته. فالبيان اكتفى بترسيم حدود المطالب العربية ضمن أطر لا تختلف كثيراً عن بيانات ختامية سابقة.

مثلاً جددت قمة الخرطوم التزامها مبادرة السلام العربية التي صدرت عن قمة بيروت في العام 2002. معتبرة ان تلك المبادرة تشكل أساساً لحل الصراع العربي - الإسرائيلي. وجاء التأكيد معطوفاً على نزاهة الانتخابات الفلسطينية الأخيرة من دون الاشارة إلى فوز «حماس» وإدارتها السياسة للسلطة. فالقمة نظرت بعطف إلى المشاعر الفلسطينية وأبدت اعتراضها على قرارات المقاطعة والتجويع التي اتخذتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، ولكنها لم تطور الشفقة إلى موقف سياسي، مكتفية بفصل الواجبات الإنسانية عن تصوراتها السياسية.

كذلك كررت القمة مساندتها للبنان وتأييدها لمطالبته في استعادة مزارع شبعا. وأكدت أيضاً دعمها لسورية وتضامنها معها. وبالنسبة إلى موضوع العراق جددت القمة احترامها لسيادة العراق وتشجيع الأطياف السياسية على تشكيل حكومة وطنية موسعة.

وعلى هذا المنوال يمكن رصد الكثير من النقاط التي أشارت إليها القمة عرضاً ومن دون توضيح لزوايا الصورة. فالبيان عام اجمالاً ويشتمل على مجموعة رؤوس أقلام تشير إلى موضوعات ادرجت على جدول الأعمال واعيد ترتيبها في فقرات اطلق عليه «بيان» بالنتائج.

بيان النتائج لا يعني اطلاقاً ان القمة توصلت إلى خلاصات توضح الأساليب المطلوبة والأدوات المقترحة لمتابعة تلك الملفات وفق آليات تحدد الفترة الزمنية المفترضة. فالبيان اشبه بإعلان عن انتهاء وقائع جلسات القمة وبالتالي فإنه مجرد ورقة تضاف إلى عشرات الأوراق التي صدرت عن قمم سابقة.

المشكلة في القمم العربية انها تنتهي في لحظة الختام وتوديع القادة لبعضهم في المطارات. بعد ذلك تأخذ القضايا مجراها الخاص والمنعزل عن تلك التوافقات أو التفاهمات. وهذه المشكلة ليست جديدة وانما هي من الحالات المزمنة التي تصر الدول العربية على إعادة إنتاجها سنوياً. فالبيان هو مجرد تذكير بالقضايا. والتذكير كما يبدو أصبح عادة تلتقي خلالها الدول في موعد محدد لشرح وجهة نظرها في هذا الموضوع أو ذاك. وبعدها تترك القضايا تسير وفق صيغ ليست بالضرورة متطابقة مع توجهات القمم العربية.

القمم العربية إذاً أصبحت منذ فترة طويلة تسير على هوامش الحوادث العربية. فهي لا تقودها ولا تحركها ولا تضبطها وانما تعلق عليها. التعليق على الحوادث العربية ابسط الايمان، بينما مجرى الحوادث يسير من دون قيد أو شرط بسبب ضعف الدول العربية البنيوي وعدم قدرتها على التدخل في هذا الموضوع أو ذاك. والنتيجة في النهاية لا تستبعد أن تسهم في خروج مراكز قوى إقليمية تنافس موقع الجامعة العربية أو تعطل عليها دورها السياسي المركزي في توجيه المسارات العامة والمشتركة للدول العربية. فهذا النوع من الانسحاب التدريجي يشجع في النهاية الكثير من القوى الإقليمية على أخذ المبادرة. كذلك يعطي ذريعة للدول التي لا تؤمن بالمصير الموحد والمصالح المشتركة للبحث عن صيغة كيانية/ قطرية تعطيها مبرر الانفصال أو الانسحاب أو إعلان الاستقلال عن مؤسسة الجامعة.

هذه الاحتمالات ليست مجرد مخاوف، إذ يمكن مراقبة تحولاتها في بعض المشاهد المتتالية في السياسة العملية. وهذا يمكن ملاحظته من تلك الفروقات البينة في نقاط مركزية كالقضية الفلسطينية أو الاحتلال الأميركي للعراق أو موضوع السلام والتسوية أو حتى في تلك المواقف المتصلة بمشروعات مبهمة مثل «الشرق الأوسط الكبير» أو تسميات غير مفهومة للمنطقة العربية - المسلمة مثل شعوب «مينا» وتعني «الشرق الأوسط» و«شمال إفريقيا».

الانسحاب العربي (الرسمي) من معالجة القضايا المشتركة والتردد في التدخل الميداني في حل اشكالاتها يعطي فسحة جغرافية وزمانية لكل القوى الدولية الكبرى المتضررة أو الطامعة أو الطامحة في التقدم لتعبئة الفراغ السياسي وما تستتبعه من تدخلات أمنية. كذلك يسمح الانسحاب العربي (الرسمي) في تقديم فرصة للهيئات والمنظمات المدنية والأهلية في احتلال مواقع متقدمة في إطار دائرة الصراع مع تلك القوى الدولية الكبرى المتضررة والطامعة والطامحة.

المشكلات المترتبة على الانسحابات العربية الرسمية والتردد في القيام بالدور المطلوب سياسياً كثيرة، وهي لا تقتصر على توسيع الثغرات لزيادة جرعات التدويل بل تشمل أيضاً إمكانات دخول قوى أهلية ومحلية على خط المواجهة، لا تؤمن أصلاً بالكيانات السياسية القائمة ولا تحترم العلاقات المدنية بين الطوائف والمذاهب. فمثل هذا الدخول الفوضوي على خط التنازع مع الاحتلالات أو الوجود الأجنبي سيؤدي مستقبلاً إلى الشرذمة وتعطيل دور دول الجامعة العربية واثارة مشكلات أهلية داخلية لا تقل صعوبة عن تلك المواجهات التي تتعرض لها الأمة من المحيط إلى الخليج.

البيانات الختامية العربية أصبحت عادة سنوية تكرر فيها دول الجامعة توصيف المشكلات وترسيم حدودها وتلوين خطوطها. وهذا النوع من البيانات الذي ارتفع معدله التراكمي في العقدين الأخيرين سيجلب المزيد من الصعوبات لقادة اعتقدوا أن الانسحاب هو أفضل من المواجهة... والهروب شجاعة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1301 - الأربعاء 29 مارس 2006م الموافق 28 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً