العدد 1313 - الإثنين 10 أبريل 2006م الموافق 11 ربيع الاول 1427هـ

ليلة المطر... في قطر

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

وصف صديق من رجال الأعمال ما يحدث في قطر اليوم من مشهد تنموي متسارع، بأن متخذ القرار في الدوحة يملك «إرادة قوية وأدوات فاعلة»، ولم يكن هذا التصنيف بعيداً عن الواقع المشاهد، فالدوحة على وجه الخصوص لمن يزورها اليوم هي «ورشة كبيرة مفتوحة»، تذكرك بوصف المرحوم أحمد بهاء الدين، عند زياراته الأولى للكويت في أواخر الخمسينات، إذ وصفها بأنها مدينة «تعرضت تواً لقصف هائل من البلدوزرات» كناية عن الورش المفتوحة في إقامة البنية التحتية.

المراقب إنسان، تسنح له الفرص والكلمات بأن يوصف ما يشاهد بدقة أو بقليل من الدقة، بعقل أو بعاطفة، مستخدماً ما لديه من أدوات تحليل. لذلك يختلف كثيرون في توصيف ما يحدث في قطر سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الإعلامي أو الثقافي أو التعليمي. إلا أن ما يحدث هو كثير، البعض يراه سريعاً وسلبياً، والبعض يراه مقلاً ولكن إيجابي في محصلته.

في أيام قليلة شهدت ما يحدث في الدوحة، كان مما حدث ليلة عاصفة اقتلعت في طريقها بعض المنشآت المؤقتة، ولكنها خلّفت مطراً وافراً وغزيراً.

في مطار الدوحة الذي أغلق نصفه أو أكثر يئن تحت أعمال ورشة اختلط فيها المسافرون بعمال الإنشاء والبناء، شاهدت عشرات الرجال والنساء من أهل الأعمال، بعضهم بدا في ذلك الصباح شبه نائم على الأرائك المتناثرة يحملون حقائبهم الصغيرة دليلاً على سرعة في الحركة ونشاط وافر في الاقتصاد القطري الذي جعل من كل هؤلاء يؤمون الدوحة بحثاً عن فرص. الجميع يوجه إليك تعليقاً مفاده أدوات التنفيذ القطرية قادرة على اتخاذ القرار من دون تعقيد أو روتين، وقابلة لفتح الفرص للعمل والاستثمار.

الحقيقة أن قطر في سباق تنموي، يخاف من نتائجه غير المحسوبة البعض، فأهلنا في قطر، مثل غيرهم في هذا الخليج النفطي، غالباً محافظون في الحركة نحو التنمية، متخوفون من نتائجها الاجتماعية أولاً وإن قبلوا أو حتى رحبوا بنتائجها الاقتصادية. تلك سنة التطور، فالتغير المادي تفوق سرعته قدرة الإنسان على المواكبة.

في اللقاء الذي عقده النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم على هامش ندوة «مستقبل الديمقراطية في الخليج» تحدث عن احتمال كبير أن تجرى أول انتخابات في قطر تحت ظل الدستور الجديد في مطلع العام المقبل 2007، وكان اتجاه النقاش الذي تخلل الندوة من بعض المتعجلين أن التوقيت متأخر أكثر من اللازم، فهناك شرائح قطرية تتوق أن تأخذ دورها في المشاركة السياسية، أما ألطف تعليق فقد قال به أحد المواطنين الذي وصف نفسه «بالمواطن الصالح»، إذ سأل مستنكراً؛ لماذا يجرى تدريب النساء على العملية الانتخابية ولا يجرى تدريب الرجال؟ وهو سؤال على طرافته يحتاج إلى وقفة، فمن قال إن الرجال كل الرجال على فهم كامل بما تتطلبه عملية المشاركة من وعي والتزام وتمحيص في المرشحين!

في قطر يجري حثيثاً العمل على جبهتين على الأقل مهمتين للتنمية المتوقعة، جبهة التعليم الحديث الذي يغرف منه على نطاق واسع، ومعروف أن من يرعاه هي حرم أمير قطر الشيخة موزة المسند.

هذا المشروع الحيوي للتنمية المستقبلية الاستثمار في الإنسان، هو أمر يقر به كثيرون نظرياً على الأقل، إذ إن أهم عنصر لخلق واستدامة الثروة في أي مجتمع هو العنصر البشري، ولأن نتائج هذا العمل لا تأتي أُكلها سريعاً فهي حاضنة تحتاج إلى وقت وصبر. نتائج التعليم الحديث في قطر لن تظهر قبل سنوات طويلة. أما الجبهة الثانية، فهي وضع المرأة القطرية، وقد قلت إنه مجتمع محافظ، وفيه كما في غيره من مجتمعاتنا العربية سويتين في النظر إلى المرأة، أما السماح لها بأن تنشط في المجتمع بمساهمة محدودة، أو بمساهمة مشروطة. ومناقشة وضع المرأة في قطر أو الخليج أو حتى بلادنا العربية تحتمل الوقوع في شعارات براقة، كالمفاخرة بوجودها رئيسة أو وزيرة أو عاملة، وهي في الحقيقة حبيسة تراث ضخم من «الدونية» في نفسها وفي مجتمعها. في لقاء مع عدد من المبدعات القطريات في «المقهى الثقافي» الذي ينظمه المجلس الوطني للثقافة على هامش الأيام الثقافية التي ينظمها، ظهرت جلية تلك الحيرة، سواء لدى الجيل الأكبر من المبدعات أو الجيل القادم تواً إلى معاناة نار الإبداع، الكل منهم يعترف بالسياج غير المرئي الذي يحاصر المرأة في مجتمعاتنا، وهو سياج لا يبدو إلا للقلة، لأن الأكثرية توافق سلبياً عليه من دون أن تتبينه.

موضوع المرأة يحتاج إلى أكثر من شكل وأكثر من شعار، يحتاج إلى إيمان حقيقي ومؤسسي بأن «البشر متساوون»، فيما يمكن أن يقدموه لمجتمعهم من عمل، ويحتاج إلى تغيير تدريجي ونظم في قيم اجتماعية مختلطة بين المقدس والممارس، وهي أي قضية المرأة قضية المجتمعات في العالم الثالث وخصوصاً العربي. إلا أن المشروع التحديثي التنموي القطري لا يخلو من منغصات، ففي مسرحية تم عرضها على هامش اللقاء الثقافي الغني، كانت بعنوان «خليك في البيت» تناقش على محدودية في التناول الفني، قضية من القضايا المطروحة في المجتمع القطري، وهي استيداع العاملين في الدولة (والدولة هي رب العمل الأكبر، كغيرها من دول الخليج) هذا الاستغناء الاستيداعي الذي تراه المسرحية غير منطقي وغير مبرر، وتنقده بعنف، يعني لمثلي من دارسي الاجتماع غياب «العمل المؤسسي» في الإدارة، وهو يعني الكثير من المنظور الاجتماعي والسياسي، ولولا كونه قضية في المجتمع القطري لما تم تناوله بالشكل الواسع، في النقاشات الفرعية أو في المسرحية ذاتها. إلا أن ما يحسب إيجاباً أن الموضوع طرح بشفافية كاملة، وأمام جمهور متنوع، بدا واضحاً أنه متعاطف مع معاناة من «يبقى في البيت»! بسبب إيداعه الذي ليس هو بتقاعد ولا هو باستغناء!

على صعيد آخر، صادف أن ظهر على الشاشة القطرية صديق «معارض»، وهو من معرفتي لم يكن يألف الأحاديث التلفزيونية، وفي ذلك الحديث الذي لم تنقصه الصراحة عن الشأن الداخلي القطري. اللافت أن الكثيرين قد أثنوا على ذلك اللقاء، ليس فقط بسبب جرأته في تناول القضايا الذي يتحدث عنها كثيرون في المجالس الخاصة، بل من زاوية سعة صدر المؤسسة الرسمية في أن يقال مثل ذلك الكلام ويستمع إليه جمهور عريض، وربما كان تكييف الموقف الأخير هو في كلمة «الثقة» بالنفس.

مشروع قطر الثقافي ملفت، فهو مشروع مفتوح لكل الاتجاهات ويستقطب كثيراً من الاجتهادات، وما علمت من مشروعات ثقافية قادمة في حدها الأدنى عمل مميز يضيف لمسيرة الثقافة العربية.

طريق التحديث الثقافي والاجتماعي والسياسي طويل، سواء كان في قطر أو في أي مجتمع في طريقه إلى التحول، وبالتالي فإن الصعوبات ليست قليلة ولا هي سهلة، تتخللها الأخطاء وتنوء تحت ثقل افتقاد المأسسة وتتجاذبها الأهواء، وأكثر ما يلفت هو «وضع الإنسان القطري» الذي أمامه عدد من التجارب، أما في دبي أو في الكويت، وكلاهما فيه الإيجابي والسلبي، التخوف هو أين يقع «الإنسان القطري» في ظل هذا النمو الكبير، هل يقع في الشق الزلزالي المتخوف منه؟ وهو نابع طبعاً من التغيير السريع غير المنضبط، وقد رأينا تجارب تاريخية قريبة في دول مجاورة، أم يلتفت إلى تأثير التغيير على النسيج الاجتماعي قبل أن تعلو موجة القادمين الكُثر، وهي بطبيعتها ستأتي مع التنمية السريعة؟

تلك أسئلة لابد أنها خطرت في ذهن متخذ القرار القطري، أو هي قريبة من همومه، بدليل التأني في بعض المشروعات، إلا أن المحصلة هي أن المشوار القطري قد بدأ بخطوات مشهودة، وقد يترك كالعاصفة الممطرة التي شهدتها في الدوحة إذا أحسن تلافي أضرارها خلل قليل وخير كثير، فتلك سنة من سنن الحياة

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1313 - الإثنين 10 أبريل 2006م الموافق 11 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً