العدد 1325 - السبت 22 أبريل 2006م الموافق 23 ربيع الاول 1427هـ

جدلية العلاقة بين الصحافة الحرة وصناعة الشعب العظيم

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

أسماها هيكل بالصحافة المسائلة، أي التي لا تقبل ان تجلس كالنعامة خائفة لترضي الجمهور أو المسئول، بل هي في حالة سؤال دائم، تبحث عن الحلول وتركض وراء الحقائق، ويسيل لعابها أمام الوثائق، وتغريها الأرقام، وليس الكلام المطلق غير الثابت. والمثل اليوناني يقول: الحجر المتدحرج لا ينبت عليه العشب. هي تقدس الارقام والانجازات. واسماها التابعي بصاحبة الجلالة، لما تمتلكه من هيبة وقوة وقداسة. الصحافي الغربي يبحث عن المعلومة والصحافي العربي يبحث عن الاثارة والفبركة. ليس دور الصحافة ان تنام في فراش الحكومة، وليس دورها ان ترقص مع الرقصة السياسية ولو كانت متجهة نحو المحرقة. الصحافة الحرة هي التي تدفع الناس إلى ان يمارسوا دوراً في عملية طبخ القرارات السياسية والثقافية والاجتماعية، لا ان يصبح دورهم مقتصراً على تنظيف الاطباق المتسخة. وعندما اقول الناس اقصد ما كان يقصده افلاطون: من ضرورة اشراك المثقفين والفلاسفة في صناعة الحراك السياسي. ولغياب دور المثقف اصبح المجتمع يعاني من شللية وعطب، لأن المثقف ايضا اصبح مختزلا ومشرنقا ضمن دائرة الحزب أو تأليه الالهات البشرية الجديدة. الامية الآن تفتك بـ 70 في المئة من ابناء الأمة العربية وبناتها، يعني انت أمام اعداد ضخمة من الاميين. والامية متفشية بين النساء بشكل مذهل، فلا تتعجب من ان تقف المرأة ضد نفسها أو مصالحها.

قانون الصحافة عندما يصبح راقياً وديمقراطياً يحمي العدالة وحقوق المجتمع والوطن، لا شك سيقود المجتمع نحو الرقي. بحرينياً، الموقف من تشريع القانون سيحدد علاقة النواب بالصحافة مستقبلا، طبعاً لا أحد يطالب بصحافة «سايبة» أو بصحافيين ينكتون على الناس مثل الحشاشين، أو بصحافة تلقي الحجارة على البشر وترتهن للاستفزاز والابتزاز أو السباب أو التحيز، وإنما نريد صحافة حرة مهنية تعمل على خلق وعي ديمقراطي ولو بنسبة 45 في المئة. لا توجد صحيفة تمتلك كرة بلورية ساحرة لحل الازمات والقضايا، ولا أحد يمتلك المصباح السحري، ولكن بإمكاننا جميعا ان نصحح الاخطاء بمهنية ووطنية، ونبارك الايجابيات دون عابئين بمن يغضب أو يفرح، بمن يلقي الحجارة أو الورود. يقول مصطفى أمين: الصحافة تعيش بغير حبر، وبغير ورق، ولكنها تموت بلا حرية ومسألة الانضباط في الحرية مهمة، لأن الحرية المطلقة تدمر المجتمع وهي سيل عارم يغرق كل بيوتات النهضة، وقلاع التحديث. لو قسنا عدد القضايا التي بحثتها وعالجتها الصحافة البحرينية مجتمعة طيلة السنوات الخمس الماضية، أقول: لو قسناها بالماضي سنعرف حجم قيمة الصحافة الموجودة الآن على رغم بعض التلكؤ فيها، وهذا يعزز نظرية: سياسة الخطوة خطوة، وبأنها افضل من سياسة حرق المراحل. يقول أحمد شوقي: «اعطني صحافة شريفة وخذ شعبا عظيما». ليس دور الصحافي ان يحول قلمه إلى سكين لتمزيق الوحدة الوطنية، بل يعمل على تعميق نهر الوحدة ليبقى الماء متدفقا بالتسامح والمحبة. دور الصحافة ان تطبب القلوب، وتعزز اسس الوحدة وتصر على الشراكة وتدفع باتجاه ترسيخ الشرعية والسيادة، والحفاظ على النسيج المجتمعي. المواطن البحريني يريد من الصحافة ان تتحول الى خبز شعبي يأكله الجميع، الى ممرضة تطبب جروحه وإن وضعت الدواء الحار على الجرح. ليس دور الطبيب الماهر ان يجامل المريض ويخفي عليه المرض خوفاً من غضبه أو هروبه، كذلك الصحافي المهني يجب ان يوضح للوزير اخطاء وزارته، ويوضح للمجتمع أخطاءه، وإن انشغل طيلة الوقت بنزع المسامير التي تعلق بلحمه. هي التي تعمل على صناعة مناخ ديمقراطي، وللاسف كلنا نحب الديمقراطية ما دمنا نستخدمها كسلاح لنقد الآخرين، نحبها شريطة ألا تنتج مواقف ناقدة لأدائنا. وهذا ما يسمى بالانفصام ان تؤمن بالشيء ونقيضه في الوقت ذاته. والصحافة الناقدة تحد من اليقينيات السياسية وتقلل من العشق السياسي، وقديما قيل: ليس هنالك اخطر من العاشق الجاهل، ذلك لأن عشق الجاهل قد يقوده إلى اغراق العاشق في البحر بحجة تشريبه الماء عن العطش... ومن الحب ما قتل

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 1325 - السبت 22 أبريل 2006م الموافق 23 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً