العدد 1316 - الخميس 13 أبريل 2006م الموافق 14 ربيع الاول 1427هـ

فشل حملة بونابرت على مصر وفرنسا تتحول إلى امبراطورية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

استمرت الحملة الفرنسية على مصر ثلاث سنوات قضى نابليون بونابرت منها أقل من سنة. فالحملة بدأت في الاسكندرية في العام 1798 (1213هـ) وانتهت إلى توقيع اتفاق العريش في العام 1801 (1216هـ).

أقل من سنة قضى نابليون في المنطقة. والشهور القليلة كانت كافية لتلقينه مجموعة دروس سياسية بدءاً من فشله في حملته لاحتلال بلاد الشام وانتهاء بتلك المواجهة التي قضت على اسطوله البحري. مضافاً اليها فشله في سياسة الخداع والدجل التي حاول تسويقها في منشوره الذي صدر في يوليو / تموز 1798 أو في بيانه إلى علماء الأزهر في ديسمبر / كانون الأول 1798. فنابليون واجه سلسلة مقاومات أهلية كشفت عن ضعف في تعامله مع قوة كانت لاتزال تكتسب شرعية وتتمتع بموضع تاريخي يعزز قدرتها على الممانعة. فقائد الحملة ادعى صداقته للسلطنة العثمانية وتبين لاحقاً ان اسطنبول أرسلت جيشاً لمواجهة قواته حين قرر الاستيلاء على بلاد الشام. كذلك ادعى انه يميل إلى عقيدة الإسلام وظهرت لاحقاً مواجهات أهلية قادها علماء الأزهر وشيوخه وطلابه ضده. كذلك فشل دولياً حين حاول ان يقفل الطريق البحري على الملاحة البريطانية فأصيبت محاولته بالفشل.

كل هذه التطورات السلبية حصلت في أقل من سنة وهي كانت كافية لإقناعه بضرورة مغادرة المنطقة. وهكذا فعل بعد ان ساءت أحوال الثورة الفرنسية داخلياً وعلى الجبهات العسكرية. فآنذاك وصلت الأخبار إلى المشرق بأن الجيش الفرنسي تلقى هزيمة في ايطاليا في العام 1799 (1214هـ) فاتخذها ذريعة للرحيل تاركاً قيادة الحملة للجنرال كليبر وسط أمواج من الانتفاضات الأهلية والمقاومات الشعبية.

وصل نابليون باريس واستقبل بطلاً. فالاجواء كانت مشحونة بالاضطرابات وازدادت مخاوف قيادة الثورة من تلك التهديدات المتزايدة التي شكلتها التحالفات الأوروبية المضادة.

استفاد الجنرال الكورسيكي من هذه الحاجة وبدأ فوراً بتنظيم عمليات الدفاع عن الحدود في وقت أخذ يخطط للاستيلاء على السلطة. وجاءت التطورات لمصلحته. فمن الجانب السياسي بدأت الاتصالات السرية فور عودته من مصر في العام 1799. وتطورت تلك الاتصالات إلى نوع من الاتفاق على ترتيب انقلاب عسكري يطيح بالسلطة التي تقودها «حكومة الإدارة». هذه الحكومة تشكلت طبقاً للدستور الجديد الذي وضع في العام 1795 (1209هـ) وكانت تواجه مناكفات تقودها مجموعات مختلفة الآراء والأهواء الأمر الذي زعزع استقرار الدولة وهدد بانهيارها امام الضربات العسكرية التي تواجهها في مناطق الحدود. ونجحت الاتصالات في تأمين تغطية سياسية للجنرال لينفذ انقلابه ويستولي على الحكم. وهذا ما حصل في العام 1799 منهياً بذلك عهد الثورة الفرنسية تمهيداً لاستكمال ما تبقى من خطوات مطلوبة للسيطرة على السلطة.

من الجانب القتالي نجح الجنرال في إعادة تكرار الهزيمة في الجيش النمسوي في العام 1800 (1215هـ) وفرض على فيينا توقيع معاهدة جديدة في العام 1801 تثبت تلك التنازلات التي قدمتها سابقاً.

ارتفعت اسهم الجنرال سياسياً وعسكرياً وتحول بنظر الشعب إلى حاجة داخلية املت على الكثير من الاتجاهات الايديولوجية القبول به كحل وسط ينهي مشاحنات الأجنحة على السلطة. فالناس ضغطت على الإدارة للقبول بالجنرال بعد ان ضجرت من تلك المناكفات اليومية.

في ضوء هذه الضغوط اتجه الجنرال إلى اتخاذ قرار الانفراد بالسلطة وتحويل الدولة إلى امبراطورية يقودها امبراطور. وأخذ نابليون يعزز سلطته الفردية خطوة خطوة. إلى ان وافق مجلس النواب بدعم من الشعب على انتخابه في مايو / ايار 1804 (1219هـ) امبراطوراً وسط احتفالات ضخمة جرت في كاتدرائية نوتردام في باريس.

انتفاضات الإسلام الأهلي

آنذاك نسي نابليون مرارة الهزيمة التي لقيها في مصر والشام والمصير الفاشل الذي أصاب حملته. فالجنرال كليبر الذي ترك له قيادة الحملة واجه انتفاضة ثانية قادها شيوخ الأزهر في العام 1800 فاندلعت مواجهات بالاسلحة في القاهرة ارتكب خلالها الفرنسيون مجزرة في حي بولاق وقبضوا على قائدها الشيخ مصطفى البشتيلي ورفاقه وقتلوهم ضرباً حتى الموت.

هذا الفعل الشنيع أثار المزيد من السخط وظهرت امام الفرنسيين للمرة الأولى قوة الإسلام الأهلي الذي انتفض عفوياً وهبت شبكاته المدنية في الأحياء والمدن تنظم الدفاع عن الناس والأزهر وشيوخه. وفي هذه الفوضى العامة أقدم طالب سوري (سليمان الحلبي) يدرس في جامع الأزهر على اغتيال كليبر في القاهرة.

خلف كليبر في قيادة الحملة الجنرال مينو محاولاً الانتقام. فاعتقل الحلبي ورفاقه واعدمهم فزادت كراهية الناس للقوات الفرنسية واتسعت الهبّات الشعبية وظهرت من جديد قوة الإسلام الأهلي ودوره في تصدر المواجهات والمصادمات. وهذا ما سيكون له أثره في رسم تاريخ المنطقة لاحقاً.

اقتنع الجنرال مينو ورئيس أركان جيشه الجنرال داماس ان الحملة انتهت ولم يعد بالامكان البقاء. فقرر مينو مغادرة مصر ووقع اتفاقاً في العريش يؤكد جلاء الفرنسيين في العام 1801.

غادر الفرنسيون المنطقة بالاتفاق مع السلطنة العثمانية وبالتفاهم مع بريطانيا. وحاولت الحكومة البريطانية الاستفادة من فشل الحملة وبتعبئة الفراغ سياسياً وأمنياً الا ان محاولاتها التي استمرت إلى العام 1803 (1218هـ) أصيبت بالفشل أيضاً. ففي تلك الفترة القصيرة نجحت لندن في توقيع اتفاقات تجارية مع بعض الحكام مثل اتفاق التعاون مع إمام مسقط في العام 1800 أمنت من خلاله خطوط تجارتها بين الهند والخليج، ولكنها لم تصب النجاح المطلوب في تطويع الجماعات الأهلية.

خرجت بريطانيا من مصر في العام 1803 لأنها وجدت ان المنطقة ليست مهيأة بعد للقبول بالمستعمر الأجنبي إذ كانت لاتزال تملك مقومات قادرة على التحدي والمواجهة.

إلى ذلك تخوفت بريطانيا من نمو ظاهرة البونابرتية في فرنسا واتساع المواجهات العسكرية في أوروبا التي اخذ يقودها الجنرال لحماية فرنسا خارج حدودها.

استقرت المنطقة قليلاً بعد عودة البريطانيين لمقاتلة الفرنسيين في أوروبا. فالجنرال الذي أنهى عهد الثورة في العام 1799 ستبدأ معه فترة الجمهورية الامبراطورية والحروب البونابرتية ابتداء من العام 1804.

ثروة فكرية

عهد الثورة انتهى (عشر سنوات) الا ان أفكارها وقوانينها ودستورها وتأثيراتها لن تتوقف عن ممارسة نفوذها. فالثورة تركت ثروة فكرية انجزت الكثير منها، فهي كرست النظام الجمهوري الديمقراطي، وشكلت دولة قوية (قومية) متحدة ومتجانسة تعتمد على حكومة مركزية ترفع شعارات عامة تبنتها وثيقة اطلق عليها «حقوق الإنسان».

أفكار «حقوق الإنسان» كانت غامضة. فالوثيقة التي تتألف من 15 مادة اشارت إلى عموميات تؤكد أن كل الناس احرار ومتساوون في الحقوق والواجبات. وأوضحت بعض العناوين الفرعية لتلك المعاني مثل الحرية، الامان، حق التملك، ورفض الظلم. مضافاً اليها بعض تفصيلات تتحدث عن الحكومة ونظامها ودور المواطن في اختيارها (الانتخابات البرلمانية).

الا ان الوثيقة كانت تعاني من ضعف في عدم اتفاق اجنحة الثورة على تفسير موحد للمواد. فالكلام عن الحرية والتسامح كان أقرب إلى المفاهيم النظرية بينما الواقع الاجتماعي المنقسم فرض شروطه عليها وعدلها أو منع تطبيقها.

مثلاً الحديث عن التسامح أوقف الظلم وملاحقة البروتستانت واليهود ولكنه لم يضع حداً للتفرقة والتمييز بين التكوينات الدينية والمذهبية في المجتمع. ففرنسا أصبحت دولة مسيحية كاثوليكية تعتمد القانون المدني. كذلك الكلام عن مساواة الإنسان لم يمنع استمرار التمييز والتحيز ضد المرأة مثلاً. فالاقتراع كان متاحاً لذكور فرنسا البالغين. وحرمت النساء من حق الاختيار والتصويت.

وحين عدل الدستور في العام 1795 حافظت الثورة على عموميات الأفكار لكنها لم تحققها في الواقع ولم تضع الآليات المناسبة لتنفيذها. فالثورة كانت مجرد أفكار رومانسية عامة ولكنها في التطبيق مارست الاضطهاد والإرهاب والقمع حتى انها تراجعت عن حق «كل البالغين من الذكور في التصويت» واختصرت حق الاقتراع بأولئك المواطنين الذين يدفعون الضريبة.

هذا التشويش بين النظرية والتطبيق يفسر إلى حد ما سهولة ذاك الانقلاب الذي نفذه نابليون وعرف تاريخياً بعصر الارتداد. فالجنرال قاد الانقلاب باسم الثورة وأنهى عهدها الذي دام عشر سنوات ليؤسس من جديد ما عرف لاحقاً بعصر البونابرتية وحروب فرنسا في أوروبا

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1316 - الخميس 13 أبريل 2006م الموافق 14 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً