على مدى عشرات السنين كانت سويسرا الملاذ الآمن لأصحاب الثروات والأموال الذين يريدون الاحتفاظ بهذه الأموال أو استثمارها أو إدارتها بعيدا عن ملاحقة أي أجهزة حكومية أو تطفل أي أنظمة ضريبية.
وشهدت السنوات القليلة الماضية بعض التطورات التي أثارت الشكوك في قدرة سويسرا على الاحتفاظ بمكانتها كملاذ لهذه الأموال وخصوصاً بعد تعديل قانون سرية الحسابات المصرفية في إطار الحرب العالمية ضد ما يسمى بالارهاب والضغوط الأوروبية على سويسرا من أجل تعديل أنظمتها المصرفية حتى لا تتحول إلى مركز جذب للأموال على حساب المصارف الأوروبية الأخرى.
وعلى رغم ذلك جاءت البيانات الاخيرة التي أصدرها المصرف القومي السويسري لتؤكد قدرة هذه الدولة الصغيرة التي اشتهرت بنظامها المصرفي وصناعة الساعات على الاحتفاظ بلقب «جنة الاغنياء» على الارض.
فقد أظهرت هذه البيانات ان ثروات غير المقيمين في سويسرا والتي تديرها مصارف ومؤسسات سويسرية وتبلغ أكثر من 30 في المئة من مجمل الثروات الخاصة في العالم تحقق عائدات لسويسرا تزيد عن 14 مليار يورو سنويا أي نحو 5 في المئة من الناتج القومي الاجمالي، وأكثر من نصف القيمة المضافة لكل القطاع المصرفي. وقد جعل هذا أكبر مصرفين في سويسرا وهما بنك «يو بي إس» أكبر مصرف في العالم و«كريدي سويس» سابع أكبر بنك في العالم على الترتيب في إدارة الثروات وفق بيانات مؤسسة واطسون ويات للدراسات الاقتصادية. وإذا أضيفت الثروات المتراكمة لدى المؤسسات المالية والمصرفية السويسرية والشركات والمؤسسات المسجلة باسماء اشخاص اعتباريين تصبح سويسرا مع بريطانيا والولايات المتحدة، واحدة من البلدان الثلاثة التي تدير أكبر قدر من الثروات. ووفقا لبيانات لمجموعة بوسطن كونسلتينج جروب للدراسات الاقتصادية فإن نصيب سويسرا من سوق إدارة الثروات في العالم يصل 8,8 في المئة. كما تحتل سويسرا المرتبة الاولى بين دول مجلس التعاون الاوروبي في حجم الاستثمارات الواردة من الخارج بالمقارنة بالدخل القومي إذ تصل النسبة إلى 125 في المئة من إجمالي الناتج القومي لسويسرا.
وبدأت زعامة سويسرا لإدارة الثروات الاجنبية العام 1934 حين صدر قانون - وبعد أقل من عام على وصول النازيين إلى الحكم في ألمانيا - يحظر على المصارف نشر أي نوع من البيانات عن الحسابات المصرفية بما في ذلك وجود هذه الحسابات، ومنذ ذلك الحين تسابق أصحاب الثروات الخاصة من أجل إيداع أموالهم هناك في الحسابات الشهيرة التي تحمل أرقاما ولا يمكن الكشف عن أصحابها. وتراجعت جاذبية سويسرا، كما قلنا كملاذ للثروات، المشروعة أو غير المشروعة قليلا منذ وقعت البلاد مع الاتحاد الأوروبي على إجراءات لمنع التهرب الضريبي من جانب المقيمين في الدول الأخرى. وبدأت الثروات في التوجه الى أماكن أخرى اقل شفافية، ويوجد الآن في سويسرا قانون يجبر المصارف على احتجاز نسبة من أرباح اموال مواطني الاتحاد الأوروبي وتسليم هذه النسبة للسلطات الضريبية في بلدانهم. ونتج عن هذه الاجراءات انخفاض ارباح الثروات التي تتجاوز 30 مليون يورو إلى 3 في المئة العام 2004، مقابل 8,2 في المئة كمتوسط أرباح لمثل هذه الاستثمارات على الصعيد العالمي حتى تجاوزت النسبة مستوى 10 في المئة في دول آسيوية مثل الصين والهند وسنغافورة وروسيا وذلك وفقا للبيانات التي أصدرتها مجموعة ميرل لينش المصرفية الاميركية. وتقدر مؤسسة «سويس بانكنج» ان مجموع مساهمة القطاع المصرفي في الناتج القومي الاجمالي تبلغ 9 في المئة، ويوظف 3,2 في المئة من إجمالي القوة العاملة في البلاد
العدد 1316 - الخميس 13 أبريل 2006م الموافق 14 ربيع الاول 1427هـ