لم تكن بدايات أدريان ليستر على الشاشة مبشرة، في الثمانينات كان وجها معتادا في مسلسل Crossroads الذي تبثه القناة الثالثة على التلفزيون البريطاني إذ لعب جميع الأدوار بدءا من دور خادم الفندق وصولا لدور لص السيارات. ليستر قام في العام الماضي بدور ثانوي في فيلم ميللودرامي كئيب تدور حوادثه في أحد فنادق بيرمنغهام الصغيرة، زاده سوءا وكآبة ديكوراته وتصميماته المرتبكة بشكل لا يصدق، ليستر تحدث عن ذلك في إحدى لقاءاته فقال: "أتذكر أنني كنت وحين أريد أن أغلق الباب، كنت أفعل ذلك بعناية فائقة لأن الديكورات لم تكن تحتمل أية هزة". وتم تصوير الفيلم في فترة قياسية لدرجة أن الممثلين كانوا يقومون بتسجيل حواراتهم في ممرات الاستوديو، وبطريقة لا تصدق إذ قد تراهم متحدثين على الهاتف في الوقت الذي يقومون فيه بتسجيل هذه الحوارات، في هذا الاتجاه كان ليستر يتحرك، وقد لا يكون وجهه معروفا لكنه كان دائما على وشك أن يصبح نجما. على المستوى الشخصي فإن ليستر الذي تجاوز 35 من عمره يصعد سلم النجاح شيئا فشيئا، هو شخص مرح، على عكس الصورة التي يرسمها الكثير من الممثلين المسرحيين لأنفسهم والتي تظهرهم في صورة فنانين معذبين بائسين. ضحك ليستر طويلا حين تذكر إحدى المحطات المميزة في عمله كممثل وهي ظهوره في المسلسل الهزلي الأميركي Girlfriends والذي يبدو وكأنه غير فخور بظهوره فيه، ربما لكونه مسلسلا مختلفا عن كل ما قدمه ليستر خلال عقد ونصف العقد من أعمال أشيد بها، فلقد فتن جمهوره أولا في العام 1991 بظهوره في شخصية روزاليند الساحر المثير في فيلم As You Like It. رشح لجائزة سكوب أوليفر عن دوره في فيلم Sweeney Todd في العام 1993 وعن أدائه في فيلم المخرج سام مانديز الذي قدم في العام 1996 Company، وبعد ثلاثة أعوام فاز بجائزة كارلتون لأدائه دور هاملت في عمل مسرحي من إخراج بيتر بروك. كما انه قدم أداء مذهلا إلى جانب جون ترافولتا وايما ثومبسون في الفيلم الذي جعله وجها معروفا في هوليوود Primary Colors وهو فيلم هجاء سياسي مأخوذ من حياة الرئيس السابق كلينتون وزوجته وهو من إخراج مايك نيكولاس، وفي عمل المخرج كينيث براغ الغنائي الراقص Loveصs Labour Lost، ودوره البارز في Storm Damage وفي فيلم المخرج ليني جيمس المؤلم الذي يتحدث عن الأطفال في دور الرعاية. على ما يبدو فإن ليستر تميز في العالمين عالم السينما وعالم المسرح. وحصل على احترام كبير في السينما من دون أن يورط نفسه مع صحف التابلويد، وكما يصفه النقاد فإنه قد تسلل إلى المسرح ليصبح واحدا من أكثر المواهب تميزا على المسرح البريطاني، أداؤه يبدو كنافذة مفتوحة، يدخل منها الهواء النقي إلى الزوايا المختنقة، ويواصل الناقدون وصفهم لادائه كما يأتي "التفرج على ليستر وهو يؤدي دوره على المسرح يعطيك شعورا بأن هذا الممثل يمكن أن يلعب أي دور، يمكن أن يكون شيلوك أو بورتيا، ليونتيس أو ماميلوس، ذات الرداء الأحمر أو الذئب الكبير الشرير". الحقيقة هي أن ليستر يمتلك قدرات ومواهب متعددة وهو قادر على أن يلعب دور النساء بصورة مقنعة كتلك التي يلعب بها دور الرجال، لكن مصدر قوته تكمن في حال السكون التي يعيشها. على المسرح تجد نفسك مجبرا على الانشداد لأدائه ويبدو وكأن كل الأنظار تتوجه إليه حتى وان لم يقم بأية شيء. ميزته تلك بدت واضحة فيما يمكن أن يكون أفضل أداء له حين قدم شخصية هنري الخامس المتسلط بشكل عفوي والهادئ بشكل مرعب في العام .2003 لعب ليستر دور الملك المهيب، وقائد الحرب المحب للإعلام، الذي يملك شخصية حادة وهو دور يقول عنه ليستر: "حين شاهدت ما يجري في العراق وجدت أن تقديم شخصية الملك وكأنها شخصية من العصور الوسطى سيكون غباء شديدا، ولذلك توجب تغيير زيها، فالمسرحية ركزت بشكل كبير على الصراع الدائر في العراق الذي نشهد تفاصيله يوميا على شاشاتنا، أعتقد أن الأمر كان مثيرا للمشاهدين لأن يروا على المسرح ما يقرأون عنه في الصحف صباحا". خلال التدريبات كانت نشرات الأخبار اليومية تحرض ليستر على تقديم المزيد، يقول: "فعل طوني بلير ما فعله هنري الخامس تماما، إذ قام بالتحشيد للحرب من خلال التأثير على عواطف وعقول الانجليز مستخدما ما يصلح لذلك من عبارات لاقناعهم بفكرة ضرورة اتجاهه للحرب. لقد ختمنا العمل ناقلين للجمهور فكرة مفادها اننا جميعا يجب أن نعرف كل الأمور المخفية في السياسة، وان نعرف بعدها كيف نتدبر أمورنا". ويواصل ليستر "ان مسرحية هنري الخامس اعطت الانجليز شعورا بأن بلدهم في يوم ما كان بريطانيا الصغرى التي تحمل قلبا كبيرا، وان ملكه في يوم ما كان يستخدم الإعلام لمساعدته في حملته تلك. لم يكن ممكنا تغافل المقارنات والتشابهات بين حال بريطانيا في تلك الفترة واليوم". أول حب في حياة ليستر في بدايات شبابه في بيرمنغهام كان الرقص ولايزال ماهرا في ذلك، لكن انضمامه إلى إحدى المجموعات الشبابية حول وجهته إلى التمثيل. عند ما أصبح في سن السادسة عشرة، قام بتأليف أول مسرحياته وهي مسرحية غاضبة كانت مبنية على تجربة ابن عمه الذي هرب من البيت وانتهى به الأمر لأن يعيش في الشارع ويصبح مشردا، بعد ذلك كتب مسرحية Rada وهي المسرحية التي التقى من خلالها بالممثلة لوليتا شاكربارتي، وهما الآن متزوجان ولديهما ابناء. حتى الآن فإن الفجوة في عمل ليستر كممثل هو انه كان في التلفزيون وجها مميزا ويمكن إثبات هذا الأمر من خلال مسلسل Hustle الذي بثته الـ "بي بي سي" في العام الماضي، والذي تدور قصته حول خمسة محتالين متخصصين في الخداع، قد لعب دور ميكي بريك ستون، قائد فريق خماسي من المحتالين. الأمر الذي يحبه ليستر في ادوار الاحتيال التي أداها هو أنها لم تكتب لممثلين سود، في الماضي اشتكى من ان مخرجي التلفزيون كانوا دائما ما يعطونه أدوار اعتيادية مثل دور مروج المخدرات أو المتاجر بأعراض الناس، يقول: "كنت أتمنى دائما أن أقدم شخصية مركبة مثل شخصية ميكي، بعض الشخصيات مكتوبة خصوصا لممثلين سود ويبدو وكأن الكاتب كان يحمل حال كتابتها صورة لممثل أسود ثم يبدو وكأنه يريد أن يعطي هذا الممثل شخصية لطيفة، ولكن الأمر ليس كذلك هذه المرة، إذ بمجرد أن يتوقف الناس عن أن ينظروا إليك كفرد يصبح الأمر مشكلة، لأنهم لا ينظرون إليك حينها على أنك أنت. مسلسل Hustle كان مختلفا بالنسبة إلي فأي ممثل كان يمكن أن يقوم بشخصية ميكي بغض النظر عن لونه، لم يكن مهما من يقوم بالدور أو ما هو". يعتقد ليستر أنه في هذا اليوم وعند هذا السن يجب أن يوسع أفقه بحيث يتجاوز مرحلة العرق واللون، يقول: "عندما يقوم شخص ما من عرق ما بعمل شيء مميز في عالم التمثيل، نسمع الجميع يتحدثون عن الأمر ويقولون ألم يكن ذلك رائعا، ولكن هذا الأمر يحدث كثيرا الآن بحيث أصبح لا يستحق تناقله، فهناك الكثير من الممثلين الملونين الذين نراهم على الشاشات دائما مثل: ديفيد اويلو، باترسون جوزيف، ديفيد هايروود، كوامي كوي آرماه". ويواصل ليستر: "في العام 2004 حين تم استبدال كين ستوت بطل مسلسلThe Vice الذي تعرضه القناة الثالثة على التلفزيون البريطاني والذي عرض لست سنوات متتالية، بديفيد هايروود، كان هناك ضجة كبيرة حين ظهر ديفيد وكان الجميع يقولون: "يا إلهي رجل أسود يأخذ دورا رئيسيا، ما الذي يحدث"، كنت أضرب رأسي بالحائط حينها وأقول نحن في 2004 لا أصدق ما تفعله الصحافة في هذا البلد" ويكمل حديثه "بعض الصحافيين رغبوا في التحدث معي عن قيام ممثل أسود بدور الملك هنري الخامس، لكنني أرتأيت حينها أنه يجب ألا أتحدث عن الأمر، فاعتذرت عن إجراء عدد من المقابلات للحديث عن ذلك، نعم انه أمر مثير للاهتمام على المستوى الاجتماعي والسياسي، لكنه لا يثير اهتمامي لاناقشه مع أي أحد، فهل ستبدو الكلمات مختلفة على لساني بسبب لون بشرتي". ويتنهد ليستر ثم يكمل "هناك دائما المزيد من الفرص لي على رغم لون بشرتي" ويواصل "مثلا عندما وصلنا إلى موضوع تمويل العمل، كان هناك اعتقاد بأن قيام ممثل أبيض بدور البطولة سيحقق نجاحا هائلا للعمل، وأحزنني ذلك". هناك الكثير من الاشاعات التي تدور بشأن ليستر لكن الذكاء الشديد الذي يحمله هذا الممثل يمنعه من الاكتراث بما يروج حوله، بعد حال الاحباط التي لحقت به بسبب نجاحه في فيلم Primary Colors تعلم ليستر ألا ينجرف وراء أي شيء، يقول ليستر: "تذوقت طعم العمل مع هوليوود من خلال هذا الفيلم، الشمس هناك كانت مشرقة على الدوام، وكان لدي سائق خاص وسيارة فخمة، كنت أعيش حياة نجم سينمائي كبير، لكنني عندما عدت إلى انجلترا وجدت واقعا مختلفا لدي إذ إنني لم أقم بأي عمل لعام كامل". ويعترف قائلا: "مررت بفترة بدأت فيها أسأل نفسي عمن أكون، عادة حين أكون في أميركا للترويج لأي شيء، أقع في مصيدة الصخب الإعلامي والأضواء لكنني حين أعود أقول لنفسي: "أتمنى أن يعرض علي أحد آخر عمل ما"
العدد 940 - السبت 02 أبريل 2005م الموافق 22 صفر 1426هـ