العدد 1328 - الثلثاء 25 أبريل 2006م الموافق 26 ربيع الاول 1427هـ

لجنة وطنية استشارية عليا للتوافق على الأحكام الأسرية

فريدة غلام إسماعيل comments [at] alwasatnews.com

في يوم الأحد 23 ابريل/ نيسان 2006، أوردت «الوسط» في عمود صغير أعلى يمين الصفحة الأولى خبراً عن استرداد الديوان الملكي مشروع قانون الأحكام الأسرية من الحكومة بعد أن كانت الحكومة تستعد لاحالته إلى مجلس النواب. وفي نهاية الخبر أن الأطراف الرسمية التي أفادت بالخبر «لا ترغب في أن يأخذ مشروع قانون الأحكام الأسرية صفة الاستعجال، وسط تمسكها بان يصدر برضا مختلف الأطراف المعنية»، ولابد أن نقول ان الموقف إيجابي لهذا الحد، ولكن ماذا بعد.

إن مبدأ التوافق المجتمعي طرح مراراً وتكراراً في خطاب لجنة الأحوال الشخصية منذ نشأتها حتى اليوم، مطلباً أساسياً ترجم نفسه في رسائل اللجنة المتنوعة إلى المجتمع والمعنيين عبر اللقاءات الصحافية والتلفزيونية والندوات المتعددة، وفي المقالات التي تكتبها عضوات الجمعيات المنتسبة إلى هذه اللجنة والنساء المهتمات من خارجها، وطوال الفترة السابقة ظل اللاعبون الأساسيون المؤثرون في اتخاذ القرارات والدفع بالملف متفرقين في جهات متباعدة، كل فريق يتكلم مع جماعته ومع أبناء الطائفة والنتيجة تكون مزيداً من التمسك بالخاص وتجاوز العام المشترك الذي هو كبير في مساحته. أما العلماء وقادة رجال الدين من المذهبين، فكانوا يكررون دوماً مخاوفهم الكثيرة من احتمالات الانحراف عن الشريعة الإسلامية كمبدأ عام، وليس في هذا مشكلة، ولكن المشكلة في غياب قراءاتهم المتأنية في مقترحات القوانين الأولية التي يتم تقديمها عبر المسودات والتي لا ترقى أبداً إلى تلك المستويات الحقوقية الأرقى نسبياً التي تحققت للنساء في بلدان إسلامية أيضاً، مثلها مثل البحرين كالمغرب، عمان والجزائر وحتى إيران. فهناك اعتراضات واعتراضات ولكن لا بدائل، وبين الفينة والأخرى يتبادل اللاعبون الدعوة إلى الحوار والمزيد من الحوار من دون تحريك المياه الراكدة بمبادرات عملية، هذا بافتراض حسن النية.

وإذا ما رجعنا بذاكرتنا إلى تقييم دور الحكومة منذ تأسيس لجنة الأحوال الشخصية في العام 1982، نراه متلقياً لا ناشطاً، إذ انحصر دورها عبر جهازها التنفيذي في التقاء لجنة الأحوال الشخصية من خلال الوزراء المعنيين، وأهمهم وزير العدل والشئون الإسلامية ووزير العمل والشئون الاجتماعية آنذاك، وكانوا دائماً يبدون التعاطف والتأييد ويعطون الوعود تلو الوعود بالعمل لتحقيق الهدف وفق الإمكانات المتاحة، ولكن لم يبدر من أحد منهم الحماس والجهد العملي للدفع نحو متطلبات تحقيق تلك الوعود. أما اللجان التي شكلت بقرارات من الحكومة فتشكلت أولها في 19 يونيو/ حزيران 2002، بقرار وزير العدل والشئون الإسلامية رقم 21 لسنة 2002 الخاص بتشكيل لجنة من ستة قضاة من المتخصصين في القضايا الشرعية، نصفهم من المذهب الجعفري، والنصف الآخر من المذهب السني للنظر في مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد، ونظراً إلى عدم اتفاق القضاة على مشروعات المواد المقدمة، تقدمت اللجنة في نهاية المطاف بقانون واحد من قسمين، أحدهما يختص بمحاكم الدائرة السنية بمسمى «مشروع قانون أحكام الأسرة في تنظيم الزواج والطلاق والنفقة والحضانة»، والآخر يختص بمحاكم الدائرة الجعفرية بمسمى «مشروع قانون أحكام الأسرة طبقاً للمذهب الجعفري في تنظيم الزواج والطلاق والنفقة والحضانة». وقبل أن تنتهي اللجنة السابقة من أعمالها، أصدر وزير العدل والشئون الإسلامية في 23 سبتمبر/ أيلول 2002 القرار رقم (34) لسنة 2002، بتشكيل لجنة وزارية أخرى برئاسته، وعضوية سبعة أعضاء آخرين بغرض إعداد المشروع النهائي للقانون. وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2002، أصدر جلالة الملك المرسوم الملكي رقم (48) لسنة 2002 الذي بموجبه أعيد تشكيل اللجنة السابقة، لتضم ثلاث محاميات نساء، ولكن أداء تلك اللجنة لم يكن متواصلاً، كما أنه لم يكن علنياً، ويبدو أن أعمال اللجنة جمدت بعد فترة من تشكيلها، ولا يعلم أحد ما آل إليه مصيرها.

وفي مايو/ أيار 2003، أوضح وزير العدل آنذاك جواد سالم العريض، توافر المشروعات الثلاثة التالية لدى وزارته، (1) مشروع قانون موحد مقدم من دائرة الشئون القانونية برئاسة مجلس الوزراء، و(2) مشروع قانون خاص بالدائرة السنية وآخر خاص بالدائرة الجعفرية مقدمان من اللجنة الوزارية المشكلة في العام 2002، و(3) مشروع موحد مقدم من المجلس الأعلى للمرأة.

ومع تشكيل المجلس الأعلى للمرأة أضحى هو الجهة الرسمية المعنية بقضايا المرأة والناطق شبه الرسمي فيما يتعلق بملف أحكام الأسرة، وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2005 نفذ المرحلة الأولى من حملته الوطنية لإصدار القانون، إلا ان جهداً جدياً في الاتصال مع الجمعيات النسائية لم يبذل، كما أن المجلس لم يدع لجنة الأحوال الشخصية التي تمثل جميع الجمعيات النسائية إلى اجتماع تنسيق الحملة، وبهذا تكون فرصة لشراكة أهلية حقيقية قد ضاعت من دون أسباب مقنعة. وحديثاً في نوفمبر 2005، توجه المجلس الأعلى للمرأة بدعوة رسمية للمجلس الإسلامي العلمائي للحوار الجدي بشأن إصدار القانون بعد أن نوه المجلس العلمائي بأنه لن يتحاور إلا مع من بيده القرار ويمثل أعلى سلطة بالبلد ولكن شيئاً من المتابعة لم يعلن.

إن تفاصيل الملف واللاعبين الذين يتحكمون في ملعبه كثيرة، ولكن المهم هو تجميعهم جميعاً في فريق واحد لبدء الحوار الحقيقي بعد كل هذه التجربة المضنية الطويلة التي لم تفض إلى شيء من العدالة المطلوبة للنساء المظلومات.

ولهذا تطالب لجنة الأحوال الشخصية اليوم وعدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية بتشكيل لجنة وطنية استشارية عليا بمبادرة من أعلى سلطة في البلد، على غرار التجربة المغربية المتمثلة في اللجنة الملكية الاستشارية لإصلاح المدونة، على أن تجمع اللجنة الوطنية العليا البحرينية جميع المعنيين والمهتمين كما أوضحنا في مقال سابق، تجمع العلماء بحكم تخصصهم الفقهي أو من ينيبونه عنهم والجمعيات النسائية ومكاتب الخدمات الأسرية بصفتها منشغلة بالواقع وأهل المهنة ممن يعمل في القضاء والمحاكم والحقوق وعلم الاجتماع وعلم النفس والفعاليات المجتمعية والنساء المتضررات وغيرهم.

إن الملف معقد ويستحق من الدولة والعلماء ومؤسسات المجتمع المدني اهتماماً أكبر. إنها مصالح الأسرة البحرينية لا الأسرة السنية ولا الأسرة الشيعية. إنها مصالحنا نحن البحرينيين ولا اتهام بتسييس ولا قبول بتسييس أو تضخيم بسوء نية. إنه عمل مجتمعي توافقي يؤسس للمواطنة ويتطلب إجراءات توافقية تبني الثقة ولو تدريجياً، وهذا هو خيارنا الوحيد وكفانا ونحن الشعب الصغير تأجيلاً لحقوقنا الاجتماعية وتعطيلاً لاستراتيجياتنا وخطط عملنا الاجتماعية الوطنية

إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"

العدد 1328 - الثلثاء 25 أبريل 2006م الموافق 26 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً