العدد 3210 - الثلثاء 21 يونيو 2011م الموافق 19 رجب 1432هـ

طروحات الاتهام في أفغانستان وباكستان

هوما يوسف comments [at] alwasatnews.com

.

هناك سبب وراء المثل القائل إن من يعيش في منزل زجاجي يجب ألا يلقي الحجارة. في نهاية المطاف، يقوم أحد بإلقاء الحجارة عليك أو تجد نفسك محاطاً فجأة بقطع الزجاج المكسَّر؛ متسائلاً ما الذي أصابك. يصبح السؤال وقتها ما إذا كان بإمكانك جمع القطع المتناثرة.

هذا اللفظ الرمزي ألهمته مشاركتي الأخيرة في حلقة دراسية عن تحديات الأمن في جنوب آسيا.

جمعت الحلقة الدراسية التي استمرت عشرة أيام مجموعة من الباكستانيين والهنود والأفغان للجدل بشأن النزاعات المتعددة ومصادر التوتر عبر المنطقة. وعلى رغم أن المواضيع قيد البحث، كالحروب والمياه والأسلحة وجميع أنواع «الأصول الاستراتيجية»، كانت مشحونة وخلافية، فقد حافظ المشاركون على سلوك ودِّي ومهني، مضيفين أحياناً قدراً طفيفاً من التحذيرات والمعارضة المهذبة إلى ملاحظاتهم.

إلا أن موضوعاً محدداً برز في تعليقات زميلي الأفغاني: بغض النظر عن مشاكلنا فإن أفغانستان وراءها. وبغض النظر عن الحلول الممكنة لهذه المشاكل فإنها تبدأ في الباكستان. سباق التسلح النووي في المنطقة وفشل الاستراتيجية العسكرية في الولايات المتحدة ولعنة الإرهاب الإقليمي ومشكلة الحكم في أفغانستان ومعوقات التعاون الإقليمي في التجارة والتنمية وأعمال الاستكشاف الأفغانية البطيئة والمتعثرة في مجال الطاقة والموارد المعدنية، السبب في جميعها، بغض النظر، هي الباكستان.

أعترف بأن المشاركين الأفغان كانوا يتكلمون ضمن مجال محدد جدّاً: كانوا خارج بلادهم، يخاطبون في الوقت نفسه جمهوراً إقليميّاً وأميركيّاً. وكانوا كممثلين لبلدهم، مثل بقيتنا يتعاملون مع آراء رسمية وشعبية وشخصية. لم تكن المجموعة بالضرورة تمثل الشعب الأفغاني ككل. كذلك أثّرت الطبيعة ذات التركيز الأمني للحلقة الدراسية بتأكيد أطر الحوار، تاركة مساحة أقل لبحث الأمور الجغرافية السياسية الإقليمية بأسلوب إجمالي.

كانت حقيقة أن السرد الأفغاني عن الباكستان، الأكثر إثارة للاهتمام من مجالات الصح والخطأ لوجهات نظر زملائي، مماثلة بشكل غريب للوصف الباكستاني لسياسة الولايات المتحدة الخارجية. وبالأسلوب نفسه تقريباً، الذي يرى فيه الأفغان يداً باكستانية وراء جميع المشاكل، تبنَّى الباكستانيون عن قناعة كاملة وهماً مشحوناً بوجود دائم وقوة خارقة لأميركا.

ولدى الباكستانيين أيضاً، مثلهم مثل الأفغان شكاوى شرعية ضد الولايات المتحدة. يمكن عند هذه النقطة سرد سلسلة من الاحتجاجات صمّاً عن ظهر قلب: المتشددون المسلحون الذين مكّنتهم الولايات المتحدة في ثمانينات القرن الماضي، واستغلال واشنطن للباكستان كدولة عميلة، والمعونة الأميركية التي فاقمت منذ فترة طويلة انعدام التوازن المدني العسكري، والتدخل الأميركي الذي زاد من فساد السياسات المحلية، إلخ.

وبالطبع، تماماً مثلما لباكستان طرفها من القصة لمجابهة السرد الأفغاني، وأيضاً مجموعتها من الاحتجاجات والشكاوى ضد أفغانستان، يوجد لدى الولايات المتحدة تذمّراتها الخاصة ضد التجاوزات الباكستانية.

ليست النقطة هنا تكرار الديناميات المعقَّدة للروابط الثنائية الباكستانية الأفغانية والباكستانية الأميركية، وإنما لإظهار أن كلاًّ من الباكستان وأفغانستان تبدوان وقد تبنّتا سرد الوقوع ضحية. وعندما تواجهان شبكة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية المتنامية، فإنهما تضعان اللوم ببساطة في مكان آخر. ليست هذه مشكلة صنعناها بأنفسنا، كما يبدو وكأن المنطق يفترض، ولا يمكن بالتالي أن يُطلَب منا تصحيحها.

هذا النوع من سرد موقع الضحية خطير لعدد من الأسباب، فهو يسمح للحكومات بتحويل المسئولية عن المشاكل المعاصرة والتركيز على الماضي بدلاً من التخطيط للمستقبل. وهي مدمّرة عندما يعود الأمر إلى التخطيط الاستراتيجي لأمّة ما لتحديد الأهداف الاستراتيجية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إذ تجب عليها صياغة رؤية للمستقبل ومتابعتها بنفسها. ولكن إذا كانت الأمّة تعاني من عقدة النقص التي تعاني منها الضحية، يصبح تخطيطها الاستراتيجي رد فعل بدلاً من أن يكون فاعلاً ونشطاً. وبدلاً من وضع الأهداف لتحقيقها، تتردد وتنتظر أن يقوم الشرير المعلَن (مثل إسلام أباد أو واشنطن) بتحرك ما. وقتها فقط يتم التجاوب، وبأسلوب دفاعي كذلك.

نستطيع رؤية مطبّات أزمة عقدة الضحية في كل من باكستان وأفغانستان وهي تظهر وتنمو وتعمل ضمن جهود التفاوض على نهاية اللعبة في أفغانستان. بدلاً من إعادة تنشيط مجلس السلام الأكبر، الذي وُجِد لعقد محادثات مع طالبان، تنتظر كابول لرؤية ما تنظّمه الولايات المتحدة وباكستان كأطر مقبولة للتفاوض. في هذه الأثناء، وبدلاً من إعداد سياسة شاملة منمّقة للانخراط مع أفغانستان في لجان الأمن والسياسة والتجارة، تنتظر إسلام أباد، والرئاسة العامة للجيش الباكستاني، المؤشرات من واشنطن.

لقد حان الوقت لتتحمل كل من باكستان وأفغانستان وزر مشاكلهما وصياغة رؤى وطنية تفاعلية. يمكن للتمكين أن يأتي من الداخل، وهو يبدأ من خلال مخاطبة القضايا التي تقع تحت سيطرتك. وإلى أن يقوما بإعادة كتابة سرد عقدة الضحية، لا يمكن لإسلام أباد وكابول لملمة القطع المتناثرة من حولهما

العدد 3210 - الثلثاء 21 يونيو 2011م الموافق 19 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً