العدد 1328 - الثلثاء 25 أبريل 2006م الموافق 26 ربيع الاول 1427هـ

سياسة «غلق الأبواب»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إلى أي مدى تستطيع الإدارة الأميركية الاستمرار في سياسة «غلق الأبواب» في وجه شعوب المنطقة ودولها؟ فهذه السياسة أدت على مدى العقود الماضية إلى اختلاق أزمات وتفجير حروب وزعزعة الاستقرار واستدراج الدول نحو الدخول في سباق التسلح على حساب التنمية والتطوير. وحتى الآن لاتزال واشنطن مصرة على اتباع المنهج نفسه من دون تعديل أو تغيير. فكل القضايا جاهزة للحل لكن أميركا تعارض كل محاولة للتسوية مفضلة تجميد الحلول أو مفاقمتها أو تفجيرها.

مثلاً، منذ العام 1967 صدر القرار الدولي 242 وحتى اليوم تناور «إسرائيل» وتراوغ وتتهرب من تطبيقه بدعم من واشنطن. ومنذ العام 1973 صدر القرار 338 الذي أكد ضرورة تطبيق بنود القرار 242 وحتى اليوم تتمرد «إسرائيل» وتتجبر برعاية أميركية.

سياسة «غلق الأبواب» ودفع دول المنطقة وشعوبها إلى التأزم والاحتقان ليست جديدة. فهي لم تبدأ بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 ولم تتراجع بعد احتلال أفغانستان واجتياح العراق في العام 2003. فهذه السياسة قديمة وهي لاتزال قائمة على رغم كل الادعاءات التي ذكرها مراراً الرئيس جورج بوش في خطبه وتصريحاته. فالرئيس الأميركي لجأ إلى سياسة الخداع حين أكد أن أميركا تغيرت وأنها أعادت النظر في سلوكها السابق وباتت مستعدة للتعامل مع الشعوب ضد الأنظمة. فالوقائع تكذب تلك الكلمات بدليل أن واشنطن لاتزال تغلق في وجه المنطقة كل الأبواب وخصوصاً إذا كانت القضايا المطروحة متعلقة بأمن «إسرائيل».

«إسرائيل» لاتزال في الاستراتيجية الأميركية تأتي أولاً وثانياً وثالثاً في اهتماماتها، ثم تأتي بعدها الدول العربية ضمن جدول يرتب الأنظمة وفق حسابات لا صلة لها بـ «الديمقراطية» و«حقوق الإنسان» و«تمكين المرأة» وإنما في إطار يخضع لاعتبارات المصالح وما تنتج من أرباح وخسائر.

أميركا إذاً لم تتغير. وهذا يعني أن أمور المنطقة سائرة نحو المزيد من التوتر والضغط والاحتقان. وكل كلام أميركي مختلف لا معنى له ويقال فقط للخداع والتضليل وكسب الوقت بهدف رفع نسبة الانقسام الأهلي في كل دولة عربية (أو مسلمة) وكذلك زرع بذور الكراهية بين الدول العربية حتى لا تتوحد على أهداف مشتركة.

سياسة «غلق الأبواب» تستهدف تعطيل إمكانات التفاهم بين دول المنطقة من جهة ومنع المصالحة بين كل دولة وشعبها من جهة أخرى. وهذا النوع من السلوك السياسي يسهم في النهاية في هدم جسور الثقة ويدفع القوى المعنية نحو المزيد من التوتر بسبب تعريض الدول لمخاطر أمنية وجرجرتها نحو الإنفاق العسكري وإرهاق اقتصادها واستنزاف ثرواتها.

المخاطر الأمنية حقيقية لكن الولايات المتحدة تتعمد رفع درجة توترها حتى تضع الأنظمة تحت وَهْم القلق اليومي والغرق في بحر متخيل من المخاوف. وهذا الأمر يساعد واشنطن على تبرير تدخلها وإعطاء إدارتها فرصة للضغط والابتزاز واستدراج العروض السياسية وتقديم تنازلات مجانية من طرف هذه الدولة العربية أو تلك.

«غلق الأبواب» أمام الحلول السياسية يترك الأبواب مفتوحة للتدخل الأميركي. وهذه الاستراتيجية تعتبر من ثوابت إدارات واشنطن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى أيامنا.

مثلاً، في دارفور أغلقت واشنطن الباب أمام الحكومة السودانية وأفشلت مشروع الحل بإشراف الاتحاد الإفريقي ورعايته. وفي فلسطين أغلقت أيضاً أبواب الحل أمام قيادة ياسر عرفات وتلجأ الآن إلى اتباع الأسلوب نفسه في وجه حركة «حماس». وفي لبنان عطّلت إمكانات الحوار حين دفعت الفرقاء على مختلف مشاربهم إلى رفع سقف المطالب بقصد سدّ إمكانات التفاهم على حد أدنى وتسوية الأمور ضمن إطار المعقول. وفي العراق عرقلت الاتفاق على تعيين رئيس حكومة مدة أربعة أشهر بعد الانتخابات التشريعية وهي لاتزال تواصل إرسال إشارات متناقضة بشأن مستقبل بلاد الرافدين. وفي إيران أقفلت بوجه طهران كل الطرق التي يمكن سلوكها لتأكيد حقها في البحث عن مصادر بديلة لإنتاج الطاقة السلمية.

كل هذه الأساليب التي تتسم بالمراوغة والتحايل استخدمتها واشنطن خلال فترة تزيد على نصف قرن وهي لاتزال متمسكة بها لتبرير تدخلها المباشر أو غير المباشر في قضايا تمسّ أمن دول المنطقة وتهدد هوية الناس وتدفع بالعلاقات الأهلية نحو التشرذم والتصادم.

حتى الآن تبدو الأمور سائرة في هذا الاتجاه على رغم المخاطر التي تؤرق كل القوى بما فيها تلك التي تستظل الوعود الأميركة بالدعم والحماية. فالسياسة لم تتغير إلا أن المدى الذي تستطيع الإدارة الأميركية الذهاب إليه وصل إلى منعطف خطير. فالاستمرار في «غلق الأبواب» يعني المزيد من الاحتقان. والاحتقان يولّد الانفجار

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1328 - الثلثاء 25 أبريل 2006م الموافق 26 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً