العدد 1302 - الخميس 30 مارس 2006م الموافق 29 صفر 1427هـ

في زمن التداعي... يبرز أهل البحرين الكرم

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

اعترف في البداية أن النصف الأول من عنوان المقال ليس لي وانما أخذته من الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة عندما قرأت رسالته الرائعة التي وجهها لسيد البشر جميعاً رسولنا الكريم (ص) والتي نشرت في «أخبار الخليج» يوم الأحد 13 محرم 1427هـ. رسالة رائعة بكل المقاييس؛ أسلوباً وفكراً ومنهجاً وفوق هذا كله فإن عاطفة الكاتب الجياشة كانت تبرز في كل حرف فيها والكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب كذلك.

والرائع في هذه التحفة الأدبية أنها جاءت في وقتها، في وقت «التداعي» كما اختار لها المؤلف، فالأمم تداعت مع الإسلام وعلى نبي الإسلام حتى وصل بهم الأمر إلى عرض صور في غاية القبح لرسولنا الكريم، بل رسول البشرية جمعاء وكأن هذه الأمة أصبحت لا حول لها ولا قوة، وأصبحت كما وصفها الشيخ في مقاله حتى قال عنها: «فالمطلع على قضايا المسلمين وأحوالهم والصور المأسوية والإذلال والإهانة التي تتعرض لها أمة الإسلام وهي تعيش مرحلة من أحرج المراحل في تاريخها وتمر بأزمة لا يعلم متى تفيق من أزمتها إلا الواحد الأحد».

نعم، امتنا تعيش في أزمة حادة، هذه الأزمة هي أزمة التفرق والتشرذم والاختلاف، وقد استطاع الشيخ في «رائعته» أن يصف هذه الأزمة وكأنه يعيش كل تفاصيلها، واستطاع كذلك أن يشخص الدواء لهذه الأمة إذا أرادت أن تخرج من هذه الأزمة سليمة معافاة.

الإساءة لرسولنا الكريم لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة إلا إذا قام المسلمون بواجبهم وتصدوا للدفاع عن رسولهم وعن أمتهم وعن هويتهم وسر وجودهم.

صحيح أن المسلمين تحركوا في كل أنحاء الدنيا، وعبروا عن مشاعرهم بطرق متنوعة ولكن أهالي البحرين فعلوا الشيء الذي كان يجب أن يفعل. حكومة البحرين وأهل الخير فيها تبنوا إقامة مؤتمر عالمي هدفه الدفاع عن الرسول الكريم ونصرته. وقد حشدوا لهذا المؤتمر كل طاقتهم وبمؤازرة اخوانهم من كل أنحاء العالم، ولكن فضل السبق يبقى لهم دون منازع. افتتح المؤتمر مساء الأربعاء 22 صفر برعاية كريمة من وزير الشئون الإسلامية ومن الشيخ عادل المعاودة وبحضور أعداد كبيرة من علماء المسلمين من شتى أنحاء العالم.

المؤتمر وفي محاوره الثلاثة التي ستناقش على مدى يومين سيحاول وضع آلية مستدامة لنصرة الرسول الكريم، ولعل من أهم هذه الآليات العمل على استصدار قانون أممي يمنع الإساءة لكل الأنبياء وكل الأديان، وهذه الآلية - كما أعرف - بدأت منظمة دول العالم الإسلامي في طرحها لدى هيئة الأمم المتحدة، وساندتها كل المنظمات الإسلامية في العالم ولعلها تجد صدى لدى هذه الهيئة العالمية.

ومن آليات المؤتمر المهمة إيجاد منظومة مقبولة للعلاقة بين الإسلام والغرب وكذلك بقية دول العالم. نحن نلاحظ أن هذه العلاقة أصبحت متوترة، كما أصبح الإسلام محل اتهام من الاميركان خصوصاً ومن الغرب عموماً. ومن أجل ذلك كان لابد من إعادة ترتيب هذه العلاقة وإبراز صورة الإسلام الحقيقية للناس جميعاً. الإسلام دين سلام ومحبة، وهو ينظر لكل فرد في هذه الدنيا على أنه مخلوق مكرم، فالله الذي خلقة قال عنه: «ولقد كرمنا بني آدم» (الاسراء: 70). وهذا التكريم لا يتفق مع الاتهامات الباطلة التي يرمى بها الإسلام لاسيما من الأميركان عندما يصفونه بأنه دين الإرهاب والعنف، هذه الصورة السيئة التي قيلت عمداً ولأسباب دينية وسياسية يجب أن يسعى المسلمون لإزالتها. ولعلهم عبر هذا المؤتمر يتوصلون إلى حلول عملية قابلة للتحقيق للوصول إلى هذا الهدف النبيل. إن من أهم الأشياء التي يجب أن يتحرك المسلمون كلهم لتحقيقها أن يعملوا لكي لا يعتمدوا على سواهم في وسائل عيشهم وسلاحهم وسلامة أراضيهم، ومن دون ذلك فإن الأمة الضعيفة لا يمكنها أن تحقق أهدافها وسيبقى أعداؤها متمكنين منها يقدرونها بحسب اهوائهم.

ومن هنا فإن على المؤتمر أن يدفع بهذا الاتجاه وأن يخاطب حكام المسلمين جميعاً أن يعملوا على إيجاد صناعات متنوعة تكفل الرخاء لشعوبهم وتجعلهم يعتمدون على أنفسهم، وعلى هذه الدول أن تتكاتف مع بضعها بعضاً لتحقيق هذا الهدف، ومن دون ذلك فإن كل الجهود ستبقى ناقصة.

وعلى المؤتمر كذلك أن يضع آلية جيدة لوحدة المسلمين بكل أطيافهم الفكرية والمذهبية ليعملوا يداً واحدة على نصرة نبيهم ودينهم ولتكون لهم اليد العليا في هذه القضية البالغة الأهمية. ومن دون هذه الوحدة سيبقى الضعف هو السائد، وسيبقى الآخرون - مهما كانوا - يسيّرون هذه الأمة بحسب رغباتهم.

الشيخ حمد - وفقه الله - شخّص الداء الذي وقعت فيه الأمة عندما قال في آخر رسالته الجميلة رسولنا الكريم «لم يكن تطاول هؤلاء على شخصك الكريم إلا بسبب تفرقنا وعدم تمسكنا بكتاب الله وسنتك فهما السبب في هذا التطاول الموجه لشخصك الكريم».

شكراً لأهالي البحرين جميعاً على هذا الموقف النبيل الذي يحسب لهم في الدنيا والآخرة - إن شاء الله - ورسولنا الكريم يستحق أن تفديه بأرواحنا وكل ما نملك.

المؤتمر بداية طريق ولعل المسلمون يسيرون إلى نهايته بخطى قوية وثابتة وعلى الصراط المستقيم

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1302 - الخميس 30 مارس 2006م الموافق 29 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً